الحزب الجمهوري الأميركي وزع 25 مليون نسخة من فيلم معاد للاسلام في الانتخابات الرئاسية الماضية تعقد لقاءات وندوات وحوارات ومؤتمرات ، بين مسلمين وغيرهم من الملل والنحل في العالم ، ولا سيما العالم النصراني بطوائفه المختلفة ومراكزه الرئيسية المتمثلة في الكاثولك ،والبروتستانت، والارذوكس . ثم تنفض تلك اللقاءات ، ولا شئ يتغير على وجه الأرض ، بل لا شئ يتغير في علاقات الطرفين . فهذه اللقاءات والمؤتمرات يعتبرها الطرف الآخر ، النصارى تحديدا ، لقاءات سياسية . وإذا ما تم فيها التطرق إلى الخلافات الحقيقية ، فإن ذلك يتم عن طريق الطرف الآخر كما حدث في الفاتيكان مطلع شهر نوفمبر 2008 م ، أو في طرابلس الغرب في نفس الفترة ، حيث طالب النصارى المسلمين الاعتراف بأن عيسى عليه السلام إلها يعبد . وفي بعض التعليقات على لقاء ليبيا زعم أحد النصارى بأن الاسلام لا يدعو للحوار ! وإذا كان هدف بعض الملسمين من الحوار ، هو وقف الاعتداءات والبذاءات التي تصدر من بعض المنحطين في الغرب والشرق ، والتوافق على تجريم الاساءة للأديان ، فإن هذا الهدف لم يتحقق ، في جميع الحوارات التي تمت ، بل رفض الجانب الغربي في الاممالمتحدة هذا المطلب . وفي الأخير حقق هو أهدافه من هذا ( الخوار ) وفرض أجندته ، جاعلا من التسامح والقبول بالآخر كلاما هلاميا بدون أسس , كما كشف من خلال رفضه لمطالب ( المسلمين ) عن سوء نية وعن استراتيجية في محاربة الاسلام والمسلمين راهنا ومستقبلا . وقد رافق الحديث عن الحوار نبأ قرب إصدار كتاب يضم الرسوم المسيئة في الدنمارك . إلى جانب رواية مسيئة للسيدة عائشة " وفيلم معاد للاسلام في أميركا نفسها . تحديد عناصر الحوار : من الأهمية بمكان أن لا يترك تحديد نقاط الحوار للطرف الآخر ، لا سيما إذا كان ذلك يصطدم مع الثوابت . أو يخدم أجندة الطرف الآخر ، بعيدا عن أهداف الحوار ، وهي رفع اللبس وشرح وجهات النظر ، والرد على تساؤلات ومخاوف الطرف الآخر . أو التعبير عن المخاوف من تداعيات الاسلاموفوبيا في الغرب . وهناك أمر في غاية الأهمية ، وهي المعايير التي يحتكم إليها الطرفان المتحاوران ، فلا ينبغي أن تكون معايير الآخر حكما لا راد لحكمه ، فيسقط الجانب المسلم في التبرير أو الترقيع أو محاولة تكييف ثوابته مع متطلبات معايير الآخر .إذ يجب أن يكون الموقف واضحا " هذه معاييرنا " وهذا ميزاننا للامور . ولا يمكن أن يكون ذلك مجرد رد فعل ، وإنما استراتيجية في الحوار . وكان على الوفد المحاور ، أن يكون واضحا في دعوته إلى توحيد الله سبحانه وتعالى كاستراتيجية للحوار، بدل أن ينتظر حتى يدعوه الطرف الآخر للاشراك بالله وتأليه عيسى عليه السلام .والزعم بأن الخلاص في الاعتقاد بألوهية البشر . بينما الخلاص الحقيقي في نفي ألوهية البشر، وإفراد الله وحده بالعبادة والتوحيد . توحيد الربوبية ، وتوحيد الالوهية ، وتوحيد الذات والصفات . لقد اتخذ الوفد المحاورفي الفاتيكان ، دعوة القرآن إلى كلمة سواء كشعار لا كاستراتيجية . والله سبحانه وتعالى يقول في محكم تنزيله " قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ، أن لا نعبد إلا الله ، ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله ، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون " . وما لم يغير أصحاب المشاريع الحوارية هدفهم ، فلن يحققوا الأهداف التي يعلنون عنها ، وسيتعرضون للاحراج وراء الاحراج . نحن لا نشك في الأهداف النبيلة لأصحاب المشاريع الحوارية ، ولكننا نشك في أن لا يتم استغلالها من قبل الآخرين لتحقيق مآربهم هم ، وأهدافهم هم ،والتي تتناقض في الكثير منها مع فضيلة الحوار والتعارف والتثاقف التي تنطوي عليها مثل هذه الدعوات ، وهذا ما