للعرب المعاصرين أبطال، لكنهم ليسوا على شاكلة صلاح الدين أو خالد أو نور الدين. إنهم أبطال يظهرون فجأة فتنفخهم الأوهام والظنون العربية، وسرعان ما ينفّسون ويختفون دون أن يصنعوا لهؤلاء العرب معجزة، أو انتصارا، أو حتى يبقونهم على مستوى التردي الذي هم فيه. على مدى عشرات السنين، والمشهد ذاته يتكرر: في الغرب وفي إسرائيل ملامح تغيير لا بد للعرب أن يكون لهم فيها نصيب، فتنفرج أمورهم وتُحل مشاكلهم، ومن ثم تبدأ حياة السعادة والهناء، ويهدأ البال بحل القضية الفلسطينية والمسجد الحرام. كنا في يوم ما ننتظر فوز حزب العمل بالانتخابات، وساهمنا معه في الدعاية الانتخابية. فاز حزب العمل، وفاز بيريس ورابين وباراك، لكن انتظارنا طال. وفاز في الانتخابات الأمريكية من نشتهي، لكن آمالنا ما زالت تمنيات. أتى كلينتون إلى غزة، وصفقنا له بحرارة، وأتى شيراك ووعدنا بدولة، وأتى مبعوثون كثر ولم يتحقق لنا حلم بعد. الآن هو دور أوباما الذي اخترت له لقب الحاج لأنه ينحدر ولوجزئيا من أسرة مسلمة (إذا كانت له أسرة حقيقية)، ولما في كلمة حاج من بركات قد تعم على الجميع. قد يكون الرجل صادقا في بعض ما قال، وقد يحقق شيئا مما قال بخصوص العرب والمسلمين، لكن ذلك لا يبرر كل هذا التفاؤل الذي يحمله الحكام العرب ومن والاهم من وسائل إعلام ومساعدين ومنتفعين. لقد كتب العرب وأسهبوا، كما لم يكتبوا ولم يسهبوا من قبل حتى ظن بعض الناس أن أوباما ليس مجرد حاج وإنما عبارة عن نبي منتظر ظهر على الناس بدون وحي، أو ربما أن العناية الإلهية قد رئفت بالعرب فأمرت من حيث لا يدري أوباما بتسخيره لخدمة الكسالى المتواكلين من العرب وإنقاذهم من الهموم السابقة واللاحقة. لم ألمس في خطاب أوباما جديدا غير المقاربة أو أسلوب الخطاب، وهو لم يقدم رؤى حول أي موضوع، واقتصر كلامه على نفحات لها وقع في النفس الإنسانية. لم يتبجح أوباما، لكنه لم يهادن، لم يتحدث عن الإرهاب، لكنه تحدث عن العنف الذي لا يمارسه إلا نحن، وعن برنامج إيران النووي، وعن معاداة حماس لإسرائيل، الخ. تحدث عن حل الدولتين دون أن يعطي تعريفا للدولة الفلسطينية، وترك الأمر ليهيم كما هام عبر السنوات الماضية للاجتهادات المتعددة التي لا تحسمها سوى مسألة القوة. لم يؤكد على حق اللاجئين في العودة، علما بأن جوهر القضية الفلسطينية هو حق العودة وليس إقامة الدولة. ولم يؤكد على حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني الذي يعتبر الثابت الثاني من ثابتين فلسطينيين: حق العودة وحق تقرير المصير. هو قفز إلى مسألة الدولة دون التأكيد على حق تقرير المصير الأمر الذي يعني عدم النية في المساهمة بحل القضية الفلسطينية. حتى لو جد أوباما بإيقاف الاستيطان نحو إقامة دولة فلسطينية، هل ستكون طريقه سهلة ومهمته مكللة بالنجاح؟ هناك عدد من العوامل علينا أن نأخذها بعين الاعتبار قبل إطلاق العنان لتفاؤلنا وهي: أولا: ضعف العرب والسلطة الفلسطينية. لن يجد أوباما في واشنطون جدلية قوية لنفسه يحاور فيها أركان اتخاذ القرار الأمريكي من حيث أن العرب لا يشكلون قوة ضاغطة ولا يهددون البتة المصالح الأمريكية. أنظمة العرب عبارة عن أدوات، والحكام العرب لا يستطيعون الاستمرار في الحكم بدون الرعاية الأمريكية الأمنية والعسكرية والاقتصادية، أما الفلسطينيون فيقودهم دايتون ويوجه خطاهم، ويهددهم بقطع المال كلما رفعوا رؤوسهم. العرب المتفائلون ضعفاء إلى درجة أنهم موضع استهزاء وتندر، وهم مضحكة أمام الأمريكيين، وهم لا يحاولون صناعة مكانة لأنفسهم تجلب لهم بعض الاحترام أو تضعهم في الحسبان. على العرب أن يدركوا أن الضعيف لا يساعد مناصريه حتى لو كانوا صادقين، وعلى الفلسطينيين أن يدركوا أن تعاونهم الأمني مع أمريكا وإسرائيل لن يقربهم من الدولة، بل سيجعلهم مطايا بالمزيد. هذا هو التاريخ، إلا إذا ظن العرب بأن التاريخ سيغير سننه من أجلهم. ثانيا: مؤسسة الدفاع والأمن الأمريكية تساند إسرائيل، ولا ترى في الحكام العرب رصيدا يمكن الاعتماد عليه. وزارة الدفاع كما الأجهزة الأمنية الأمريكية مثل CIA ترى ضرورة تعزيز أمن إسرائيل وتسليحهان وتشجيعها على القيام بمختلف الإجراءات التي تعزز امنها، لأن في ذلك أمن الولاياتالمتحدة. هناك الآن من يقول بأن حل القضية الفلسطينية عبارة عن مصلحة للأمن القومي الأمريكي، ذلك بسبب إيران ولأن أمريكا تريد مبررا للحكام العرب لتوظيف جيوشهم لحرب إيران وليس لأن أمريكا باتت واعية للحقوق الفلسطينية. ثالثا: هناك مجموعات ضغط يهودية وغير يهودية لها ثقلها الكبير والمؤثر في الساحة الأمريكية، وهي على استعداد للتحرك في مواجهة سياسة الرئيس فيما إذا رأت أنه تجاوز حدود المصالح الإسرائيلية وفق تقديرها وتقدير إسرائيل. رابعا: وسائل الإعلام الأمريكية التي تساهم مساهمة كبيرة في بناء الرأي العام الأمريكي تتحفظ كثيرا على مقاربات أوباما وفي أغلبيتها العظمى مؤيدة لإسرائيل، ومنها من بدأ بمهاجمته. سيجد أوباما سدا إعلاميا كبيرا فيما إذا ضغط على إسرائيل بطريقة لا تتوافق مع التحيزات الإعلامية السائدة في أمريكا، وهو سيحتاج إلى جهد كبير للتأثير المضاد في الرأي العام الأمريكي قد يستهلك سنوات رئاسته. خامسا: أهم عامل على الإطلاق هو أن إسرائيل باتت جزءا من الثقافة الأمريكية، ولم تعد مجرد كيان ليهود فارين من الاضطهاد الأوروبي. تغلغلت إسرائيل عبر وسائل عدة منها المنظمات غير الحكومية وبعض المدارس الكنسية ووسائل الإعلام في الوعي الأمريكي حتى أصبحت جزءا من الحياة الثقافية للشعب بمثقفيه وجهاله. وعندما يتعامل الأمريكيون مع إسرائيل، هم يتعاملون مع أهل بيتهم، مع أناس منهم؛ هذا على عكس التعامل مع العرب الذين ينظر إليهم في كثير من الأحيان باحتقار وازدراء. في المحصلة أقول إن الذي يصر على لعب دور اليتيم الباحث عن نصير سيبقى يدور في دائرة مفرغة، وأحواله ستسوء مع الزمن. من لا يقف مع نفسه، لن يجد من يقف معه، والباحث عن حلول خارج ذاته سيجد أن الحل عزيز. جيد أن يستفيد المرء من العوامل الخارجية، لكنه لن يستطيع ذلك إذا كان هو لا يريد الاستفادة من نفسه. وكما لقي العرب الإحباط من أبطالهم السابقين، فإنهم لن يلاقوا ما هو أفضل من الحاج أوباما. عبد الستار قاسم 13/حزيران/2009