تونس: ارتفاع الطلب على الغاز الطبيعي ب9%    عاجل: جامعة السباحة توضح حيثيات ملف تأشيرات منتخب الأواسط لبطولة العالم برومانيا    غدا: ارتفاع في درجات الحرارة في أغلب المناطق... لكنها ليست موجة حر    عدوى خطيرة عبر مكيفات الهواء تودي بحياة 5 أشخاص في نيويورك    عاجل/ بعد موافقة "حماس": نتنياهو يرفض المقترح الجديد بشأن غزة    أكثر من 1100 حالة وفاة في اسبانيا إثر موجة حر استمرت 16 يوما.. #خبر_عاجل    قريبا.. إقتناء 418 حافلة جديدة ستخصّص أغلبها للجهات.. #خبر_عاجل    المنتخب التونسي لكرة السلة ينهزم ضد الرأس الأخضر ويودّع كأس إفريقيا    رئيسة الحكومة تعرض على الوكالة اليابانية للتعاون عددا من المشاريع الكبرى    حالة الطقس هذه الليلة..    عاجل/ هذا ما تقرّر ضد قاتل والده في القصرين    عاجل/ إصابة شخص ونفوق قطيع من الإبل في حادث مرور    تزامنا مع اقتراب المولد النبوي: حجز كميات من المكسرات والحلوى غير صالحة للاستهلاك    وزارتا التشغيل والصحة تؤكّدان أن التكوين في الاختصاصات شبه الطبية يشترط فيه وجوبا التنظير    تونس وردت قرابة 10 بالمائة من حاجياتها من الكهرباء مباشرة من الجزائر مع موفي جوان 2025    تعيينات حكام الجولة الثالثة من بطولة الرابطة المحترفة الأولى    بطولة إفريقيا لرفع الأثقال: التونسية آية حسني تظفر بثلاث ذهبيات    عمران العافي اول انتداب اولمبيك سيدي بوزيد للموسم الرياضي الجديد    حرائق الغابات تجتاح مصر وتعطل الخدمات الحيوية    عاجل : تفكيك أكبر مصنع للكبتاغون في الشرق الأوسط بلبنان    أرانب ''زومبي'' بقرون سوداء تثير رعب السكان    كرة اليد: جناح جندوبة الرياضية يمضي للملعب التونسي    خمس روايات تونسية ضمن القائمة القصيرة لجائزة كتارا للرواية العربية 2025    عاجل : رحيل الفنانة السورية إيمان الغوري    مدنين: حركية عبور مكثفة عبر الطريق الرومانية تزامنا مع توقف نشاط بطّاحات جزيرة جربة بسبب الاضراب    إيداع شاب السجن بعد تهشيم بلور حافلة في سيدي حسين    Ooredoo Music Fest by OPPO يعود في نسخته الثالثة مع عرض رڤوج وتجربة غامرة فريدة من نوعها    عاجل/ جامعة التعليم الثانوي تلوح بعودة مدرسية كارثية..    عاجل: موعد ترسيم أطفال التحضيري    الدعم الجزائري لجبهة "أزواد" ..هل ينقلب الى نقمة ؟    عاجل : النجم الساحلي يتعاقد مع اللاعب الدولي الليبي نور الدين القليب    قرطاج الدولي يفتح أبواب السينما للأطفال: عرض مجاني لفيلم La Princesse et la Grenouille    فتح مناظرة بالملفات للتسجيل في اختصاص ثان للحصول على الشهادة الوطنية للإجازة من أحد المعاهد العليا للدراسات التكنولوجية    دليلك القانوني في فرنسا: كيف تحمي نفسك من الترحيل والاحتجاز؟    النادي الصفاقسي: إنطلاق موسم الإصابات في الفريق .. وغموض حول وضعية معلول    الحماية المدنية: 530 تدخلا منها 87 لإطفاء حرائق خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية    خزندار: إيقاف عنصر إجرامي محل مناشير تفتيش لفائدة عدة محاكم    دخول قسم الطب الباطني الجديد بالمستشفى الجامعي فرحات حشاد بسوسة حيّز الاستغلال    العودة المدرسية: كل التلاميذ عندهم نفس الكراسات وبنفس العدد    عاجل : أمريكا تلغي أكثر من 6000 تأشيرة دراسية    المولد النبوي : شوف كفاش تختار بين الزقوقو التونسي و المستورد؟    