الوطن الفجرنيوز احتضنت مدينة القيروان بداية هذا الشهر2/3/4 جوان ندوة دولية حول "حوار الحضارات والتنوع الثقافي" شارك فيها ما يزيد عن مائة شخصية دولية من الوجوه الثقافية وقد قدمت خلالها العديد من المداخلات القيّمة وفي ختام الندوة أصدر المشاركون بيانا أطلقوا عليه" إعلان القيروان" تضمن العديد من النقاط الايجابية الجديرة بالاهتمام والدراسة وقد أكّد المشاركون على انشغالهم وعدم ارتياحهم للأوضاع العالمية المتأزمة وهو ما يجعل حوار الحضارات ضرورة ملحة في العلاقات الدولية والروابط بين المجموعات البشرية ولذلك فإن الحوار يجب أن ينطلق من مبدأ الاعتراف بتكافؤ الناس كافة في الحاجة للكرامة والحرية بقطع النظر عن اللون والجنس والدين واللغة . كما دعوا الدول على ضرورة تبني سياسات ثقافية وطنية طموحة تضع الثقافة في مقدمة السياسات العامة وأن تعمل على احترام التنوع الثقافي وتعزيز الوعي بالقيم المشتركة بين الشعوب وتدعم أسس التفاهم بينها والعمل على تكاتف الجهود من أجل مكافحة الفقر والجهل والإقصاء والتهميش وضرورة إيجاد مناخ ملائم للتنمية الشاملة والمستدامة في الدول النامية وضمان الاستغلال الأمثل للثروات وتأهيل الطاقات الشابة لتكون في مستوي الرهانات والتحديات الحالية المتمثلة في حق الشعوب في الحياة الكريمة من خلال مواجهة أسباب الفقر والتهميش، والعمل على إشاعة ثقافة الصداقة والسلام والحوار والتسامح باعتبار أن الحوار هو البديل الوحيد لثقافة المواجهة . إن ما جاء به "إعلان القيروان" هام جدا خاصة البنود التي تدعو للتضامن الدولي لمحاربة الفقر والجوع خاصّة إذا ما اطلعنا على الأرقام المفزعة التي يقدمها الاقتصاديون ولا سيما منهم أولائك الذين ما فتئوا يحذرون من أخطار العولمة حيث تشير آخر الدراسات المناهضة للعولمة إلى الوجه البشع لهذا النظام الموغل في الفردية، فإذا كانت العولمة تعني للبعض أن العالم قد أصبح قرية كونية واحدة بفضل تطور وسائل الاتصال والإعلام فأصبح الناس جميعا يشاهدون نفس القناة من أمريكا غربا إلى أقصى الصين شرقا مرورا بالعالمين العربي الإسلامي جنوبا والعالم الغربي شمالا . فهذه الوحدة الافتراضية تخفي وراءها حقائق مفزعة فهناك خلف الصورة الناصعة توجد قرى وجزر منفصلة وعالم بائس من المدن القذرة والمكتظة والفقيرة التي يعيش نصف سكانها على مكبات القمامة وهناك أرياف تفتقد لأية مقومات الحياة وكل ذلك نتيجة نمو العولمة التي تساهم في توسيع الفوارق بين البشر والدول، هذا الاتساع الذي لا مثيل له حيث أن 358 مليارديرا في العالم يمتلكون ثروة تضاهي ما يمتلكه 2,5 مليون بشر من سكان المعمورة أي ما يزيد قليلا عن نصف سكان العالم وان هناك 20 بالمائة من الدول تستحوذ على 85 بالمائة من إنتاج العالم الإجمالي وعلى 84 بالمائة من التجارة العالمية ويمتلك سكانها 85 بالمائة من مجموع المدخرات العالمية . هذا التفاوت القائم بين الدول يوازيه تفاوت أخر داخل كل دولة حيث يستأثر قلة من السكان بالشطر الأعظم من الدخل الوطني في حين يعيش أغلبية السكان علي الهامش. هذا التوتر العالمي وسوء التوزيع للثروة أدى بمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) إلى إعلان حالة الخطر حيث صرحت سنة 1997 بأن هنالك ما يزيد عن 854 مليون بشر أي ما يوازي 1/6 من سكان العالم يعانون من الجوع وهو ما جعلها تعلن عن برنامجها الإنقاذي المعروف باسم (تيليي فود) والذي يهدف إلى تخفيف هذه النسبة إلى النصف مع حلول سنة 2015. هذا البرنامج الذي يعمل على النهوض بمستوى التغذية وتعزيز القدرات الإنتاجية الزراعية وحماية الموارد الطبيعية وتحسين الأوضاع المعيشية للمجتمعات الريفية .