بعد إطلاق سراحه من سجن أمريكي.. الناشط محمود خليل يتعهد باستئناف تأييده للفلسطينيين    عاجل/ تتصدرها شعبة الرياضيات: التفاصيل الكاملة لنتائج الدورة الرئيسية لبكالوريا 2025..    شعبة الرياضيات تتصدر نتائج الدورة الرئيسية لبكالوريا 2025 بنسبة نجاح بلغت 74.93 بالمائة    تونس تسجل سابقة في مجال صحة العيون على المستوى الإفريقي باجراء 733 عملية جراحية مجانية في يوم واحد    رئيس أركان القوات المسلحة في إيران يوجه رسالة إلى الشعب الإيراني    وزارة الفلاحة تحذّر    منظمة الأطباء الشبان ترد على بيان وزارة الصحة: ''مطالبنا حقوق.. لا إنجازات''    مع الشروق : المجتمع الدولي الاستعماري    أخبار الحكومة    شارع الفل ببن عروس.. خزنة توزيع الكهرباء خطر محدّق؟    قصور الساف .. «حكايات القهوة» بدار الثقافة البشير بن سلامة .. سحر البُن.. وعبق الإبداع والفن    المهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون .. صابر الرباعي في الافتتاح وغزّة حاضرة    صيحة فزع    11.5 مليون دولار وهدف عالمي.. الترجي ينعش آماله في مونديال الأندية    رانيا التوكابري تتوّج بجائزة ''النجاح النسائي'' في مجلس الشيوخ الفرنسي    بطولة الجزائر - مولودية الجزائر تتوج باللقب تحت قيادة المدرب خالد بن يحيي    أنس جابر تغادر بطولة برلين في الزوجي والفردي    استخدام المروحة ''عكس المتوقع'': الطريقة الأذكى لتبريد المنزل في الصيف    بطولة افريقيا للرقبي السباعي بالموريس: المنتخب التونسي ينهي الدور الاول في المركز الثالث    حملة رقابية مشتركة بشاطئ غار الملح: رفع 37 مخالفة اقتصادية وصحية    بكالوريا 2025: نجاح ب37% فقط... ورياضيات تتفوّق ب74.9%    نتائج بكالوريا 2025: نظرة على الدورة الرئيسية ونسبة المؤجلين    صفاقس: 100% نسبة نجاح التلاميذ المكفوفين في باكالوريا 2025    الميناء التجاري بجرجيس مكسب مازال في حاجة للتطوير تجاريا و سياحيا    Titre    المهدية : تنفيذ عمليات رقابية بالمؤسسات السياحية للنهوض بجودة خدماتها وتأطير مسؤوليها    كأس العالم للأندية 2025: ريال مدريد يواجه باتشوكا المكسيكي والهلال يلتقي سالزبورغ النمساوي    الدورة 56 لمهرجان الساف بالهوارية ستكون دورة اطلاق مشروع ادراج فن البيزرة بالهوارية ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لليونسكو (مدير المهرجان)    المنستير: انطلاق المسابقة الدولية في التصوير الفوتوغرافي والفيديو تحت الماء بعد تأجيلها بيوم بسبب الأحوال الجوية    عاجل/ نفوق أسماك بشواطئ المنستير.. ووزارة الفلاحة تدعو إلى الحذر..    عاجل: بداية الإعلان عن نتائج الباكالوريا عبر الإرساليات القصيرة    مدنين: 56 مريضا ينتفعون من عمليات استئصال الماء الابيض من العيون في اليوم الاول لصحة العيون    محسن الطرابلسي رئيسا جديدا للنادي الإفريقي    تعمّيم منصة التسجيل عن بعد في 41 مكتبا للتشغيل بكامل تراب الجمهورية    الزيت البيولوجي التونسي ينفذ إلى السوق الأمريكية والفرنسية بعلامة محلية من جرجيس    "اليونيدو" والوكالة الايطالية للتعاون من أجل التنمية توقعان اتفاقا لتمويل مشروع "تونس المهنية " بقيمة 5ر6 مليون اورو    "هآرتس": تحرك قاذفات أمريكية قادرة على تدمير "فوردو" الإيرانية    الكاف: لأول مرة.. 20 عملية جراحية لمرضى العيون مجانا    فيديو من ميناء صيادة: نفوق كميات هامة من الأسماك بسبب التلوث    أردوغان: متفائلون بأن النصر سيكون إلى جانب إيران    القناة 12 الإسرائيلية: اغتيال 17 عالما نوويا إيرانيا..