في تونس شكوى من تفشي ظاهرة عنف الزوجات وبطشهن بالرجال. وهو ما تحدث عنه تقرير بثته وكالة يونايتد برس للأنباء في الأول من شهر مايو الجاري، ذكرت فيه أن الهيئات الحقوقية التونسية أعربت عن قلقها من تفشي الظاهرة، حيث باتت الزوجات تمارسن أشكالا من العنف الجسدي واللفظي على أزواجهن. وقد تعددت «البؤر» التي أصابتها الظاهرة، حتى أصبحت الجمعيات والمنظمات الأهلية التونسية تستقبل حالات كثيرة لرجال باتوا يلجأون إليها شاكين عنف زوجاتهم. ونقلت الوكالة عن منيرة العكريمي رئيسة جمعية المطلقين والأرامل التونسية أن أكثر من رجل اتصل بها ليشكو زوجته التي تتعمد الاعتداء عليه جسديا ولفظيا. واعتبرت أن ظاهرة عنف الزوجات داخل الأسر أضحت مقلقة، وباتت تهدد تماسكها، الأمر الذي يستدعي ضرورة المعالجة والاحتواء.
من المعلومات التي أوردها التقرير أن أحد وجوه المجتمع المدني التونسي، العربي الفيتوري، اعترف بأنه خاض تجربة من هذا القبيل، دفعته إلى تأسيس «ملجأ المضطهدين زوجيا». وقال إنه يستقبل في الملجأ العديد من الأزواج الذين تضطهدهم زوجاتهم، وغالبا ما يجدون أنفسهم خارج بيت الزوجية بسبب ذلك الاضطهاد. وقد تزايدت أعداد ضحايا الظاهرة حتى ذكرت دراسة جامعية حول العنف بين الأزواج أن 10% من التونسيات المتزوجات يضربن أزواجهن، وأن 30% منهن يعتدين بالعنف اللفظي عليهم، ودعا السيد الفيتوري إلى كسر «حاجز الصمت» بعد تنامي الظاهرة التي اعتبرها جديدة ودخيلة على المجتمع التونسي.
ثمة معلومات في التقرير تحدثت عن قرائن تدل على وجود لظاهرة ضرب الأزواج وممارسة أشكال العنف الأخرى ضدهم في بعض الدول العربية، منها مصر التي تأسست فيها جمعية «سي السيد» (لم أسمع بها من قبل) والمغرب التي تأسست فيها شبكة للدفاع عن حقوق الرجال وحمايتهم من عنف الزوجات. كما أظهرت إحصاءات وجود بعض ضحايا الظاهرة في مملكة البحرين.
ليس لدي تفسير لبروز الظاهرة بشكل أوضح في تونس بوجه أخص، ولا أعرف ما إذا كانت لها صلة أم لا بقوانين الأحوال الشخصية التي أخلت بموازين الأسرة وأدت إلى ارتفاع ملحوظ في أعداد المطلقات، أم أن لها صلة بما هو معروف عن رقة حال الرجال في تونس، الأمر الذي شجع النساء على الاستقواء عليهم، أم أنها من نتائج حملة التغريب الشديدة هناك، كما أنني لست واثقا من علاقة ظاهرة بطش الزوجات بالبطش الذي تمارسه السلطة بحق المجتمع، باعتبار أن الممارسات الأخيرة تلقن الناس دروسا يومية في القمع والقهر.
المسألة ليست جديدة تماما، فنحن نقرأ بين الحين والآخر أخبارا بعضها عن عنف الزوجات ضد الأزواج، وبعضها عن قتل الأزواج بأيدي زوجاتهم. ومازلت أذكر ما سمعته من الأستاذ أحمد بهاء الدين رحمه الله ذات مرة، حيث وجد أن بعض المثقفين غادروا البلد في عهد الرئيس السادات واستقروا في اليمن الجنوبي الذي كان خاضعا آنذاك للحكم الشيوعي. وإذا استغرب ذلك الاختيار من جانبهم، ولأنه يعرف ظروفهم جيدا، فقد قال إنهم ليسوا لاجئين سياسيين، ولكنهم هاربون من بطش زوجاتهم في حقيقة الأمر، أدركوا أن بقاءهم بعيدا في ظل الأوضاع الصعبة القائمة في عدن أهون من استمرارهم في بيوتهم تحت رحمة زوجاتهم.
واضح أن ما كان في السابق حوادث فردية استثنائية بصدد التحول إلى ظواهر اجتماعية لا نعرف حجمها الحقيقي بعد، بسبب غياب التفاصيل المحجوبة وراء جدار الصمت. مع ذلك فينبغي أن نعترف بأن خرائطنا الاجتماعية تغيرت، وأن الصورة النمطية للرجل الشرقي المهيب والمرهوب تجاوزها الزمن، بعدما أصبح التلفزيون هو المربي والمرشد في البيت.
ويظل التغير مرحبا به بطبيعة الحال، شريطة أن يكون خطوة إلى الأمام وليس إلى الوراء، حيث لا يسرنا بأي حال أن يضرب الرجل المرأة أو أن تضرب المرأة الرجل، أو أن تضرب الحكومة الاثنين. صحيفة الرؤي