إسماعيل دبارة من تونس: يستعدّ أصحاب مبادرة "حقّ العودة" التي أطلقها مُهجّرون تونسيون إلى عقد مؤتمر تأسيسّي يرمي إلى إنشاء منظمة دولية تعمل على تسهيل عودة المهجرين إلى بلادهم بعد أن غادروها خلال العقدين الماضيين مع اشتداد الصراع بين الحكومة والحركة الإسلامية. وقرّر القائمون على المبادرة عقد مؤتمرهم يومي 20 و 21 يونيو– حزيران الجاري بسويسرا تزامنًا مع الاحتفال باليوم العالمي للاجئين، وبحضور شخصيات ومنظمات ووسائل إعلام تونسية وعربية ودولية. ومن المنتظر استنادًا إلى عدد من المؤتمرين أن يكون المؤتمر التأسيسي للمنظمة دافعًا للعمل على تأمين "عودة شاملة لا تستثني أحدًا منهم، وأن تضمن لهم الحق في التنقل والإقامة وممارسة ما سموه حقوقهم العقائدية والسياسية، وحريتهم في مواصلة نضالهم السلمي من أجل ما يرونه مصلحة عامة، بكل الوسائل المشروعة التي يضمنها الدستور والقانون". وكشف نور الدين ختروشي منسّق مبادرة حقّ العودة في حوار مع "إيلاف" أنّ "الاستعدادات المتعلقة بالجانب الترتيبي لعقد المؤتمر باتت في مرحلتها الأخيرة" وأنهم على استعداد ل"استقبال المهجرين من كافة أصقاع العالم للإعلان عن ولادة منظمة دولية لحق المهجرين التونسيين في العودة ، الأولى عربيًا وإفريقيًا إذا أخرجنا الحالة الفلسطينية من دائرة المقارنة بحالتنا، على حدّ تعبيره. ونفى ختروشي المقيم بالعاصمة الفرنسية باريس أن تكون حركة "النهضة" الإسلامية "تقف وراء المشروع وقال :"هذا حديث فيه تجنٍّ على حقيقة يعلمها كل من ساهم في المبادرة" ، معتبرًا أنّ تنسيقية حق العودة "متعددة الانتماء والمواقع ولا وجود لنزعة ركوب أو هيمنة على عليها". وفي ما يلي نصّ الحوار: لو توضّح ماهيّة هذا المؤتمر، ومن يقف خلفه ومن هم المُهجرون المعنيون به وإلى أين وصلت الاستعدادات لعقده؟ أولاً أود شكرك أستاذ إسماعيل ومن خلالكم جريدة "إيلاف" لهذه الفرصة الطيبة التي أتحتموها لنا لنتواصل مع قرائكم الكرام. مؤتمر حق العودة للمهجرين التونسيين محطة تأسيسية لمسار حواري حول موضوع المهجرين التونسيين الذي تبلغ أعدادهم المئات موزّعين على أكثر من خمسين دولة في العالم . وهو حوار انطلق بعد صدور البيان التأسيسي يوم 25 يوليو 2008 وأعلنا من خلاله عن عزمنا تأسيس منظمة دولية تعمل على تسهيل عودة المهجرين بالأسلوب الأسهل والأنجع وذلك على خلفية حقنا الدستوري والإنساني في عودة آمنة وكريمة وشاملة للجميع، نسترد من خلالها حقوق المواطنة كاملة وغير منقوصة أما من يقف وراء المشروع فكل الموقعين على البيان التأسيسي للمبادرة وهم نموذج ممثل لكل الخارطة السياسية بالمهجر فالمبادرة غير معنية بالانتماء السياسي والإيديولوجي للموقعين على اعتبار أن أرضية الالتقاء هي المطالبة بحق مشترك أما المعنيون بالمؤتمر، فكل من كانت عودته للوطن خطرًا على أمنه وسلامته وقوته واقتنع أن العودة حق وليس هبة أو صدقة من ولي الأمر. أما عن الاستعدادات فهي في مرحلتها الأخيرة المتعلقة بالجانب الترتيبي ويمكنني القول إننا على استعداد لاستقبال إخواننا المهجرين من كافة أصقاع العالم وأصدقائنا الضيوف من داخل الوطن وخارجه في موعد نبيل مع أشواق للوطن سنسمعها شعرًا وفنًا وسنبسطها مشروعًا وطنيًا شاملاً وعاقلاً ووازنًا، لنعلن للعالم معًا ولادة منظمة دولية لحق المهجرين التونسيين في العودة الأولى عربيا وإفريقيا إذا أخرجنا الحالة الفلسطينية من دائرة المقارنة بحالتنا. ماهي آلياتكم بعد التنظم في التعريف بهذا الحقّ والعمل على الظفر به ؟ وماذا سنترك للمؤتمرين أن أجبناكم على هذا السؤال... نحن نصّصنا في وثيقتنا المرجعية على أننا سنتوخى مبدأ الأسهل والأنسب والأنجع من الوسائل والآليات. فاتفاقنا المبدئي يتعلق بروحية ستوجه خياراتنا ومنهجنا في التعامل مع سؤال ما العمل، وجوهر تلك الخلفية يفصح على إرادة حقيقية لدى المهجّرين في غلق الملف المؤلم للمظالم العامة ببلادنا حتى نتفرغ للمساهمة الفعالة والمسؤولة في تنمية البلاد واستقرارها وتقدمها. أما في ما يتعلق بتنزيل هذه المبادئ من حيث البرامج والآليات فننتظرها من المؤتمر. لم اخترتم سويسرا بالذات لعقد المؤتمر، وهل تدعمكم الحكومة السويسرية أو منظمات حقوقية دولية ؟ اخترنا سويسرا لموقعها الجغرافي وقربها من مختلف دول تواجد المهجرين ولأنها المقر الرسمي للمفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة وقد اخترنا أن ينعقد المؤتمر بمناسبة اليوم العالمي للاجئين لنشارك أحرار العالم تطلعهم إلى استعادة حقهم في العودة إلى أوطانهم. فمرارة الكأس الذي نتجرعه مع اللاجئين في العالم واحدة وتطلعنا إلى عودة آمنة وكريمة لأوطاننا واحدة أيضًا. يقال إنّ المطالبات بحقّ العودة – من خلال هذا المؤتمر- تشمل الفارين من حركة النهضة خلال التسعينات بعد المواجهة مع الحكومة، بل بعضهم يقول إن "النهضة" هي التي تقف وراءه، مما قد يعني أنّ الملفّ برمته سياسيّ وليس حقوقيّ؟ أن يشمل المؤتمر إخواننا المهجرين من حركة النهضة دلالة على مصداقية وتمثيلية المبادرة فالمبادرة بدون أبناء حركة "النهضة" بلا وزن وبلا مصداقية والجميع يعي أن ملف المهجرين من حركة "النهضة" هو التعقيد الحقيقي المتصل بحل هذا الملف في بعده السياسي المطلبي. ونحن في المبادرة التقينا على مقاربة وطنية شاملة و حل جماعي ضابطه عدم التسليم في أي مهجر، فالحل أما أن يشمل الجميع وإلا فالمشكل يبقى قائمًا وسنبقى نطالب بعودة شاملة من دون استثناء. أما أنّ "النهضة" تقف وراء المشروع فهذا حديث فيه تجنٍّ على حقيقة يعلمها كل من ساهم في المبادرة، وتنسيقية حق العودة متعددة الانتماء والمواقع والجميع يشهد أننا لم نلاحظ من بعيد أو قريب نزعة ركوب أو هيمنة على المبادرة والمشروع بل تطلب منا إقناع الإخوة كوادر حركة النهضة جهدًا كبيرًا وحوارًا طويلاً ليعززوا المبادرة بكفاءاتهم ونضاليتهم أما في ما يتعلق بالسياسي والحقوقي فالصورة أكثر تركيبًا من الفصل الحدّي بين البعدين كما يطرحه السؤال، ففي الحالة التونسية وحالة المجتمعات التي ما زالت لم تستكمل دورة التنمية السياسية والحكم الرشيد، هناك خلفيات سياسية لأي ملف حقوقي، وعنوان حق العودة يكثف أكثر من غيره حضور السياسي وربما هيمنته على البعد الحقوقي، أي فعل العودة في ذاته، فلا معنى لعودة من ضحى بأغلى سنوات عمره في المنافي وحرم من مشاركة الأهل الأفراح والأتراح أن يعود مطأطأ الرأس محرومًا من حقوق المواطنة ودون ضمانات تمنع عنه المحاكمات الجائرة، ولا معنى لعودة مناضل سياسي من دون أن تفتح أمامه أبواب المشاركة في مواصلة