تونس: إيقاف مسافر حاول الاعتداء على سائق مترو    فاجعة: وفاة طفل بسبب أكلة..!    المشروبات شديدة السخونة.. "خطر خفي" يهدد صحتك    أمام 7 آلاف متفرج: الفنان اللبناني آدم يعتلي ركح قرطاج للمرة الأولى في مسيرته    صدمة علمية: مشروباتنا اليومية مليئة بالبلاستيك...تفاصيل!    ماكرون.. مكان لقاء بوتين مع زيلينسكي سيحدد خلال ساعات    تاريخ الخيانات السياسية (50).. حبس الخليفة المستكفي حتى وفاته    في مهرجان قرطاج: «ثلاثون» يعيد الحياة لإرث فاضل الجزيري    عاجل/ القبض على مسافر تهجّم على سائق مترو    غرفة تجار الدواجن تدعُو وزارة التجارة للتدخّل لضبط هوامش الربح بالنسبة للبيض    الميزان التجاري الغذائي يسجل فائضا خلال الأشهر السبعة الأولى من 2025    عرض "رقوج " ... تجربة فنية إبداعية من صنف الكوميديا الموسيقية تبهر جمهور مهرجان صفاقس الدولي    صيف وضيف...الفنّانة التشكيليّة الشابة غادة عسكري (حمام الأنف).. .. رؤى الحداثية لإبراز التّراث العربي الإسلامي    حكايات وحِكم.. يجود علينا الخيّرون بمالهم.. ونحن بمال الخيّرين نجود    تاريخ الخيانات السياسية (49)...توزون يفقأ عيني الخليفة المتّقي    عاجل : فلكيا...موعد عطلة المولد النبوي الشريف 2025 للقطاعين العام و الخاص    هام/ عطلة بيوم بمناسبة المولد النبوي الشريف..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وقفة مع ديوان الشابي:عبد الحميد العداسي
نشر في الفجر نيوز يوم 11 - 05 - 2009

إذا الشّعبُ يوما أراد الحياةَ *** فلا بدّ أن يستجيب القدرْ
ولا بدّ للّيل أن ينجلِي *** ولا بدّ للقيد أن ينكسرْ
ومن لم يعانقْه شوقُ الحياةِ *** تبخّر في جوّها، واندثرْ
العرب في المشرق والمغرب يردّدون هذه الأبيات وخاصّة الأوليين منها... فكثير منهم يعرفون قائلها وكثير منهم يجهلونه... وكثير منهم يحمّلونها ما لا تحتمل فيعتبون على القائل تطاولَه على القدر (وكيف يستجيب) وكثير منهم يرونها كما أرادها الشاعر ولكن دون كثرة دراية بما أراد الشاعر في بعض الأحايين... وفي تونس بلاد أبي القاسم الشابي الذي قال هذه الأبيات تُغنّى الكلمات فيطرب الشعب - المدعو بالأبيات للحياة - على أنغامها حتّى يتمايل دون أن يفقه معنى الكلمات ودون أن ينتبه إلى عدم رضا الشاعر عنه، وقد رأى فيه هذا الانصراف القاتل عن الحياة الكريمة، وهذ الرغبة العجيبة في العيش بين الحفر، حتّى لقد فرّ منه ولجأ إلى الأرض يسألها "أيا أمّ هل تكرهين البشر؟!" فتجيبه على لسانه ودون مجاملة:
أبارك في النّاسِ أهلَ الطُّمُوحِ *** ومَن يستلذّ ركوبَ الخَطَرْ
وألعن مَن لا يُماشي الزّمانَ *** ويقنع بالعيش عيش الحَجَرْ
ولجتُ الكتاب من بابه فألفيت كاتبه ابن خرّيج الأزهر الشريف قد فهم من أبيه المدرّس المربّي القاضي رحمه الله معاني الرحمة والحنان، وتعلّم منه أنّ الحقّ خير ما في هذا العالم، وأقدس ما في الوجود، وهو ما حفّزه – أحسب – على اجتناب المجاملة القاتلة، فكان صريحا إلى حدّ الإساءة إلى نفسه، إذ النّاس في أغلبهم لا يتواضعون للحقّ ولا يعترفون بالخطأ على مرأى من نظم شاعر مبدع في زمانه وعبر العصور...