دلت عليه النتائج حتى الآن . وإذا لم يتم التقويم بمنهج الاسلام في الحوار ، فإن الآخرين لن يتورعوا من تعويج محاوريهم المسلمين بالمنهج الآخر ، فيما لو سقط المتحاورون في أجندتهم . حوارات بدون حدود : لنجاح أي حوار بين المسلمين وغيرهم من أصحاب الديانات الأخرى ، يجب أن تكون الحوارات بدون حدود . لأن المشاكل العالقة بينهم ، أو التي يعالجونها لها جذور دينية وثقافية وتاريخية وسياسية واقتصادية ، ولها علاقة بالسياسات الداخلية والخارجية على حد سواء . كما يجب أن تكون بدون طابوهات ، وأن تتطرق للمناهج السياسية والفكرية ، وللمارسات الرسمية والاعلامية التي تؤدي دورا كبيرا في المجتمعات المختلفة . كما يمكن مناقشة الاحتكارات الكبرى للمعرفة وللانتاج الصناعي ، ولقضايا الهيمنة والاحتلال ، إلى جانب قضايا المرأة والمناهج الدراسية وحقوق الانسان . وضرورة مناقشة كل القضايا ، تمليها طبيعة الخلافات ،والتي للسياسة الداخلية والخارجية دور كبير فيها . فأغلب الانتقادات التي توجه للعالم الاسلامي سببها الغرب . وهذا ما ينبغي على المحاورين أن يكونوا متسلحين به . والحقيقة هي أن أغلب الحوارات الدائرة اليوم تتجنب الخوض في المسائل الحقيقية التي يدور حولها الخلاف ، سواء من قبل مسلمين مشاركين فيها ، أو من قبل النصارى على مختلف طوائفهم ومذاهبهم . الحوار الداخلي : يلاحظ أن الخائضين في مسألة الحوار مع الآخر ، لا يعيرون اهتماما كبيرا للحوار الداخلي سواء في حيزه الجيوسياسي أو الفكري عموما . فالغرب الذي يحاورنا يقوم بالتضييق يوميا على المسلمين ، سواء فيما يتعلق بالحجاب ، أو الحملات المستمرة ضد الاسلام والمسلمين في الصحافة الغربية . ليس ذلك فحسب بل أن القوانين يتم تشديدها باستمرار في الغرب باتجاه التضييق على المسلمين . وأصبحت الحملات الانتخابية فرصة بل مطية للنيل من الاسلام والمسلمين . فهل تم التطرق إلى ذلك في أي من الحوارات الدائرة ، الجواب كلا ... وما لم يتم يتوقف كل ذلك فإن ما يسمى بالحوار ليس سوى تضييعا للوقت و الاموال التي يتم صرفها من خزائن المسلمين . وفي داخل حصوننا هناك غياب للحوار بين النخب والتوجهات الفكرية المختلفة ، ولا سيما بين السلط والجماعات الاسلامية . وقد عجزت السلطات في بلادنا بل لم تبذل أي جهد للتوصل إلى عقد اجتماعي داخلي ينظم علاقة النخب ببعضها البعض ، وعلاقتها بالسلطة . إذ تجد احتكارا للقرار السياسي ، بل كل القرارات في يد مجموعة المصالح ، وهو ما أدى لظهور مواقف خارج أسوار السلطة اكتسبت قاعدتها الخاصة ، مما يحتم على الجميع إذا ما أرادت السلطات تمثيل أوسع للشعب ومصداقية أكبر في الداخل والخارج من أخذ ذلك في عين الاعتبار . ولا يمكن أن يكون الحوار مع الآخر بديلا عن الحوار مع الذات ، كما لا يمكنه أن يحقق النتائج المرجوة وقطاعات في الداخل تعاني الاقصاء والتهميش . وأقل ما يمكن أن يقال حول ذلك أن هناك ازدواجية معايير لدى المتحاوين يتمثل في تجاهل للداخل وتوجه للخارج ، مما يجعل منه كما قيل حوارا سياسيا بدون جذور ( الداخل ) وبدون نتائج مرجوة ( المستقبل ) وبالتالي فإن مستقبل الحوار يكمن في حوار الداخل وليس الحوار مع الخارج . بطريقة أخرى ، الحوار بالحال أفضل من الحوار بالمال واللسان وحتى التنازلات للآخر . فالحال في منطقتنا لا يسعف كثيرا في انجاح الحوار الذي لا يعتمد على حسن النوايا فحسب بل على موازين القوى أيضا . فحوار القوي مع القوي ليس كحوار الضعيف مع القوي . ولذلك يجب الابتعاد عن الاحتفالية الزائدة بموضوع الحوار لأن التكافئ غير موجود في هذه الحالة ، إذا اقتصر على الجانب السياسي البروتوكولي . لانه يتم في ظل تبعية سياسية ، وهيمنة غربية وغياب مختلف شرائح المثقفين .