#خبر_عاجل    وزير السياحة: التكوين في المهن السياحية يشهد إقبالاً متزايداً    عاجل/ ترامب يمهل ايران أسبوع لتفادي الضربات الامريكية المحتملة..    اليوم: أطول نهار وأقصر ليل في السنة    الفنان أحمد سعد يتعرض لحادث سير برفقة أولاده وزوجته    القصرين: بطاقات إيداع بالسجن في قضية غسيل أموال مرتبطة بالرهان الرياضي    وزارة الثقافة تنعى فقيد الساحة الثقافية والإعلامية الدكتور محمد هشام بوقمرة    مدنين: اختصاصات جديدة في مهن سياحية وانفتاح على تكوين حاملي الإعاقة لأول مرة    طقس السبت.. ارتفاع طفيف في درجات الحرارة    كأس العالم للأندية: برنامج مباريات اليوم السبت    اليوم: الإنقلاب الصيفي...ماذا يعني ذلك في تونس؟    الانقلاب الصيفي يحل اليوم السبت 21 جوان 2025 في النصف الشمالي للكرة الأرضية    بعد فوزه على لوس أنجلوس... الترجي الرياضي يدخل تاريخ كأس العالم    وزير الاقتصاد.. رغم الصدمات تونس لا زالت جاذبة للاستثمارات    الأحد: فتح المتاحف العسكرية الأربعة مجانا للعموم بمناسبة الذكرى 69 لانبعاث الجيش الوطني    السبت 21 جوان تاريخ الانقلاب الصيفي بالنصف الشمالي للكرة الأرضية    منصّة "نجدة" تساعد في انقاذ 5 مرضى من جلطات حادّة.. #خبر_عاجل    ملف الأسبوع...ثَمَرَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِ تَدَبُّرِ القُرْآنِ الْكَرِيِمِ...وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إعادة نشر قوات الاحتلال بين فلسطين والعراق : بقلم نقولا ناصر*
نشر في الفجر نيوز يوم 29 - 06 - 2009

(أي انسحاب فعلي لقوات الاحتلال لن يتم قبل ضمان وجود نظام موال تماما للولايات المتحدة في بغداد بتكبيله بما سماه السفير الأميركي هيل "اتفاقية إطار العمل الاستراتيجي")
مثلما وصف المحتلون الإسرائيليون إعادة نشر قوات احتلالهم من داخل المدن الفلسطينية إلى أطرافها بأنه "انسحاب" بعد توقيع اتفاق أوسلو عام 1993، ومثلما هلل النظام السياسي الفلسطيني المنبثق عن هذا الاتفاق لعملية إعادة الانتشار تلك باعتبارها "تحريرا" ولذلك وصف سلطة الحكم الذاتي المنبثقة عنها ب"السلطة الوطنية"، ليتكرر المشهد المسرحي نفسه بعد إعادة انتشار قوات الاحتلال من داخل قطاع غزة إلى أطرافه عام 2005، لكن من جانب واحد ودون اتفاق هذه المرة، لترافقه عملية تضليل إعلامي كبرى للرأي العام العالمي الداعي للسلم والمعارض للحرب والاحتلال لمعت صورة القوة القائمة بالاحتلال كقوة جانحة إلى السلام، فإن المحتلين الأميركيين في العراق والنظام المنبثق عن احتلالهم في بغداد يستعدون منذ توقيع "الاتفاقية الأمنية" بينهما أواخر العام الماضي لتكرار المسرحية الإسرائيلية – الفلسطينية كسابقة ناجحة عندما تقوم قوات الاحتلال الأميركي -- المسماة قوات "متعددة الجنسيات" حتى الآن بالرغم من انسحاب معظم "الجنسيات" التي شاركت في غزو العراق عام 2003 -- بإعادة نشر قواتها خارج المدن العراقية يوم غد الثلاثاء.