حاولت أن أصحب الشاعر فأغنم من شعره وأدبه وفلسفته غير أنّ زادي قد بطّأ بي، وعليه فأنا اليوم أنقل عنه انطباعا وليس فهما كي لا أرْمَى بالصواعق المرسلة من بعض المدافعين عن الشاعر بحميّة الجاهلية...
رأيت أبا القاسم مخلصا لبلده ووطنه وشعبه - وأصدقاؤه في مقدمته - إخلاصا قد لا يأتي الدهر بمثله، ولكنّي عبت عليه في بعض الأحيان قساوته على نفسه أو لأقل عدم التحوّط لنفسه من لسانه، فكثيرا ما يردّد أقوالَ تدفع إلى الحيرة في ضبط لونه ومعرفة علاقته بربّه، وهو ابن الشيخ الأزهري الزيتوني رحمه الله تعالى... وهو إذ يفعل ذلك يلوذ دوما بالفيلسوف فيه، فيبيح للسانه على لسانه ما لا يصدر عموما إلاّ عن الفلاسفة الشعراء الذين كثيرا ما يهيمون في الأودية متّبعين الشياطين؛ حتّى يشكّك في قصيدته "إلى الله" في رحمة الله، بل حتّى يشكك في وجود الله:
خبّروني، هل للوراء من إله، *** راحم – مثل زعمهم – أوّاهِ
.....
إنّني لم أجده في هاته الدّن *** ا، فهل خلف أفقها من إلهِ
وإنّي إذ أتفهّم وأرى بأنّ مرضه المطوّل كاد أن يكون عليه كفرا، فقد استغربت من الشابي وقفاته الكثيرة مع الوجود يبثّه فيها عدم راحته وخيبة ظنّه وظمأه إلى الحقيقة، ولولا رجعات سريعة منه إلى ذاته الرّيفية التقليدية لخلد بذهني منه تمرّد غير محمود على الوجود وعلى خالق الوجود نفسه، ولكنّ هذه الرّجعات السريعة تزيد من القناعة بأنّ المرض من ناحية والشعب الذي ظلّ في عينه صغيرا لاعبا بالتراب غير متناغم ولا منسجم معه ومع شعره غير مريد للحياة من ناحية أخرى قد أجريا على لسانه من الإبداع الشعري ما قد يمتّع غيره ويورّط نفسه علم ذلك أم لم يعلم... يقول في بعض رجعاته:
يا إلهي! قد أنطق الهمّ قلبي *** بالذي كان، فاغتفر يا إلهي!
قدم اليأس والكآبة داستْ *** قلبيَ المتعبَ، الغريب، الواهي
فتشظّى وتلك بعضُ شظايا *** ه..، فسامحْ قنوطه المتناهي
فهو يا ربّ معبدُ الحقّ، والإي *** مان والنور والنّقاء الإلهي
وهو ناي الجمال والحبّ والأح *** لام، لكن قد حطّمته الدّواهي
تلك بعض مؤاخذاتي على الشاعر المبدع الشابي، وقد ساءتني إساءته لنفس أبيّة كنفسه ولروح مرحة كروحه ولحبّ للحياة كحبّه هو للحياة، ولولا ذلك لما نقلت عنه إلاّ ما وصف هو به ثباته الحقّ:
النور في قلبي وبين جوانحي *** فعلام أخشى السير في الظلماء
....
من جاش بالوحي المقدّس قلبُه *** لم يحتفل بحجارة الفلتاء
وأمّا الديوان، فلا تدخله حتّى تصير أسيره، فلا تفضّل على صناعته صناعة، وعلى على نظمه نظما، ولا على تنوّعه تنوّعا، ولا على نَفَس الإخلاص الذي فيه نَفَسا...، أحبّ الشابي الطبيعة فوصفها وصفا دقيقا موسيقيا شاديا، وعايش فجرها وصبحها وضحاها وظهرها وأصيلها ودجاها وصفاء سمائها وتلبّدها وبرودة طقسها واعتداله وحرارته، وصاحب الروض وأزهاره والطير وشدوه والنهر وخريره والشمس وسراجها والقمر ونوره والنجم ولمعانه...
يتبع بإذن الله تعالى.....


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.