ان انعقاد مؤتمر النقابة العامة للتعليم الاساسي بتونس, كبرى نقابات الاتحاد العام التونسي للشغل, في 24 و 25 جوان يونيو 2009, يأتي في ضرف دقيق, متسم بأزمة سياسية واقتصادية واجتماعية خانقة تعيشها البلاد, مهما عملت وسائل الاعلام الرسمية على التخفيف من حدتها. فهو يأتي في ضل هجمة شرسة لدوائر الامبريالية و الرأسمالية المتوحشة على كثير من شعوب العالم, وصلت الى حد الغزو المسلح والتقتيل الجماعي العشوائي, بهدف ابادة شعوب بأكملها, وقد كان للوطن العربي, بحكم موقعه الاستراتيجي و ثروته الهامة و دوره الحضاري, نصيب الاسد من هده الهجمة المتعددة الاساليب والوسائل. فمن نشرالفتن الطائفية والنعرات الانفصالية بهدف تفتيت الاقطار العربية المفتتة أصلا وادخال الشعب العربي في دوامة من الحروب الداخلية في ضل سيطرة الكيان الصهيوني وانتشاره السرطاني في الوطن العربي. كما ان هده الدوائر الاستعمارية اتخدت من انهيار المعسكر الشيوعي دريعة للترويج لديمقراطية زائفة, غطاءا لغزو اقتصادي رأسمالي فج, وصل الى حد القضاء على كل اقتصاد وطني لصالح نشر فروع للشركات الرأسمالية الكبرى في مختلف دول العالم النامي, لتحولها الى سوق استهلاكية, تصل الى حد الاتجار بالبشر, وفي نفس الوقت تفرض عليها حصارا علميا ومعرفيا و تكنولوجيا, حتى تمنعها من اكتساب مقومات السيادة والاستقلال. ثم أمعنت أكثر من دلك, فتوخت أسلوب الغزو الثقافي والاعلامي الموجه, لمسخ حضارات الشعوب وطمس هويتها حتى صارت تعيش حالة متفاقمة من التردي الاقتصادي والتفكك الاجتماعي تحت وطأة استبداد سياسي وقهر بوليسي غير مسبوق. كل هدا لم يشبع نهم الرأسمالية المتوحشة, فارتأت مصادرة مستقبل الشعوب, بتدمير مناهج التعليم والثقافة فيها, وفرض مناهج غريبة عنها, صاغتها مختبرات هده الدوائر لتحقيق أهدافها المعلنة والخفية, ودلك بمشاركة الانظمة داتها. من هنا تبرز أهمية اطار التعليم والتربية, في التصدي لهدا المشروع المسوق تحت يافطة تطوير التعليم, وهو في الواقع افراغ لبرامج التعليم من محتواها, بما يولد أجيالا من أشباه المتعلمين, غير القادرين على التحليل وصياغة القرار, فيصادر مستقبل الامم. وقد ترافق كل هدا مع تفشي التسيب في المدارس وانتشار الانحراف وبالتالي ضعف فادح في التكوين, مما دفع كثيرا من الاولياء الى اللجوء الى المدارس الخاصة اعتقادا منهم في أفضلية مردودها, فصار القطاع العام برمته مهددا وأصبح مستقبل المدرسين بحد داته مهددا. لابد ادا, للمنظمة النقابية, ومن ورائها كل اطار التدريس, من وقفة جريئة في وجه هده الهجمة, وهي ليست وقفة احتجاجية شعاراتية, بل دات أهداف واضحة ومطالب محددة, ولن تقدر على القيام بها المنظمة النقابية الحالية ما لم تحسم الملفات التالية : · ملف السياسة النقابية وتوجهات القيادة الحالية ( علاقتها بسلطة الاشراف ). · ملف الديمقراطية وعلاقة المركزية النقابية بباقي الهياكل( القانون الاساسي والنظام الداخلي). · ملف فشل السياسة التعليمية القائمة على نظام الكفايات. · الوضع المادي للمعلمين وفتح الآفاق أمامهم. · المخاطر التي تتهدد القطاع العام ( سياسة الخوصصة في قطاع التعليم ). لتحقيق هده المطالب, فان القيادة النقابية الجديدة, مهما كان لونها, لن تكون قادرة على الايفاء بهده الاستحقاقات ادا لم تكن مناضلة وصادقة أولا, وما لم تكن مدعمة بقوة جماهيرية نقابية ملتفة حولها. وحتى نكون عمليين, وانطلاقا من قناعة عقائدية راسخة وفهم استراتيجي للنضال النقابي, فان التيار القومي يؤكد على ما يلي : · تدعيم الوحدة النضالية داخل التيار القومي داته. فمن حيث هو تيار ديمقراطي, فهو يحتمل الاختلاف في وجهات النظر, بين منتسبيه , دون المس بثوابت الفكر القومي, وهو يرفض ويدين كل محاولات البعض ممن يعتبرون انفسهم ضمن هدا التيار ويروجون للاقصاء لاعتبارات عشائرية أو قبلية أو جهوية أو حتى لمجرد الاختلاف في وجهات النظر. فالشللية والتفتيت طريق مضمونة للتدمير الداتي, فالعدو واضح والصديق واضح, فلا مجال للتعصب والتناحر , وان وحدة هدا التيار لكفيلة بجعله في مقدمة القوى المناضلة, دفاعا عن كل النقابيين والمضطهدين والشعب العربي بأكمله. · الدعوة للتحالف مع كل القوى الوطنية والديمقراطية والاسلامية المستنيرة, على أرضية نضالية, نقابية وغير نقابية, وفق التقاطعات والقواسم المشتركة, و عبر حوار بناء يؤدي الى صياغة برنامج نضالي مشترك, يستجيب لتطلعات الشعب العربي, ويكسب القوى المناضلة, الزخم الجماهيري الازم لتحقيق النصر. · تدعيم استقلالية المنظمة النقابية عن السلطة من جهة, وعن مختلف الاحزاب السياسية من جهة أخرى, بحيث تبقى منبرا موحدا للدفاع عن حقوق العمال و مكسبا ديمقراطيا, تتلاقح فيه الافكار وتتنافس فيه المدارس الفكرية والسياسية, فالنضال النقابي ليس مبتورا عن النضال السياسي و عن الوضوح الفكري. · الحرص على ترسيخ مبدأ النضال النقابي الجماهيري الدي لايتماشى مع ما تعمل به المركزية النقابية الحالية من سياسة الاتفاقات الفوقية من وراء ظهر الهياكل والقواعد النقابية والتي اتخدت شكل الاجراءات الادارية الروتينية مما أفرغ النضال النقابي من روحه الكفاحية. أخيرا وليس آخرا, فان الكلمة الفصل هي عند النواب المؤتمرين, والمسؤولية كل المسؤولية, عندهم في انتخاب قيادة نقابية مناضلة ونقية, تعكس تنوع الطيف الفكري والسياسي المساهم, دات رؤية شاملة لواقع المدرسين وأيضا للتحديات السياسية والاقتصادية التي باتت تهدد القطاع في وجوده. ' وقل اعملوا فسيرى الله عملكم, ورسوله, والمؤمنون '. صدق الله العظيم.