نادراً ما كانت علاقة اليونان بالإسلام محفوفة بروحية إيجابية، بل ظلّت مثقلة بأعباء التاريخ. إلاّ أنّ شبكة الإنترنت تتيح الفرصة لليونانيين لتفكيك أغلال الانطباعات المسبقة، والخروج من القوالب النمطية، مقدمة تعريفاً بالدين الإسلامي، وقضايا الفكر والثقافة الإسلامية لعامة الجمهور في البلاد، بانفتاح وثقة. فموقع الاسلام باليونانية، يُعدّ أول موقع من نوعه على الشبكة الإلكترونية. فهو يتوجّه بشكل خاص إلى عامة اليونانيين، علاوة على مخاطبته الجالية العربية والمسلمة المقيمة في اليونان، وبدرجات أقل مع المهتمين من خارج اليونان. ويحرز الموقع الذي تم إنشاؤه عام 2006، قفزات متوالية. فقد كان في البدء تجربة مقتصرة على اللغة اليونانية، ومنذ ذلك الحين شهد تحديثات وإضافات من ناحية المواد المنشورة والدعم التقني واللغات المعتمدة، حتى صار يضمّ وفرة من المواد المتعلقة بالإسلام ومبادئه وتاريخه في حقول شتى، إضافة إلى معالجات تتعلق بالحياة العملية والعلمية. ورغم أنّ الموقع يضمّ اليوم ثلاثة أقسام، هي القسم اليوناني، والقسم العربي، والقسم الإنجليزي؛ إلاّ أنّ التركيز على القسم اليوناني كان ولا يزال الهمّ الأكبر للعاملين على الموقع، وذلك لعدم وجود أي موقع مماثل يخاطب اليونانيين بلغتهم، وفق شرحهم. ويؤكد القائمون على الموقع لوكالة "قدس برس"، أنه يعتمد على الخطاب "المعتدل المتسامح والمنفتح على الآخرين، ويدعو ويشارك عبر القائمين عليه في نشاطات حوارية حول الأديان والإسلام مع غير المسلمين في اليونان، وفي المقابل يستقي المعلومات الإسلامية من المصادر الشرعية الأصيلة التي اتفق عليها أهل السنة والجماعة"، كما يقولون. وطبقاً لنظم العمل فيه؛ يتبنى الموقع "سياسة شرح الاسلام بطريقة مبسطة بعيدة عن التعقيد والإشكالات، ويتجنب الخوض في أي جدل فكري عقيم، كما يبتعد عن المهاترات والمنازعات مع أي طرف أو جهة". ويبدو أنّ هذا الموقع يحقق إقبالاً متزايداً بالفعل، فقد تحوّل في غضون عامين إلى وجهة معروفة للباحثين عن الإسلام أو المهتمين به في بلاد الإغريق. ومع اتساع جمهوره وتزايد متصفحيه، يتنامى الإدراك لانفتاح اليونان الأرثوذكسية على العالم، وتحوّلها الداخلي بشكل متزايد إلى مجتمع أكثر تنوعاً. ويقدِّم هذا الموقع الإلكتروني إجابات على تساؤلات القراء اليونانيين بشأن الإسلام والمسلمين، وهي إجابات معنية في العادة بمعالجة أحكام مسبقة سلبية عالقة في أذهان الجمهور. لكنّ الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فالموقع يتعاون مع مدارس يونانية في شرح مبادئ الإسلام للتلاميذ. ويعتنق مزيد من اليونانيين الإسلام، بعد قناعتهم بدينهم الجديد، بينما يتلقى الموقع باستمرار رسائل تستفسر عن كيفية الدخول في الدين الإسلامي، وكيفية تأدية الفرائض، وعن تعاليم الإسلام ومفاهيمه. ويخاطب الموقع أساساً المتحدثين باليونانية سواء في اليونان ذاتها التي يقطنها أحد عشر مليون نسمة أم في قبرص والشتات اليوناني هائل العدد، بينما تبلغ نسبة متصفحيه من داخل اليونان حوالي سبعين في المائة من مجموع زواره. أما مسلمو اليونان، الذين يبرزون بشكل متزايد ضمن المشهد الاجتماعي العام في البلاد؛ فيتوجّه إليهم الموقع بخدمات من قبيل عناوين المساجد في البلاد ومواقيت الصلاة، علاوة على متابعات من الصحافة اليونانية تتعلق بالشؤون الإسلامية، فضلاً عن زوايا ومضامين أخرى باليونانية والعربية والإنجليزية. ويتوزّع المسلمون في اليونان إلى فئتي المهاجرين والمواطنين. حيث ينتشر المهاجرون المسلمون في جميع مناطق اليونان، ولا يوجد أي إحصاء رسمي لعددهم، لكنهم يبلغون مئات الآلاف، وقد جاء معظمهم الى البلد لأسباب اقتصادية. وأكبر جالية مسلمة في اليونان هي الألبانية، وتليها الجاليات الآسيوية والعربية. ويعمل هؤلاء المسلمون في مجالات البناء والتجارة والزراعة وصيد الأسماك، إضافة إلى وجود عدد كبير من الطلاب في صفوفهم. وتوجد في العاصمة أثينا والمدن اليونانية الأخرى مصليات كثيرة غير مرخصة، وتغض السلطات الطرف عنها لعدم وجود مسجد رسمي في العاصمة. أما المواطنون المسلمون فهم الأقلية المسلمة التي تسكن منطقة ثراكي شمال اليونان، وهم يتحدرون من ثلاث عرقيات: هي التركية، البلغارية، الغجرية، وإن كانت هذه الفروق العرقية غير ظاهرة في الأقلية. وضمن توجّه من الانفتاح الرسمي النسبي؛ أعطت الدولة اليونانية منذ سنوات قليلة، حصة للطلاب والموظفين المسلمين للالتحاق بالجامعات والوظائف الرسمية، ما أدى الى حركة نزوح أعداد منهم خارج منطقة ثراكي، وخاصة إلى العاصمة أثينا، كما أنّ أعداداً منهم تركت المنطقة التي يتمركز فيه المسلمون تاريخياً للعمل خارجها. وينظم الشؤون الدينية للأقلية المسلمة ثلاثة مفتين، في مدن كوموتيني وكسانثي وألكساندروبولي، وهم معيّنون من قبل السلطات اليونانية، ويشرفون على أوقاف الأقلية والمساجد التي تنتشر في مناطق ثراكي. وتجدر الإشارة إلى أنه يوجد عدة آلاف من اليونانيين المسلمين في جزيرتي كوس ورودوس، وهؤلاء لهم مساجد وأوقاف وهيئات مشرفة عليها. كما توجد في اليونان عشرات المساجد والآثار الإسلامية التي تم تحويلها الى مسارح أو استعمالات أخرى، بينما تبدو اليونان أمام استحقاقات الاعتراف بالتنوع في البلاد وبحقائق الانفتاح على العالم، الذي يشكل المسلمون ربع قاطنيه.