تونس سفيان الشورابي :تم يوم الثلاثاء 23 حزيران\يونيو الجاري الاعتداء بالعنف على النشطاء الحقوقيين راضية النصراوي وعبد الرؤوف العيادي وعبد الوهاب المعطر وسمير ديلو عند عودتهم من العاصمة السويسرية جنيف حيث حضروا مؤتمر تأسيس المنظمة الدولية للمهاجرين التونسيين. اعتداء مثّل رد بليغ على تكوين منظمة تعمل على الضغط من أجل العفو على اللاجئيين السياسيين المنفيين عن بلدهم تونس
تم الاعتداء في مطار تونسقرطاج الدولي. المحامي عبد الرؤوف العيادي طرح أرضا وركل من قبل عدة أعوان مما تسبب له في جروح بركبته وتمزيق ثيابه أمام جمع من المسافرين. كما تم لي ذراع المحامية راضية النصراوي وتكسير هاتفها الجوال وإصابتها بخدوش في معصمها. وكان الاثنان اخضعا قبل ذلك لتفتيش بدني مهين. كما تعرض المحامي عبد الوهاب المعطر لنفس المعاملة بمطار صفاقس (500 كم جنوب العاصمة تونس) وتم الاعتداء عليه وتهشيم نظاراته الطبية وتسبب جره إلى غرفة المطار بتمزيق ثيابه. وقد تعمد أعوان الديوانة التونسية بحضور خمسة من أعوان الشرطة السياسية بعثرة حقيبة المحامي سمير ديلو خلال عملية التفتيش وتلويث محتوياتها بمواد تنظيف كما تم احتجازه قرابة الساعة بعد رفضه الخضوع للتفتيش الجسدي. وقد ندد المجلس الوطني للحريات بتونس في بيان حصلت "منصات" على نسخة منه بهذه الاعتداءات وطالب بفتح تحقيق لمعرفة المتسببين بتلك الاعتداءات واحالتهم إلى القضاء. وكانت مجموعة من الحقوقيين التونسيين قد حضرت مؤتمر تأسيس المنظمة الدولية للمهجرين التونسيين الذي انعقد يومي 20 و21 حزيران\يونيو الجاري بجنيف. وقد شارك في المؤتمر ما لا يقل عن 150 تونسيا منفيا بسبب أنشطتهم السياسية المعارضة. وأطلق المؤتمرون ما يسمى "حق العودة" بهدف تأسيس منظمة دولية تعمل على تسهيل عودة المنفيين والمهجرين التونسيين إلى بلادهم. وطالب المؤتمرون وفقا للبيان الصادر عنهم ب "عودة شاملة لا تستثني أحدا منهم، وأن تضمن لهم الحق في التنقل والإقامة"، وممارسة ما سموه "حقوقهم العقائدية والسياسية، وحريتهم في مواصلة نضالهم السلمي من أجل ما يرونه مصلحةً عامةً، بكل الوسائل المشروعة التي يضمنها الدستور والقانون". حق العودة... إلى تونس فكرة تنظيم المؤتمر كما يقول نور الدين الختروشي منسق مبادرة حق العودة "تبلورت منذ عام تقريبا منذ أن تم اتخاذ قرار تفعيل ملف عودة المهجرين التونسيين بطريقة منهجية ومنظمة من أجل استعادة حقنا في عودة آمنة وكريمة وشاملة للجميع". وقال العضو المؤسس للمنظمة لطفي الهمامي أن "موضوع المهجرين في تونس ليس مرتبط باللحظة الراهنة فقط بل هو موضع له جذوره وله مخلفاته من الضحايا الذين لا بد من رد الاعتبار لهم منذ العهد البورقيبي وهم يمثلون اتجاهات سياسية وإيديولوجية وفكرية عبر مراحل مختلفة". وأضاف "أن خارطة التوزع السياسي لهؤلاء تغيرت خلال السنوات الأخيرة لحكم الواقع المتغير، ففيهم من ترك الشأن العام، وفيهم من غيّر انتمائه السياسي، وفيهم من أعلن عن استقلاليته عن التنظيمات السياسية، وفيهم من التحق بصف النظام التونسي، وفيهم من عقد اتفاق مع الجهات الأمنية التونسية لترتيب عودته وقد عاد". ودعا الهمامي السلطة التونسية أن تقر حق العودة بشكل شمولي أي أن