الجزائر :عاشت الجزائر مساء السبت ليلة من ليالي ألف ليلة وليلة، وذلك في أعقاب الفوز الكبير الذي حققه المنتخب الجزائري أمام نظيره الزامبي في لوزاكا بهدفين مقابل صفر.. وهو فوز فجّر فرحا جماهيريا غير مسبوق، وجعل الحلم بالتأهل إلى مونديال جنوب إفريقيا مشروعا. تحولت كرة القدم والمنتخب الوطني خلال الأيام الأخيرة إلى الحدث الأول بلا منازع في الجزائر، فحتى قبل أن ينسى الجزائريون طعم الفوز أمام المنتخب المصري بثلاثية يوم 7 حزيران/يونيو الماضي، أهداهم المنتخب فوزا آخر أمام زامبيا كان له طعم ومذاق مختلف مقارنة بالفوز على مصر، لأن 'الخضر' تعودوا على قهر 'الفراعنة'، حتى لما يكون هؤلاء في أوج تألقهم ويكون المنتخب الجزائري في أسوأ أيامه، ولكن هذه المرة المنتخب الجزائري أقرب من أي وقت مضى للتأهل إلى المونديال. الفوز الذي حققه أشبال المدرب رابح سعدان في زامبيا أنسى الجزائريين مشاكلهم وهمومهم فجأة، وخرج الناس إلى الشوارع والساحات من شمال البلاد إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها أضعافا مقارنة بما عرفته المدن الجزائرية عقب الفوز على مصر. فالشوارع التي كانت مقفرة ساعة المباراة غمرتها الأمواج البشرية والسيارات إلى درجة أصبح فيها استخدام السيارة للتنقل ضربا من الجنون. وقد فوجئت السلطات برد فعل الجماهير، حتى وإن كانت تتوقع مظاهر الفرحة والاحتفال، إلا أن آلاف السيارات التي كانت تتهاطل على قلب العاصمة، فرضت عليها اتخاذ تدابير طارئة تهدف إلى الحد من عدد المتظاهرين في الشوارع الرئيسية للعاصمة، وأقدمت الشرطة على غلق مداخل العديد من الأحياء، لدفع المتظاهرين إلى سلوك الطريق السريع والابتعاد عن المدينة. حدث هذا كله والساعة كانت تشير إلى الرابعة ظهرا فقط. وتواصلت الاحتفالات طوال الليل، وزادت متاعب رجال الأمن الذين لم يستطيعوا السيطرة على جحافل المتظاهرين، واضطروا إلى غلق الطرق المؤدية إلى الهيئات والمؤسسات الرسمية وفي مقدمتها رئاسة الحكومة ومقر البرلمان، الأمر الذي تسبب في إزعاج بالنسبة للمقيمين بالقرب من تلك الهيئات الرسمية، والذين لم يتمكنوا من الوصول إلى منازلهم إلا بشق الأنفس. مظاهر الفرح التي عرفتها الجزائر أمس الأول ليس لها مثيل لأن الجزائريين لم يفرحوا منذ زمن، وحتى لما كانت هناك في الماضي مناسبات للفرحة لم يكن هناك ذلك العدد من المواطنين والسيارات، كما أن حلم التأهل للمونديال كان قد بدأ يتلاشى مع مرور السنوات، واستبدله الجزائريون بحلم التأهل لنهائيات كأس إفريقيا اعتبروا أنه أقصى ما يمكن أن يطمحوا إليه، قبل أن يكتشفوا أن مونديال جنوب إفريقيا على مرمى حجر. مباشرة بعد انتهاء المباراة قطعت القنوات الإذاعية والتلفزيون البرامج العادية، وأصبح الفوز على زامبيا هو الحدث الوحيد، إما من خلال برامج تحليلية أو من خلال نقل مظاهر الفرحة والاحتفالات في الشوارع. وحتى الصحف الجزائرية الصادرة أمس أجمعت على اختيار الفوز على زامبيا كموضوع رئيسي على صفحاتها، فقد كتبت صحيفة 'الخبر' (خاصة) بالبنط العريض 'الخضر يروضون تماسيح زامبيا ويعبدون الطريق نحو المونديال'، وكتبت صحيفة 'الوطن' (خاصة صادرة بالفرنسية) ' المونديال .. الأمل الكبير'، بينما اختارت صحيفة 'الفجر' (خاصة) عنوان 'لا مصر ولا زامبيا.. الجزائر في جنوب إفريقيا'، واعتبرت 'المجاهد' (حكومية صادرة بالفرنسية) أن 'الجزائر على طريق إلى المونديال'. صحيح أن المنتخب الوطني صنع الفرحة والسعادة، إلى درجة أن أحد المواطنين قال في إحدى القنوات الإذاعية: 'لا يهم ألا نأكل أو لا نعمل، فالمهم هو أن يفوز المنتخب الوطني ويتأهل للمونديال'، ولكن في المقابل المسؤولية الملقاة على اللاعبين والجهاز الفني واتحاد الكرة وحتى على القيادة السياسية في البلاد أضحت أثقل من أي وقت مضى، لأن تضييع تأشيرة التأهل ستتسبب في حالة إحباط عام يصعب حصر مداه وانعكاساته. ويتخوف البعض من الاستغلال السياسي للاستفاقة التي يعيشها المنتخب الوطني، ولعل ما يعزز هذا التخوف هو قول سابق لوزير الشباب والرياضة الهاشمي جيار ان المنتخب فاز أمام الفراعنة لأن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة طلب من اللاعبين ذلك، وكان أحد رسامي الكاريكاتير قد علّق على ذلك برسم للوزير سأل فيه :'وإذا خسر المنتخب؟'، فرد عليه قائلا: سيكون بسببكم أنتم! ويعتقد بعض المراقبين أن أجواء الفرحة والابتهاج التي صنعها المنتخب ستجعل السلطة تتقاعس عن المسارعة في حل المشاكل والأزمات القائمة، وستجعلها تركن إلى الراحة والكسل، لأن 'أفيون الشعوب' كفيل بأن يخدر المواطنين ويجعلهم يتناسون آلامهم ومعاناتهم مؤقتا. كما سارع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الى إرسال برقية تهنئة للاعبين بعد دقائق قليلة من نهاية المباراة، عكس ما حدث المرة الماضية بعد الفوز على مصر، إذ لم تصدر برقية التهنئة إلا بعد حوالي 24 ساعة على انتهاء المباراة، وهي برقية أبرزتها وسائل الإعلام التابعة للقطاع العام. وجاء في برقية الرئيس: 'مرة أخرى يتألق أعضاء منتخبنا الوطني أمام منافس عنيد في مباراة حاسمة، فأبلوا فيها البلاء الحسن، متحلين بروح رياضية عالية وأخلاق سامية وقدموا مشاهد كروية رائعة، تؤكد كفاءة لاعبينا ومستواهم الرفيع، وهم يعبرون في ذلك عن شغف جمهورهم بالنصر والنجاح'. وتمنى بوتفليقة في الأخير تأهل الفريق لنهائيات كأس العالم وكأس إفريقيا للأمم. القدس العربي كمال زايت