أ.د. محمد اسحق الريفي الفجرنيوز ما أصعب ألا يكتفي بعض المنهزمين نفسياً من المثقفين العرب بلزوم الصمت إزاء العدوان الصهيوني المتواصل على شعبنا الفلسطيني، فيأخذون في تثبيطه ويلحون عليه كي يستسلم، بقصد أو بغير قصد، ظناً منهم أن في الاستسلام نجاة لشعبنا من المعاناة والهلاك، أليس هذا هو الخبال والخذلان المبين!! إن الصمت رغم أنه مرفوض ويعد نقيصة في ثقافتنا الإسلامية، أخف وطأة على نفس شعبنا من دعوته إلى الاستكانة والاستسلام والرضوخ لحكم الأمر الواقع بينما هو في أمس الحاجة إلى من يؤازره ويرفع معنوياته ويقدم له الدعم المادي والمعنوي، وليس إلى من يثبطه ويشككه وييئسه، لا لضعف يعاني منه شعبنا الذي لا تلين له قناة، بل لأن تحرير فلسطين جزء مهم من مشروع تحرير الأمة العربية، التي تخوض صراعاً حضارياً واسعاً، سيما على الجبهة الفلسطينية، التي تعد من أخطر جبهات هذا الصراع، ما يستوجب على العرب والمسلمين حشد الطاقات ورص الصفوف لمواجهة العدو الصهيوني والصليبي. ومما يؤسف له أن نسبة من المثقفين العرب يتعاطون مع المعاناة القاسية التي يعيشها الشعب الفلسطيني والعدوان الوحشي الذي يتعرض له من منطلق انهزامي مبني على أساس أن ما يسمى (إسرائيل) أصبحت أمراً واقعاً وقدراً مقدوراً، فأصبحوا دعاة على أبواب الاستسلام، من أطاعهم من أبناء شعبنا أصابه الوهن وتحول إلى وسيلة ضغط على المقاومة وأداة لابتزازها. ويعود ذلك إلى جهل بعض هؤلاء المثقفين بحقيقة المخططات الصهيونية والأوضاع الفلسطينية داخل فلسطين وخارجها، وإلى عجز بعضهم عن الاستجابة لمقتضيات تطور الصراع العربي–الصهيوني، وإلى محاولة بعضهم للتنصل من مسؤولياتهم تجاه شعبنا. وهناك من المرجفين من يصمت دهراً، فإذا تلكم نطق كفراً وزاد الطين بلة وكان عبئاً ثقيلاً على المقاومة، لأنه يحاول استغلال معاناة شعبنا من أجل تحقيق الأهداف السياسية لأسياده وأولياء نعمته. كنت أشعر بضيق شديد أثناء معركة الفرقان عندما يكتفي كثير من العلماء والدعاة المسلمين وقادة الرأي والفكر – رداً على جرائم العدو الصهيوني – بدعوة شعبنا عبر الفضائيات إلى الصبر والثبات واحتساب الأجر عند الله عز وجل، لأن شعبنا كان يتوقع منهم أكثر من ذلك بكثير، ولكنني وجدت أن هؤلاء الشرفاء يستحقون منَّا اليوم أن نقبل أياديهم المتوضئة، لأن المرجفين نشطوا كثيراً بعد انتهاء الحرب لإقناع شعبنا أنه هُزم، وأنه لا يستطيع مواجهة العدو الصهيوني، وأن مقاومته لن تجلب له سوى المعاناة، وأنه يجب عليه أن يتعقَّل وألا يهلك نفسه، زاعمين أن الصهاينة يستطيعون سحق غزة وتدميرها دون أن يدفعوا الثمن باهظاً، ودون أن يؤدي ذلك إلى إسقاط المخطط الصهيوني المترنح!! ولا تقتصر عملية الإرجاف ودعوة الشعب الفلسطيني إلى الاستسلام على المأجورين والعملاء، والمعادين لنهج المقاومة والجهاد بسبب اعتبارات حزبية فاسدة، فهناك فئة من المثقفين العرب المنهزمين نفسياً وفكرياً وحضارياً تمارس الإرجاف والتثبيط ضد الشعب الفلسطيني، بذريعة البراغمامتية والتعقل، وتمشياً مع إرادة المجتمع الدولي. وفي الحقيقة، يسيء هؤلاء المنهزمون حساباتهم وتقديراتهم فيما يتعلق بقدرة شعبنا على مواصلة مسيرة التحرير من جهة وبأهدافه وطموحاته الوطنية والقومية والإسلامية. كما يسيء هؤلاء المنهزمون فهم حقيقة المخططات والنوايا الصهيونية، وخاصة فيما يتعلق بمحاولة إقامة دولة يهودية، وهو مخطط يتحدث عنه قادة الاحتلال الصهيوني اليوم بصراحة تامة، ولكن العرب لا يصدقون، وكثير منهم مخدوع بإمكانية التعايش السلمي مع المعتدين الصهاينة!! ويرى المنهزمون نفسياً، الذين انضموا إلى دعاة الاستسلام بسبب إرجافهم، ربما دون وعي، أن حركة حماس تسوق شعبنا إلى حيث هلاكه، وذلك لأنها تبني سياساتها وخططها الإستراتيجية على أساس حتمية زوال (إسرائيل) وتحرير فلسطين من بحرها إلى نهرها، وهي حتمية تاريخية وديموغرافية وقرآنية، بينما يؤمن المنهزمون أن هذا أمر مستحيل، مستخفين بالشعب الفلسطيني وقادته، الذين قضوا نحبهم وهم يقاومون الاحتلال، والذين لا يزالون يقاومونه ويرفضون الاستسلام، فتباً لهؤلاء المنهزمون وكل دعاة الاستسلام.