ومثلما استهدفت عملية إعادة نشر قوات الاحتلال الإسرائيلي إعفاء هذه القوات من مهمة القيام بدور الشرطة وسط تجمعات الكثافة السكانية للشعب الخاضع للاحتلال، وتقليل خسائرها في الأرواح والمعدات الناجمة عن المقاومة الوطنية المحتمية بحاضنتها الشعبية داخل هذه التجمعات، واستهدفت إعفاء ميزانية الدولة المحتلة من الأعباء المالية الملزمة بها تجاه المدنيين كقوة قائمة بالاحتلال بموجب القانون الدولي بنقل جزء منها إلى جيوب هؤلاء المدنيين أنفسهم وجزء آخر إلى جيوب دافعي الضرائب في الدول "المانحة"، بنقل صلاحيات "الإدارة المدنية" للحاكم العسكري إلى إدارة حكم ذاتي أطلق عليها في الاتفاقيات الموقعة بهذا الشأن اسم "السلطة الفلسطينية" التي أضافت من جانب واحد صفة "الوطنية" إلى هذا الاسم، دون أن يحل الاحتلال إدارته المدنية أو يعفي حاكمه العسكري من مهامه لتتحول "السلطة" الجديدة إلى مجرد "وسيط" بينهما وبين شعبها من خلال ما يسمى ب"مكاتب" الارتباط والتنسيق الأمني، فإن أهداف عملية إعادة نشر قوات الاحتلال الأميركي في العراق لا تختلف كثيرا في الجوهر وإن كانت لها في الشكل مسميات أخرى.
فعلى سبيل المثال نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن المتحدث باسم وزارة الدفاع العراقية محمد العسكري قوله إن "العراق" أنشأ "اللجنة المشتركة لتنسيق العمليات العسكرية" مع القوات الأميركية يكون مقرها في الوزارة نفسها داخل المنطقة الخضراء ببغداد "للتنسيق" معها بعد إعادة نشرها خارج المدن، بينما يبعد مقر الحاكم العسكري الإسرائيلي وإدارته المدنية في مستعمرة "بيت إيل" حوالي كيلومتر عن "المقاطعة" مقر الرئاسة الفلسطينية في رام الله، أما قائد قوات الاحتلال في العراق الجنرال ريموند أوديرنو فقد أطلق اسم "خلايا الاتصال" على اللجان الميدانية التي ستقوم بمثل هذا التنسيق، وهو نفسه الذي قال مؤخرا إن إعادة الانتشار قد لا تشمل مدنا رئيسية مثل الموصل وبعقوبة حيث المقاومة ساخنة للاحتلال.
إن من يراجع الجزء الخاص بالعراق من الخطاب الشهير الذي ألقاه الرئيس الأميركي باراك أوباما بالقاهرة في الرابع من حزيران / يونيو، والذي حاول فيه تحويل الأنظار إلى الصراع العربي الإسرائيلي وإيران بعيدا عن احتلال العراق حيث يتقرر فعلا مصير المنطقة، وبخاصة عندما قال إن "الشعب العراقي في نهاية المطاف في حال أفضل" مما كان عليه قبل الغزو الأميركي، لا يساوره أي شك في أنه يتفق مع سلفه جورج بوش الابن في الهدف الأول لما وصفه ب"حرب الاختيار" التي اختارتها بلاده وقادت إلى احتلال العراق، وهو تغيير النظام السياسي فيه إلى نظام "شريك" لبلاده في حماية مصالحها المختلفة في المنطقة.
ولو تساءل أي مراقب عما إذا كان أوباما سوف يستمر في خطته المعلنة لسحب قوات الاحتلال الأميركي من العراق لو انهار النظام السياسي للعراق "الجديد" الذي انبثق عن الاحتلال فإن الجواب شبه المؤكد سيكون بالنفي، ومن شبه المؤكد أيضا أن مشروع القانون الذي وقعه أوباما يوم الأربعاء الماضي لإنفاق (106) بلايين دولار إضافية على الحرب في العراق وأفغانستان لن يكون آخر تمويل طوارئ إضافي خارج الميزانية المعتادة يضطر إلى الطلب من الكونغرس اعتماده كما وعد، مما يؤكد بأن القاسم المشترك الأهم في عملية إعادة نشر قوات الاحتلال في الحالتين الفلسطينية والعراقية هو تسهيل قيام نظام سياسي "محلي" بموافقة القوتين المحتلتين ومباركتهما ودعمهما اللتين ستكونان بالتأكيد في طليعة الجاهدين دوليا لانتزاع اعتراف عالمي بشرعيته واستقلاله وسيادته، "فالرئيس أوباما لا يستطيع خسارة العراق" لنظام آخر كما قال كينيث بولاك الخبير بمعهد بروكينغز في واشنطن ( الكريستيان ساينس مونيتور، 23/6/2009).