مشواره النضالي بالصيغة والأسلوب الذي يختاره. ثم أن حل ملف المنفيين مرتبط أساسًا بالإرادة السياسية للسلطة التي ما زلت مصرة على المقاربة الأمنية في تعاملها السياسي مع ملف حق العودة ولعل من المفارقات أن السلطة نفسها هي الأكثر تسييسًا لملف عودة المهجرين فهي من ساومت به بعض العائدين وابتزّتهم سياسيًا وهي من قايضت جوازات السفر بالصمت والموت السياسي، وهي اليوم من يتعامل مع مبادرتنا من موقع التحايل السياسي البائس على حقيقة الطبيعة السياسية المباشرة لملف المنفيين ونحن في المبادرة ندعو السلطة إلى التعقل وعدم فقدان الحاسة الوطنية السليمة التي تقتضي منا جميعا في السلطة والمعارضة أيضًا أن نضغط على كبريائنا وآلامنا أن نتعاون على النجاح في امتحان الشجاعة قبل الوعي فلا أظن أننا نختلف على حاجة البلاد لكل أبنائها في ضل المتغيرات العاصفة من حولنا وحجم التحديات التي نواجهها في عالم معولم تتغير فيها المعطيات والاستراتجيات بسرعة وتدفق وسيولة تستحثنا لاستجماع مقومات القدرة الوطنية وتوجيهها في الاتجاه الصحيح وهو اتجاه المصلحة الوطنية العليا هذه البداهة لا تستحق كثيرًا من الوعي لاستيعابها بل في حاجة إلى الشجاعة الأخلاقية أولا والشجاعة السياسية ثانيًا. لا نبحث في المبادرة عن نصر في معركة مع عدوّ فلا أعداء لنا في وطننا نحن نبحث على حلّ لمشكل مازال خصومنا ينفون وجوده أصلا ولذلك فالصّورة كما قلت لك مركبة ومعقدة في علاقة السياسي بالحقوقي في المبادرة. بعضهم يتساءل لم المؤتمر والمطالبة بحقّ العودة بعد هذه السنين الطويلة، القضايا الجنائية تسقط بالتقادم عادة ؟ المؤتمر لتشكيل منظمة تطالب بحق العودة لان الأعوام توالت وطالت والسلطة مازالت لم تعترف أصلا بهذه المأساة. أما عن المبدأ القانوني المتعلق بسقوط الأحكام بالتقادم وبقطع النظر على أن المحاكمات توالت للمهجرين حتى بعد مغادرتهم للبلاد بسنوات فإن مشكلتنا الحقيقية مع السلطة اليوم هو تفوقها في سن القوانين العادلة وتفوقها أيضا في دوسها والتلاعب بها وتجاوزها وعدم تطبيقها إلا على المقاس الذي يخدمها، من هنا سيكون الحوار في مؤتمرنا شيقًا في موضوع سقف الضمانات المطلوبة لتحقق مبدأ العودة الكريمة والآمنة . هل من حوار مع الحكومة في هذا الصدد، علمًا وأنها لا تعترف أصلاً بوجود مهجرين تونسيين خارج الحدود، و ما هي إستراتيجيتكم في العمل في فترة ما بعد المؤتمر ؟ حكومتنا وللأسف لم تتعود على الحوار مع من يعارضها أو يختلف معها وها أنت تعلمنا أنها لا تعترف أصلا بوجودنا مثلما لم تعترف بوجود مساجين رأي ومثلما لم تعترف بأي خطأ ارتكبته فهي معصومة تحتكر الحقيقة وتؤمّم الحاضر وتصادر المستقبل، يؤسفنا أن تبقى النخبة الحاكمة في بلدنا خارج مدار الإصلاح السياسي وأن تشذ عن عالمها ومحيطها الذي لم يعد يحترم منهج الاحتكار والعنف في التعامل مع الفضاء العام، فالنمط التونسي في الحكم لا ينتمي للمستقبل ولن يستمر دون التورط في العنف الرمزي والمادي. ألا يخشى من سيُسمح لهم بالعودة من المضايقات والحرمان من الحقوق المدنية والسياسية كما يحدث مع بعض المُسرحين من مساجين حركة "النهضة" بالداخل ؟ المبادرة جاءت بناءً على تلك الخشية ولتحمي العائد من تجاوزات ممكنة . الأربعاء 17 يونيو 2009 إيلاف