كتبه عبدالحميد العدّاسي: يطيب لي أن أتوجّه بالشكر الجزيل لأسرة الحوار.نت لجعلها رابط إذاعة الزيتونة للقرآن الكريم التونسية في ركن "موعظة الحوار"... وإنّها لموعظة بليغة بالغة الأهميّة، يجدر بالجميع التوقّف عندها لسماعها وفهمها والعمل بمقتضياتها... كنت ممّن كتب عن مشروع بعث إذاعة الزيتونة، وذلك بتاريخ 15 – 09 – 2007، وقد قلت فيما قلت: "أنا – كغيري - أثمّن هذه الحركة (أعني بعث الإذاعة) وأسأل الله أن يبارك فيها ويجعل نتائجها خيرا ممّا أراده أصحابها. فلعلّها تصلح بعض ما أفسدت موزاييك وتونس 7 الفضائية وغيرها من الوسائل والبرامج الهدّامة المتعمّدة من طرف صاحب البُشرى نفسه وأعوانه"... ثمّ زدّت: "... ولقد تمنّيت على صاحب التغيير أن يبشّر مواطنيه بما يُفرحهم ويخفّف عنهم في بداية شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النيران (لمن أراد): إخلاء السجون من الرّهائن، إشاعة الحريّات العامّة والخاصّة، الإعلان عن عدم مجاراته للمنافقين الذين يتستّرون بالدعوة إلى إعادة انتخابه لمواصلة تمعّشهم من خيرات البلاد، تحرير المرأة باتّجاه ربّها فلا مناشير تحدّد لباسها ولا فكر متخلّف يجعل منها بضاعة من سقط المتاع، الضرب على المفسدين بجعل القانون التونسي الجيّد من حيث النصّ (باستثناء القوانين اللاّشرعية كالمسمّى بقانون الإرهاب المشيع فعلا للإرهاب) يجد طريقه إلى التنفيذ، إعادة الاعتبار إلى مؤسّسة العائلة التي تعرّضت إلى التخريب الكامل من طرف الحداثيين الفاسدين، محاربة البطالة ومسبّباتها، تشجيع العلم والعلماء والعمل والعاملين والحبّ والمحبّين (حبّ الخير للنّاس كافّة، حبّ البلاد، حبّ الدين، حبّ الله سبحانه وتعالى)."... ولقد وجدتّ من خلال بعض الفقرات التي استمعت إليها من إذاعة الزيتونة القدر المقبول والكافي - ربّما – للبدء في إصلاح بعض ما أفسده مجفّفو الينابيع. فقد كان الذي سنّ فكرة التجفيف يعلم جيّدا دور تلك الينابيع في إصلاح الفرد التونسي الوطني الغيور، وقد سمّى الينابيع بأسمائها، قرآن وسنّة وحديث وأثر وأدعيّة مأثورة وعرف صالح، فبادر إلى القرآن يتخيّر منه ما يُحذَفُ احتراما لأحاسيس "المتحضّرين والحقوقيين" في تونس وفي العالم (ويكون بهذا قد نفى عن الله سبحانه وتعالى الحكمة) وإلى السنّة والحديث والأثر يغيّبها من حياة الفرد الخاصّة والعامّة وإلى العرف يشكّك في صلاحيته للعصر وإلى الأدعية يطمسها ويعتبرها – ربّما – ضربا من القعود أو الشعوذة...