وكما هو متوقع، وتكرارا لسيناريو إعادة انتشار قوات الاحتلال في فلسطين، فإن رئيس وزراء النظام السياسي المنبثق عن الاحتلال في العراق نوري المالكي، الذي سبق له أن اعتبر تاريخ 27/11/2008 يوم توقيع الاتفاقية الأمنية التي نصت على إعادة الانتشار العسكري الأميركي خارج المدن العراقية في الثلاثين من الشهر الجاري "يوما تاريخيا مجيدا"، قد أعلن يوم غد الثلاثاء يوم عطلة رسمية، واعتبره في تصريح له خلال الأسبوع الماضي يوم "انتصار عظيم"، بينما أعلن الناطق باسم حكومته علي الدباغ عن احتفالات بهذه المناسبة اليوم الاثنين.
غير أن مجموعة من الحقائق الدامغة على الأرض -- وأولها عدم تبييض سجون الاحتلال من حوالي (12) معتقل عراقي يعترف الاحتلال نفسه بوجودهم فيها وعدم إغلاق هذه السجون ولا سجون النظام الذي أقامه الاحتلال "احتفالا" بالمناسبة وهو الأمر الطبيعي المتوقع لو كانت المناسبة "تحريرا وانتصارا" حقا -- لا تترك أي شك في أن يوم الثلاثين من حزيران / يونيو الجاري في العراق هو مجرد يوم آخر عادي من أيام الاحتلال الأميركي، مجردا من أي مجد أو عظمة أو انتصار، اللهم إلا إذا حوله المصطرعون على فتات الاحتلال ومغانم سلطته إلى يوم أسود آخر في سلسلة الجرائم والمجازر البشرية التي يرتكبونها ضد المدنيين من الشعب المنكوب بهم في محاولتهم إطالة وجود الاحتلال إلى أطول مدى ممكن لأنهم يدركون بأن رحيله في أي يوم ستعقبه نهايتهم في اليوم التالي، وربما يكون محافظ ديالى عبد الناصر المنتصر بالله نموذجا لهؤلاء عندما نقل القائد الأميركي للمحافظة الكولونيل بيرت ثومبسون عنه قوله له: "أريدكم أن تؤمنوا الحماية لي، لا أريدكم أن ترحلوا"، أو إذا حولت المقاومة الوطنية هذا اليوم إلى مناسبة يلعن فيها الاحتلال اليوم الذي غزا فيه العراق ويلعن فيه المؤتلفون في نظام الحكم الذي أقامه الاحتلال اليوم الذي حملتهم فيه دباباته إلى بغداد.
فعملية إعادة الانتشار أولا لن يترتب عليها نقص ولو جندي واحد من عديد قوات الاحتلال الأميركي في العراق البالغ أكثر من (133) ألفا، منها (12) لواء مقاتلا، وبما أن أوباما أعلن في 27 شباط / فبراير الماضي بأن "المهمة الحربية" لهذه القوات ستنتهي بنهاية الشهر الثامن من العام المقبل فإنه سوغ بقاءها حتى ذلك التاريخ بتغيير في مسمى وظيفتها فقط إلى قوات "تدريب ومشورة ودعم" تتحرك قوافلها فوق التراب العراقي "تحت جنح الظلام" فقط ولا تتدخل في القتال ضد المقاومة الوطنية إلا بناء على طلب حكومة المنطقة الخضراء ببغداد حسب "الاتفاقية الأمنية". وربما تكون هنا دلالة هامة للتذكير بأن أوباما لم يأت بجديد نوعي يضيفه إلى ما كان سلفه جورج بوش الابن قد قرره ورسمه ونفذه في العراق بما في ذلك "الاتفاقية الأمنية" وخطة "الانسحاب" والاحتفاظ بقوة قوامها يتراوح بين (35) و (50) ألفا "للتدريب والمشورة" بعد انتهاء الاتفاقية الأمنية عام 2011. وكان رئيس أركان الجيش الأميركي جورج كيسي قال في 27 أيار / مايو الماضي إن واشنطن قد تحتفظ ب"قوات مقاتلة" للتدخل في العراق لمدة عشر سنوات بعد انتهاء الاتفاقية الأمنية (الأسوشيتدبرس).
