ودعوة للتفكير في واقع هذه الرياضات نورالدين المباركي اكتفى مسؤول في الجامعة التونسية لرفع الأثقال بالقول "للأسف الشديد هذا الرياضي أساء لنفسه ولتونس، ولو فكّر لحظة واحدة في بلده ما كان ليجرأ على "الفرار" من المجموعة إلى وجهة مجهولة قبل انطلاق الألعاب". والرياضي المقصود في حديث هذا المسؤول هو الرّفاع حمدي الدغمان الذي "اختفى" في إيطاليا حال وصوله للمشاركة في الدورة السادسة عشرة لألعاب البحر الأبيض المتوسط التي تقام بمدينة بيسكارا. ربما من حق المسؤول في الجامعة التونسية لرفع الأثقال أن يتأسّف على "فرار" حمدي لأن هذا الأخير كان يحمل "آمالنا وهو مرشّح لاعتلاء منصّة التّتويج" على حدّ قوله لكن إلى أي مدى أساء حمدي الدغمان إلى نفسه؟ والحال أن كافة المعطيات تشير أنه خطّط جيدا لعملية "الفرار" و"الحرقة". كان من الممكن أن لا تثير هذه الحادثة الانتباه وتبقى مصنّفة كحالة معزولة لكن بما أنه ليست الأولى في الرياضات الفردية في تونس فإنها تصبح سببا للقلق والتفكير في واقع الرياضات الفردية وضرورة مزيد الإحاطة والعناية بالرياضيين الذين يمارسون هذه الرياضات. في الألعاب الأولمبية (دورة سيدني 2000 ) فرّ أربعة ملاكمين تونسيين من مقر إقامة الوفد التونسي ليختفوا في استراليا وسنة 2006 في إحدى الدورات الدولية للملاكمة بألمانيا فرّ أيضا أربعة ملاكمين تونسيين.. كما فرّت رياضية تونسية من دورة دولية في أوروبا واليوم يفرّ الرفّاع حمدي الدغمان بمجرّد وصوله إلى إيطاليا تاركا وراءه منصّة التتويج في إحدى أهمّ التظاهرات الدولية. الأخصائيون الاجتماعيون يعتبرون هذه المسألة شكلا من أشكال "الحرقة" التي يعمد إليها الشباب للوصول إلى أوروبا لكنها "حرقة" شبه شرعية. يقول الدكتور المهدي مبروك :" يتمتّع اللاعبون بالشهرة والنجومية بسبب تألّقهم محليا ودوليا لكنّهم لا يستطيعون استثمار هذا المجد في الجانب الاجتماعي لهذا السبب يضحي الرياضي بالشهرة والمجد مقابل جمع المال فيستغل أول فرصة للهرب والبحث عن آفاق أخرى...". البحث عن آفاق أخرى هو جوهر المشكلة في الرياضات الفردية في تونس التي يجب أن نعترف أنها ما زالت في حاجة إلى مزيد الإحاطة والعناية وإلى تقديم مزيد الحوافز والتشجيعات للرياضيين في هذا الصنف. أجل هناك إجراءات وحوافز لكنها مازالت دون المستوى مقارنة بما يحصل في البلدان الأوروبية. أسامة الملولي السباح التونسي الذي حصد الألقاب الدولية هل كان سيحصل على ذلك لو لم يسافر إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية لمواصلة دراسته والتدرب هناك وقد اعترف هو ذاته بذلك. بل إنّ أحد الملاكمين التونسيين ممّن "فرّوا" في دورة الألعاب الأولمبية سيدني 2000 وحصل على الجنسية الاسترالية تمكن خلال السنوات الأخيرة من الحصول على بطولة استراليا وبطولة آسيا في وزن أقل من 64 كلغ وأحرز المركز الأول عالميا عامي 2006 و 2007 . الملاكم نوفل بن رابح قال في تصريحات لوكالة رويترز للأنباء :" رياضيو الألعاب الفردية يهدون بلدانهم الميداليات ويرفعون عاليا رايتها في المحافل الدولية لكنّهم يواجهون في المقابل التهميش ويعيشون وضعا ماديا صعبا، واصلت مسيرتي الرياضية لأني وجدت الإمكانيات المادية والتشجيع المعنوي". إن تجربة الملاكم نوفل بن رابح وغيره من رياضيي الألعاب الفردية لا يجب أن تدفع للأسف لأنّهم "فرّوا"، بل تدفع للأسف لأن الهياكل والمصالح المهتمّة بهذه الرياضات لم توفّر لهؤلاء الرياضيين المقوّمات الضرورية لمزيد التقدم ومازال التعامل مع هذه الرياضات وكأنها ثانوية مقارنة مع ما يصرف للألعاب الجماعية مثل كرة القدم ولا نشعر بأهمية هؤلاء إلا عندما يفرّون من المطارات خلال مشاركتهم في البطولات الدولية أو عندما يحصدون الجوائز والميداليات بجنسيات دول أخرى. موضوع "فرار" رياضيي الألعاب الفردية في تونس لا يجب أن يدفع فقط إلى الأسف بل إلى القلق الحقيقي من تكرارها وربّما لا نبالغ حين نقول أنّها تمثّل انتكاسة للرياضة التونسية.