جينيف يومي 21 و22 جوان 2009 كانت محطة التقاء للعديد من التونسيين المهجّرين، والموزعين في كثير من البلدان الأوروبية منذ عشرات السنوات، الذين توافدوا فرادى وجماعات، لانجاز المؤتمر التأسيسي لمنظمتهم، وباتت سويسرا منعرجا لنزع اللثام عن قضية المنفيين التونسيين، المنتشرين في الشتات منذ عدة أعوام، فرارا من المحاكمات السياسية، والتتبعات الأمنية والقضائية، نتيجة انتماءاتهم السياسية والفكرية، لتكون هذه المناسبة خروجا عن الصمت تجاه سنوات التهجر، والحرمان من العودة إلى تونس، بعد أن كان الاهتمام طيلة الأعوام الماضية منصبّا على ملف المساجين السياسيين، الذي استهلك الجهود واستنزف الطاقات، ما جعل قضية المنفيين قضية مؤجلة إلى حين انطلاق مبادرة - العودة حق واسترداده واجب - التي ظهرت للوجود منذ أكثر من سنة، أشرفت على تنضيجها مجموعة من المهجّرين التونسيين بباريس، في شكل تنسيقية مؤقتة، نذكر من بين مؤسسيها: نور الدين ختروشي - عبد اللطيف بن سالم - عماد الدايمي - سليم بن حمدان - الطاهر العبيدي – عزالدين شمام – معز شمام- رياض بالطيب - الطاهر بوبحري - حسين الجزيري - لطفي الهمامي- رياض الحجلاوي.. وشارك فيها العديد من المهجّرين من مختلف البلدان، عبر وسائل الاتصال الحديثة، وقد فتح الحوار والنقاش والمسائلة والتطارح، وتنضيج الرؤى، من خلال اجتماعات أسبوعية بباريس، استمرت لمدة سنة، ليقع التوافق على انعقاد مؤتمر يؤسس لانبعاث منظمة تعنى بهذه القضية، وتمّ اختيار سويسرا لرمزية هذا البلد على المستوى الدولي حقوقيا وسياسيا، وحدّد التاريخ تزامنا مع الاحتفال باليوم العالمي للاجئين الذي يقام سنويا في 21 جوان 2009، حيث كانت دار الجمعيات الحقوقية بجينيف التي تضم 150 جمعية حقوقية ممثلة لبلدان العالم، والكائنة ب15 نهج (صفوان) نقطة التقاء جمعت حوالى 150 من المهجّرين التونسيين الذين تمكنوا من القدوم عبر وسائل نقل مختلفة، من أجل المشاركة في هذا المؤتمر، وقد تخلف البعض بسبب ارتباطات مهنية، وآخرون نتيجة مصادرة جوازات سفرهم من طرف السلطات التونسية، نذكر منهم - عبد اللطيف بن سالم باريس وهو أحد المؤسسين للتنسيقية - والحبيب العويني المستقر بالصين، وكان لافتا حضور العديد من وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة الأجنبية والعربية، إلى جانب وجود جميع المواقع الالكترونية التونسية بالخارج، بكل طواقمها لمواكبة الحدث، بالإضافة إلى قدوم الضيوف من تونس أحزابا وممثلين عنهم، ومنظمات وشخصيات وطنييه، وقد افتتح المؤتمر بالنشيد الوطني التونسي، ليقع بعده شرح المبادرة وأبعادها وآفاقها من طرف منسق التنسيقية المؤقتة، وقد ساهمت شخصيات سويسرية سياسية في إلقاء كلمات عبّروا من خلالها عن تضامنهم ومؤازرتهم للمنفيين التونسيين، من بينهم عمدة جينيف السيد Ueli Leuenberger، وممثلي بعض أحزاب سويسرية، منها حزب الخضر والحزب الاشتراكي السويسري، كما كانت للأحزاب التونسية والجمعيات الحقوقية التونسية مداخلات، تمحورت حول المساندة وتراوحت بين السياسي والحقوقي، وتوصيف الوضع العام بالبلد، ليعبروا جميعا عن تضامنهم مع المنفيين، وقد ميّز المؤتمر حسن التنظيم في القاعة، والإصرار على إنجاح هذه التجربة الفريدة في الوطن العربي، باستثناء التجربة الفلسطينية التي تختلف في خصوصيتها، ليتواصل المؤتمر يومين متتالين تحت لافتات - من أجل عودة كريمة وآمنة - أحبك يا تونس وطنا للجميع- معا لإنهاء محنة التهجير، وتمّ فسح المجال لانعقاد المؤتمر برئاسة