وثانيا، بينما يرفض المسؤولون الأميركيون و"شركاؤهم" العراقيون في حكومة المنطقة الخضراء ببغداد الإفصاح عن عدد القواعد الأميركية التي ستبقى في العراق بعد الثلاثين من هذا الشهر، باعتبار ذلك من الأسرار العسكرية، نسب مراسلان (ستيفن مايرز و مارك سانتورا) للنيويورك تايمز في تقرير لهما مؤخرا إلى "مسؤول عراقي" قوله إن (150) قاعدة أميركية أغلقت هذا العام تمثل (85%) من مجموع هذه القواعد، لكن الجنرال ريموند أوديرنو قال في مؤتمر صحفي له قبل حوالي أسبوعين إن ما يزيد على (300) قاعدة كانت ما زالت موجودة في العراق. وحسب تقرير مكتب المحاسبة الأميركي العام الماضي كانت وزارة الدفاع الأميركية عازمة على إغلاق (283) قاعدة بحلول آخر حزيران / يونيو من العام الحالي.
وربما يكون خير مثال على التضليل الإعلامي بالخلط بين إعادة الانتشار وبين الانسحاب هو اتفاق الجانبين الأميركي و"العراقي" على بقاء قوات الاحتلال في "كامب فيكتوري" (معسكر النصر) الذي يضم خمسة قواعد وعشرين أف جندي أميركي على بعد خمسة عشرة دقيقة من بغداد بحجة أنه "من الناحية الفنية يقع خارج المدينة" ومثله "قواعد المارينز الكبيرة في محافظة الأنبار الغربية بضواحي الرمادي والتقدم" وقاعدة "ميريز" للجيش الأميركي بضواحي الموصل، إلخ. (النيويورك تايمز، 27/4/2009).
وبغض النظر عن عدد القواعد العسكرية الضخمة التي سوف تنسحب قوات الاحتلال إليها خارج المدن من قواعدها داخلها، فإن بعض هذه القواعد هي في الواقع "مدن عسكرية" مثل قاعدة السفارة الأميركية في بغداد وهي بحجم الفاتيكان والأكبر من نوعها في العالم ومثل قواعد الأسد الجوية وقاعدة البلد الجوية ومعسكر تاجي وقاعدة طليل الجوية، وحسب "الاتفاقية الأمنية" فإنها لا تخضع لأي إشراف عراقي على حركة القوات منها وإليها ولا على نوع الأسلحة المخزنة فيها ولا على حدود الحرب التي سمحت الاتفاقية للقوات فيها بشنها ضد "الإرهاب" انطلاقا منها سواء داخل العراق أم خارجه كما حدث في الهجوم الأميركي بالمروحيات على قرية السكرية السورية أواخر الشهر العاشر من العام الماضي.
وهذا الهجوم الأميركي الذي أوقع تسعة شهداء من المدنيين السورين يذكر ثالثا بتقارير عديدة، منها تقرير للقدس برس في الرابع والعشرين من حزيران / يونيو العام الماضي، عن إقامة أربع قواعد أميركية متطورة على الجانب العراقي من الحدود مع إيران على مقربة من بلدات بدرة وزرباطية وجصان وتقع إحداها على بعد ثلاثين كيلومترا عن خط الحدود المشتركة "لا علاقة لها بعمليات الجيش الأميركي بالعراق ... ولا يرتبط العاملون بها بأي عمل قتالي في العراق"، على ذمة قدس برس نقلا عن ضابط عراقي كبير في مديرية المخابرات العراقية التي أنشأها الاحتلال.
أي أن هذه القواعد غير مشمولة ب"الاتفاقية الأمنية" من ناحية، ويمكن الاستنتاج بأنها ليست مرشحة لأي انسحاب في أي مدى منظور، وبأنها ما زالت بانتظار "اتفاقية أمنية" جديدة تنظم وجودها، كما أنها وسابقة العدوان الأميركي على سوريا من الأراضي العراقية تهدد من ناحية ثانية بتحويل العراق إلى قاعدة للعدوان على الدول المجاورة وإلى قاعدة متقدمة للتصدي لأي رد فعل إيراني صاروخي على أي هجوم إسرائيلي أو أميركي على المنشآت النووية الإيرانية.