هذه الصورة الخلفية للعولمة تجعلنا أمام مجموعة من الأسئلة أبرزها: هل من الممكن أن تظل الإنسانية تتفرج على سدسها وهو يصارع الموت نتيجة الجوع؟ وهل أنّ هؤلاء الجياع معنيون بحوار الحضارات والتنوع الثقافي أم إنهم يبحثون على وجبة غذاء بسيطة و غير متنوعة في حين أن البعض يعاني من التخمة ..؟ فإذا كانت (الفاو) لم تتمكن من جمع سوى 16 مليون دولار خلال ثماني سنوات من 1997/2005 لتنقذ بها 2،5 مليون بشر فقط وذلك من خلال الحفلات الموسيقية التي شاركت فيها فئة قليلة من الفنانين والنجوم الملتزمين بالقضايا الإنسانية على غرار( ماجدة الرومي/ وماريام ماكيبا وغيرهما ) رغم أنّ غيرهم من المشاهير من أثرياء وفنانين ينفقون أضعاف أضعاف هذا المبلغ في حفلاتهم الخاصة وفي شراء السيارات الفارهة والمنازل الضخمة دون أن يرفّ لهم جفن عن معاناة ملايين الأطفال الجياع الذين يموتون سنويا دون أن يجدوا من يمد لهم يد العون وينقذهم. هل أنّ هؤلاء معنيون فعلا بحوار الحضارات? إن مبلغ 16 مليون دولار أسهم في انجاز1800 مشروعا صغيرا استفادت منه العديد من العائلات والمدارس والقرى، و هذه المشاريع ساعدت على تحسين أوضاع السكان المحليين فلو كان المبلغ أكبر لا شك انه سوف ينقذ المزيد من ضحايا الجوع. ففي الحوار بين الحضارات والثقافات تلقى المحاضرات حول حقوق الإنسان السياسية والثقافية ولكن لا احد يتحدث عن حق الإنسان في الحياة لان لا احد يتحدث باسم هذه الأغلبية الصامتة من الفقراء والجياع الذين لا دين ولا عرق ولا لغة تجمع بينهم بل هم من مختلف القوميات والأديان والقارات . هذا هو الوجه الخلفي للعولمة التي يبشر بها البعض، أناس يعانون من الأمراض الناجمة عن التخمة كالسمنة وزيادة الوزن وإدمان الكحول وغيرها في حين أن الآخرين يموتون جوعا ولا أحد ينصت إليهم ولا يعلم أغلبهم ماذا قال البابا عن الإسلام ومنهم من لا يعرف البابا أصلا لأنه لا يشاهد التلفزيون الذي يعتقد البعض بأنه وحّد الإنسانية ولا يقرأ الصحف لأنه لم يدخل المدرسة أصلا فلا شك أنه غير معني بحوار الحضارات. في هذا العالم ليست الأديان ولا الحضارات عدوّة الإنسان بل عدوه هو العولمة والاحتكارات الرأسمالية التي تسمح لأقلية (358 مليارديرا) من أن يمتلكوا أغلب ثروات العالم ويتركون 1/6 من سكان الكرة الأرضية يموتون جوعا، فهل الديانات والحضارات هي من سلب حق الحياة لهؤلاء، بل هي العولمة المتحررة من كل القيود والمحرمات والتي ينظر لها البعض على أنها الجنة الموعودة . فليتوقف الحوار أو تعاد جدولة بنوده ومحاوره وعلى رأسها حق الحياة لملايين البشر لأنّ هم من يعانون من الخطر لا الحضارات ولا الأديان تعاني من هذا الخطر. فلنتوقف عن تصديق الغرب من أن الخطر قادم من صدام الحضارات، فلنتوقف عن التلهي بحوارات تديرها الرأسمالية التي هي ذاتها تسلب ملايين البشر حق الحياة، فلا الإسلام ولا المسيحية ولا الكنفوشيوسية هي من يسلب حق الحياة فالأديان تدعوا للتراحم والتآخي، فليعمل كل واحد بتعاليم دينه ويمد يد العون لأخيه وبذلك سوف تعيش الإنسانية بحضاراتها المختلفة وأديانها المتعددة في سلام وتلك هي قمة الحوار بين الحضارات عندما نؤمن جميعا بحق الإنسان مهما كان دينه أو عرقه أو لونه في أن يحي بسلام وأن ننقذه من خطر الجوع الذي يهدد حياته، وتلك هي غاية الحضارات وجوهر الأديان.