عماد الدائمي، ونائبين هما رشيدة النفزي ولطفي الهمامي، ومقرّرين هما الطاهر العبيدي - ونورالدين بوفلغة - حيث ناقش المؤتمرون بكثير من الشفافية ورقات اللجنة التنسيقية التي أشرفت على الإعداد لهذا المؤتمر، ونوقشت لوائح المؤتمر بكثير من الشفافية والديمقراطية والمسؤولية، ودارت حوارات متنوعة، تمحورت حول تحديد هوية المنظمة، والتأكيد على استقلاليتها وعدم تسييسها، وقد تمت الانتخابات بصورة علنية ومباشرة، أفرزت ترشح نور الدين ختروشي رئيسا، إلى جانب انتخاب مكتب تنفيذي مكوّنا من السادة عماد الدايمي - سليم بن حمدان - الطاهر العبيدي- لطفي الهمامي - رشيدة النفزي - كمال العيفي - وقد تلي البيان الختامي الذي تضمن التأكيد على تحديد هوية وأهداف المنظمة - بضوابط المبدئية والاستقلالية والديمقراطية.. ليختتم المؤتمر بكلمة شكر من طرف رئيس المنظمة المنتخب، وصعود إلى المنصة أعضاء الهيئة التنفيذية للمنظمة لتحية الحضور، وتكون الخاتمة كما البداية بأداء النشيد الوطني، هذا وقد انعقد على هامش المؤتمر لقاءات بين الأحزاب السياسية التونسية الحاضرة، وناشطين من المجتمع المدني، تدارسوا فيها الوضع السياسي بكثير من الوضوح والصراحة، والتزام بالتقارب، من أجل الحد الأدنى المتفق عليه، وقد وصفت هذه الاجتماعات من طرف المشاركين بالمثمرة والبناءة، أنجبت بيانا مشتركا قد يؤشر إلى تشكيل جبهة سياسية مستقبلية، ربما تكون لها إفرازات على مستوى الفعل السياسي، ولعلها تعطي نفسا آخر للمشهد السياسي التونسي. هوامش من المؤتمر * فريق تونس نيوز كان حاضرا في هذه المناسبة، غير أنه كعادته لا احد تفطن لوجودهم، فدوما يختارون عدم الظهور، والابتعاد عن الأضواء، وقد تمكننا من معرفتهم ومصافحة أحدهم، وقبل سؤالهم، جاءتنا أشغال مستعجلة في المؤتمر، فلم يتسن لنا الحديث معهم أو سؤالهم باستثناء مصافحة صامتة. *عبد السلام بوشداق أحد المؤتمرين له 30 سنة في المنفى. *عبد القادر الزيتوني " رئيس حزب تونس الخضراء " في مداخلته ذكر بعض أسماء لمنفيين تونسيين توفوا خارج الوطن، منهم سعيد المسطاري، الذي حكم عليه بالإعدام في تونس سنة 1962، وتوفي في سوريا، ولم يحصل على جواز سفره حتى بعد أن استشرى فيه مرض السرطان. * يونس درمونة، من الحزب القديم قضى 40 سنة مع عائلته في مصر ومات غريبا، وما زالت عائلته ممنوعة من الدخول إلى تونس. * إبراهيم طوبال من اليوسفيين أمضى 30 سنة في المنفى توفي يوم حصوله على جواز سفره. *الطاهر عبدالله كاتب كبير مات منفي في القاهرة. *عائلة صالح بن يوسف ما تزال منذ 61 تعيش في المنفى..
*السلطات السويسرية أوقفت حافلة صغيرة، آتية من المطار بها عشر أفراد تونسيين من بلدان أوربية مختلفة قادمين للمشاركة في المؤتمر، مما جعل البوليس السويسري يستغرب هذا التجمع لهؤلاء الذين هم من جنسية واحدة ولكنهم موزعين على حوالي خمس دول أروبية. *لاحظنا أن المواقع الالكترونية التونسية الحوار نت- الفجر نيوز- السبيل أونلاين- تونس اونلاين- والذين كانوا نشطين جدا في هذا المؤتمر، يشتغلون جنبا إلى جنب وبينهم توادد، وعلاقة حميمية بعيدا عن التنافس. * المحامي نجيب الحسني - الأستاذة زكية الضفاوي -الشاعر البحري العرفاوي - الفنان عبد اللطيف النجار، كانوا مبرمجين ضمن الضيوف المستدعين للمؤتمر، وحين تقدموا بطلب تأشيرة للقنصلية السويسرية بتونس وافقت في الأول، ثم عادت ورفضت لهم منح تأشيرات الخروج. جينيف / الطاهر العبيدي/ الموقف جريدة الموقف العدد 504 المصدر بريد الفجرنيوز