ورابعا، فإنه بينما يجري التطبيل والتزمير لموعد الثلاثين من الشهر الحالي باعتباره "انتصار عظيم" فإن حكومة المالكي قد أصدرت بيانا ألمحت فيه إلى احتمال تأجيل الموعد المقرر لإجراء استفتاء على الاتفاقية الأمنية في الثلاثين من شهر تموز / يوليو المقبل وهو الموعد الذي يمكنه فعلا أن يحول الموعد الأول إلى بداية انتصار حقيقي، وبما أن الاحتلال الأميركي ومؤسسات الحكم المنبثقة عنه ومنها "البرلمان" اضطروا لتضمين "الاتفاقية الأمنية" النص على هذا الاستفتاء من أجل إنقاذ ماء وجه البرلمانيين أمام الشعب العراقي الرافض لها عندما وافقوا عليها فقد كان من المتوقع أن لا يتم الالتزام بموعد الاستفتاء الذي اعتمدت حكومة المالكي مع ذلك مبلغ (99) مليون دولار لإجرائه قبل أن تقترح تأجيله لمدة ستة أشهر ليتزامن مع الانتخابات البرلمانية في نهاية العام. وقد كشف الدباغ السبب الحقيقي لتوقع حكومته عدم إجراء الاستفتاء في موعده لأن هذه الحكومة تتوقع أن يخف العداء العراقي لأميركا بعد إعادة نشر قواتها خارج المدن العراقية مما يزيد فرص الموافقة على الاتفاقية الأمنية في الاستفتاء المؤجل. وقد ذكرت النيويورك تايمز في تقرير لها الأربعاء الماضي أن إدارة أوباما تمارس الضغط لعدم الالتزام بموعد الاستفتاء المقرر أصلا.
وهذا السبب يقود إلى الحقيقة الخامسة والأهم التي تؤكد بأن إعادة الانتشار الأميركي يوم غد لن تكون إيذانا بإنهاء الاحتلال، بل جزءا من التحضيرات لتأطيره في "اتفاقية إطار العمل الاستراتيجي" التي قال السفير الأميركي في بغداد كريستوفر آر. هيل في الثامن عشر من الشهر الجاري إنها "اتفاقية سوف تحكم في الواقع علاقتنا، كما نأمل، لعقود قادمة من الزمن"، فهذه الاتفاقية كما أضاف هي التي ستحدد "جوهر" العلاقات العراقية الأميركية في المستقبل، ولذلك فإن أي انسحاب فعلي لقوات الاحتلال لن يتم قبل ضمان وجود نظام موال تماما للولايات المتحدة في بغداد بتكبيله باتفاقية كهذه.
ومن أجل تحقيق ذلك سوف تستمر واشنطن في الاحتفاظ بأوراقها في العراق وأولها طبعا بقاء قوات الاحتلال، ومنها كذلك على سبيل المثال السماح للكويت بأن تكون قوة أعظم من القوة العظمى الأميركية في منع خروج العراق من الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة وهو ما تعهدت واشنطن بمساعدة العراق فيه طبقا للمادة 25 من الاتفاقية الأمنية التي تجري عملية إعادة الانتشار بموجبها، ناهيك عن ضرورة بقاء قوات الاحتلال حتى وفاء العراق باستحقاقات أميركية هامة قبل الاتفاق الاستراتيجي مثل إقرار قانون جديد للنفط يحوله من ثروة وطنية استراتيجية خاضعة للقرار الوطني إلى ثروة مشاع لاحتكارات وامتيازات الشركات الأميركية العابرة للقارات، وإقرار "النظام الفدرالي" لضمان عدم قيام سلطة وطنية مركزية قوية إلى أمد غير منظور، إضافة إلى نصف 18 "استحقاقا" اعتمدها الكونغرس في عهد إدارة بوش ولم يتخل عنها لا الرئيس الجديد أوباما ولا الكونغرس وما زال على العراق أن يفي بها قبل انسحاب قوات الاحتلال.
والخشية المتوقعة الآن هي أن تقود عملية إعادة نشر قوات الاحتلال الأميركي خارج المدن العراقية إلى ما قادت إليه مثيلتها الإسرائيلية في فلسطين من إطالة أمد الاحتلال، وتشديد الحصار، وتحويل المدن العراقية إلى كانتونات معزولة كمثيلاتها الفلسطينية لكنها أكثر خطورة لأنها تهدد بصراعات عرقية وطائفية وقبلية وحزبية بينها تفاقمها عوامل الثروة والديموغرافيا والجغرافيا الأكثر تعقيدا من الحالة الفلسطينية، ثم الانقسام الوطني الذي يحرص عليه المحتلون كافة، اللهم إلا إذا تمكنت المقاومة العراقية مما استطاعته نظيرتها الفلسطينية من اعتراض خطط الاحتلال وتعطيلها بانتظار كنسها هي والاحتلال إلى مزبلة التاريخ.
*كاتب عربي من فلسطين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.