الفقرات التي سمعتها من إذاعة الزيتونة لامَسَتْ تقريبا كلّ ما يحتاجه المسلم وما يجعله بإذن ربّه على صراط ربّه، فقد كان ممّا تابعت برنامج "في مدرسة الحبيب محمد صلّى الله عليه وسلّم" وهو عبارة عن إملاء قرآنيّة (ملّة) حرص فيها الشيخ المقرئ عثمان الأنداري - بارك الله فيه وفي نسله – على إتقان المخارج وقواعد التجويد، كما استمعت إلى نشيد رائق يتغنّى بالزيتونة التي فيّأت ظلالها وخيراتها النّاس، وكانت الأدعيّة رقراقة كثيرة تامّة كاملة بعد الأذان والصلاة المنقولة مباشرة إلى المستمعين ثمّ كان هدي الرّسول صلّى الله عليه وسلّم ممثّلا في الحديث الشريف بلغة مبسّطة مفهومة، ولم يغب القصص القرآني عن المسامع بل جاء بعبره الثمينة. كلّ ذلك وغيره من المنافع كان من تقديم كفاءات تونسية مباركة جازاهم الله جميعا خير الجزاء، ومزيّنا بترتيل جميل مجوّد من طرف أصوات زيتونيّة توّاقة إلى طرق مسامع المؤمنين في كلّ المعمورة لتنبئهم أنّ الزيتونة لا تزال بإذن الله معطاءة كريمة إذا أخلص أبناؤها في ريّ عروقها وتخليص محيطها من الأعشاب الطفيلية الذميمة التي حدّت من كميّة السماد الموجّه لتطعيمها وإنعاشها... ما أحلى أن أسمع – أنا التونسي – ويسمع آخرون هذا الذي تنتجه أو تذيعه الزيتونة للقرآن الكريم المنبثقة من الجمهوريّة التونسية، فإنّ ذلك يخفّف لا محالة من وقع أخبار تحكي عن وجود مجرمين في تونس دنّسوا القرآن الكريم وركلوه بأرجلهم (شلّت أرجلهم وأياديهم)، كما تحسّن من صورة البلاد والعباد وقد شُهر عن بعض مثقّفيهم وحكّامهم أنّهم يكرهون الدين والتديّن فلا يقبلون متحجّبة اختارت لنفسها الستر أو شابّا آثر أن ينشأ في طاعة الله أو رجلا اختار صحبة سيّد الشهداء حمزة رضي الله عنه فنطق بكلمة الحقّ عند ذاك الجائر... ما أحلى أن يهتدي بعض من قومي إلى ما يصلح الحال، فيتّجهون إلى إشاعة ما به صلح أوّل هذه الأمّة بدل أن يتواصل الإصرار على الإثم كما يفعل أولئك الذين زيّن لهم الشيطان أعمالهم ممّن خرجوا عن دائرة العقلاء فأحرجونا والبلاد بتصرّفاتهم أمام الخلق أجمعين. وقد ساءني كثيرا أن ينصرف ثلّة من التونسيين إلى برمجة أسبوع ضحك في وقت عصيب كانت غزّة فيه تذبح، وكأنّهم قد اختاروا لأنفسهم مكانا تحت قول الله تعالى: "إنّ الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون وإذا مرّوا بهم يتغامزون وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فاكهين وإذا رأوهم قالوا إنّ هؤلاء لضالّون"، كما ساءني أن يفدَ بعض التونسيين على هذا المهرجان المميت للقلوب والذي لا يعكس في الحقيقة - بأيّ حال من الأحوال - ما عليه التونسيون في غالبيتهم المطلقة من تفاعل إيجابي مع القضيّة الفليسطينية خصوصا والشأن الإسلامي والعربي عموما... أسأل الله أن يهدي الذي أشار بإحداث إذاعة الزيتونة للقرآن الكريم لغاية علِمَها الله قبل أن يشرع هو بالتفكير فيها، أن يعمل ببعض ما تذيعه الإذاعة على النّاس، وأقول له ناصحا: والله، ما ينتظر منك التونسيون أكثر من أن تتركهم وشأنهم يرجعون إلى أصولهم التونسية الطيّبة التي قد خوّلت – حسب ما قرأت – لأبطالها هناك في غانا أكفّا ترفع بالدّعاء من أجلهم هذه الأيّام. فقد دعاهم أصلهم ودينهم وزيتونتهم اللاّشرقية واللاّغربية بعد الله سبحانه وتعالى إلى إظهار الوجه الطيّب لتونس المعطاءة الكريمة الحنونة العطوفة، فقاموا بالانفاق على بعض الفقراء هناك، وقد كان ذلك من مالهم الخاصّ الذي بيّضوا به الوجه ولمّعوا به الصورة مخالفين بذلك أناسا تافهين يعيشون في دفئك قد سوّدوا الوجه وبشّعوا الصورة... أنصحك بأن تبادر بإطلاق الحريّات العامّة والخاصّة وتعمّر المساجد وتشيع المعرفة فيها معتمدا إن شئت على نفس المشايخ الذين هم الآن في إذاعة الزيتونة غير متعمّد دفعهم إلى تملّق (لا قدّر الله) يفسدهم عند سامعيهم، وسوف ترى كيف تمُوتَ على كرسيك أو على فراشك معزّزا مكرّما تونسيا (إلاّ ما كان من شأنك مع ربّك فأمره إلى ربّك)، وإلاّ فابشر بنتائج السواد الذي ينفثونه من حولك تطوّقك عند نهايتك... وبارك الله فيما تبثّه الزيتونة وأصلح الله نوايا القائمين عليها وجزى الله خيرا كلّ المنتجين المخلصين... المصدر : بريد الفجرنيوز