يتمتع به الجميع دون شروط مسبقة ودون تفرقة أو تمييز وذلك عبر اصدار عفو تشريعي عام يقر بحق الجميع في العودة. وتتحدث التقارير الإعلامية عن تواجد أكثر من 700 لاجئ سياسي تونسي موزعين على مختلف بلدان العالم ينتمي غالبيتهم إلى حركة النهضة الإسلامية التي كانت عرضة لشتى أنواع التضييقات منذ اشتداد الحملة الأمنية الموجهة ضدها منذ سنة 1992. ويعرب معظم المنفيين قسريا عن تخوفهم من إلقاء القبض عليهم فور عودتهم الى بلدهم الأصلي. وذكر أحد الأعضاء المؤسسين الهادي بريك أن المنفيين التونسيين حاليا هم "مجموعة من المواطنين حوكموا غيابيا بالسجن النافذ أو خرجوا من السجن بعد نفاد عقوباتهم ففروا خوفا من تجدد الملاحقة ضدهم أو فروا من البلاد للسبب ذاته أي الخوف على حياتهم وحرياتهم وكراماتهم بسبب علاقات قديمة مع المحاكمين أو المساجين". تونس لكل التونسيين؟ غير أن وزير العدل التونسي بشير التكاري ذكر في ندوة صحفية عقدت مؤخرا أن "تونس لكل التونسيين أينما كانوا" وقال : "حق العودة مكفول بحكم الدستور وهذه مسألة لا يمكن المساومة فيها أو المساس بها". وأضاف الوزير:" التونسيون الموجودون بالخارج والذين يعتبرون أنفسهم مبعدين ويتحدثون عن حق العودة، نقول لهم تونس مفتوحة لكل التونسيين دون استثناء، ومن صدرت بحقهم أحكام فإنهم إما وقد انقضت العقوبة بمرور الزمن أو أن عقوبتهم لم تنقض بعد وهو ما يستلزم إجراءات قضائية في الاعتراض". الصحافي المقرب من الحكومة خالد الحداد كتب من جهته موجها حديثه إلى المشاركين في المؤتمر في رسالة بدت كأنها مبطنة بغاية التقليل من نجاح المؤتمر " دعوا الماضي بكل ما فيه، وانظروا إلى المستقبل، ورأيي أن يتم الحديث عن مبادرة جديدة هي "واجب العودة"، بعيدا عن البحث عن واجهات حقوقية لأغراض سياسوية أو توظيف مآلات وأحكام قضائية وجزائية قديمة لاستحقاقات سياسية وانتخابية منتظرة، إذ لا أحد بقادر أن يفتك من أيّ كان "حقّ العودة" ، ف"تونس لكل التونسيين" كما ينص على ذلك الدستور الذي نحتفل جميعا هذه الأيام بالذكرى الخمسين لإعلانه وكما لا ينفك سيادة رئيس الدولة على تأكيد ذلك في كلّ مناسبة." في انتظار حل حقيقي الصحافي التونسي المقيم بالعاصمة القطرية الدوحة بسام بونني قال : أن مجرد وجود هذه المنظمة يمثل نقطة سوداء في تاريخ البلاد لكن أرجو أن لا تكون المنظمة مجرد حركة أو مجرد تجمع وبيان لا يسمن ولا يغني من جوع. فالمسألة طالت ويجب حلها بصفة نهائية" وتساءل " كيف يحرم المواطن من حق العودة إلى بلده خاصة أننا نعلم جيدا الظروف التي رافقت مغادرتهم البلاد" مستشهدا بما تعرض له عميد المنفيين نورالدين القفصي الذي لم يعد إلى تونس منذ أكثر من 47 عاما بعد اتهامه بالضلوع في الانقلاب الذي دبر لبورقيبة عام 1962. المنظمة اذن طرحت مسألة سياسية في غاية من الإحراج بالنسبة للحكومة التونسية التي عادة ما تنفي وجود لاجئين سياسيين مغتربين، غير أن الهالة الإعلامية التي صاحبت تكوين المنظمة الدولية للمهجرين التونسيين والمساندة الكبيرة التي حظيت بها من قبل أحزاب المعارضة المستقلة من داخل البلاد تتطرح على السلطة السياسية إلزامية التعاطي مع هذا الملف بنضج أكثر وربما حله بصورة نهائية تخدم مصلحة الجميع.