لمّا كنتُ جالسا في مقهى الحيّ مُتصفّحا صحيفة يومية مضامينها خاوية، أقبل عليّ صديق كان قد فارق الحيّ منذ شهور لشأن يعنيه وأمر يقضيه، وبادرني بالسّلام وفائض الكلام، مُستهجنا صحيفتي مُستوضحا جريدتي، ثمّ مال إليّ وهمس، وأسرّ في أذنيّ ونبس، أنّه حاز في غيبته كنزا عظيما، ودسّ في حافظته سرا عجيبا قد يطلعُني عليه لاحقا، ما دمتُ للسرّ حافظا وللصّحبة راعيا، مُشترطا خُلوة على مبْعدة خشية السُّعاة ورهْبة الوُشاة، الكنز لا خطر على بال ولا طالهُ جوّالٌ، يشفي كلّ غليل ويُريح كلّ عليل كما قال صاحبُنا ذكره اللّه بخير. الحقيقةُ أنّ تحاشيه العُيون الفاحصة والآذان اللاقطة، وأنّ إطنابه من الرّموز وإكثاره من الألغاز، زاداني التشويق والرغبة في التحقيق، فعجّلتُ في شرب القهوة، وخرجتُ بالرفقة في وجل أستجْلي الأمر في عجل، فإذا بصديقي يأخذُني إلى زاوية خفيّة في ناحية بعيدة، ثمّ ينْحني على الحافظة مُتلفّتا خلفا، ثمّ يمينا ويسارا، ويُنبّهني إلى عُيون قد ترمُقنا أو طارئ قد يُهلكنا، وبالعجل يسْتلُّ شيئا يطرحُه على الكفّ ينزعُ عنه اللّف وأنا أتلهّف مُستعجلا الكشْف، فإذا بالسرّ الذي كفن والكنز الذي دفن..صحيفة معلومة للمُعارضة دفعها بين يديّ، وقال: أصغ إليّ صديقي، أصْغ إليّ ولا تستهنْ بالأمر: تصفّحْها عاجلا، واقرأها آجلا، واحذرْ أرجُوك كلُّ الحذر، لا تُذعْ سرّا ولا تنقلْ خبرا، فنهلك جميعا ونصير أثرا بعد عيْن. أطرقتُ قليلا، وتسمّرتُ طويلا، وأشفقْتُ على صاحبنا كثيرا، واستحضرتُ قول الشاعر: ما الذئبُ قد عاث بين الضّأن أفتكُ من هذي الولاة بهاتيك المساكين جيلاني العبدلي: كاتب صحفي