تم أخيرا يوم السبت 20 جوان الإعلان عن البرنامج التفصيلي لمهرجان قرطاج في دورته 45 الذي يمتد من 9 جويلية إلي 17 أوت وقد تناقلت مختلف وسائل الإعلام هذا الخبر طارحة عدة تساؤلات عن سبب تغيير مدير المهرجان فجأة دون أن يتمكن أحد من الإجابة عن هذا السؤال لان وزاراتنا لا تجيب عن أسئلة الصحفيين ولا عن هواجس الناس. ما لفت انتباهنا عند اطلاعنا على هذا البرنامج عدة ملاحظات وتساؤلات لم نجد الإجابة عنها ولذلك سنضعها برسم القيمين عن الثقافة ابتداء من المثقفين إلي مدير المهرجان السابق واللاحق انتهاء بوزير الثقافة. فالبرنامج حافل بحضور الفرق والفنانين الفرنسيين وكأن تونس لا تزال تحت الحماية الفرنسية التي تخلص منها الشعب التونسي بعد أن قدم تضحيات جسيمة ولكن بعض النخب الفرنكفونية لا تزال تفرض هواها على الشعب التونسي فالمسألة تتجاوز التبادل الثقافي عندما يحتل الفن الفرنسي قرابة ثلث الفرق المشاركة كما نسجل الحضور البارز للفرق والفنانين النكرات القادمين من الولاياتالمتحدة. هل هذا تعبير عن الانفتاح أو خيار استراتجيّ ثقافيّ ينسجم مع العولمة الثقافية ذات الاتجاه الواحد المفروضة بالقوة على الثقافات الأخرى؟ كما أن الفن الإفريقي لم يحظ إلاّ بحضور باهت لكن إذا ما استثنينا الفنانة وردة الجزائرية والفنان الكبير مرسال خليفة الذي غاب أو غيب لسنوات عن هذه التظاهرة الفنية الكبرى فالمهرجان بدأ يفقد منذ فترة ألقه وبريقه حتى تحول إلي مجرد مناسبة يلتقي فيها الجمهور بالفن الهابط وهو ما لا يليق بمهرجان كان يحظي باحترام عربي ودولي خلال سنواته الأولي فتعرّض للغزو من فنانين يقدمون لوحات من الرقص أكثر من الغناء ويعملون على إثارة جمهور يبحث عن الترفيه تحت شعار "تونس بلد الفرح الدائم" دون أن يدرك معني الفرح هل هو فرح ناجم عن الازدهار والبحبوحة الاقتصادية أم فرح وهمي يراد من ورائه أن تحجب معاناته وأتعابه وما تتعرض له هويته للمسخ من الموجات الوافدة عبر الفضائيات التي غزت منازله دون أن يقدم له إعلامه المرئي صورة أفضل. ولعل ما يؤرقنا فعلا هو هل أن المشرفين على وضع هذا البرنامج لم يسمعوا باحتفالية القدس عاصمة للثقافة العربية لسنة 2009 ليبرمجوها ضمن فعاليات هذا المهرجان الذي يحظي باهتمام إعلامي وجماهيري لا بأس به فلماذ إذا تم تغييب القدس وفنانيها وفرقها هل من تمت برمجتهم من الفنانين العرب والأجانب يقدمون فنا ارقي من الفن التراثي الفلسطيني الذي يشهد إقبالا واحتراما جماهيريا أينما حل رغم ما يعانيه الفنانون الفلسطينيون من تضييق وحصار في القدس وفي فلسطين الداخل أو في الشتات . الم يكن من الأجدر برمجة فرقة فلسطينية لسهرة 26 جويلية لتقدم لوحات من "الدبكة" الفلسطينية تسعد الجمهور وتذكره بان هناك مدينة واسمها القدس وشعب اسمه الشعب الفلسطيني هو شعب عربي مثلكم يتعرض لمحاولات إبادة جماعية. لا شك أن هؤلاء الفنانين الأمريكيين سوف يحصلون على أضعاف أضعاف ما كان سيحصل عليه بعض إخواننا الفلسطينيين إذا تمت دعوتهم كما أنهم لن يقدموا فنا ارقى منهم. فنحن بحاجة إلي أسئلة أعمق حول الأسماء المبرمجة وما تقدمه من إضافة فإذا ما استثنينا الفنان الكبير مرسال خليفة الذي غنّى ويغني لفلسطين والمقاومة ويعبر عن هواجس الشعب العربي الذي يتعرض للقهر والتهميش فإن الفن الهادف يبدو غير مرغوب فيه هل هو خطأ أو مخطط؟ بالعودة إلى تساؤلاتنا عن سبب تغييب القدس وفنانيها فجل المهرجانات العربية من الكويت شرقا إلي المغرب غربا أعطت مساحة محترمة لهذه المدينة واحتفاليتها هل مهرجان قرطاج في تونس العربية إستثناء؟ وهل برمجة بعض الفرق والفنانين الفلسطينيين أمر صعب أليس لهؤلاء جمهور أوسع من الجمهور الذي نراه يرتاد تقليديا هذه التظاهرة؟ هل قامت وزارة الثقافة يوما من الأيام باستشارة علماء الاجتماع والنقاد وأهل الاختصاص و الجمهور حول أي فن نريد. فلنتوقف إذا على تحميل الجمهور مسؤولية خيارات لم يشارك في وضعها و لا شك أن الفن والسينما والمسرح تعبر عن اتجاهات الجمهور ولكن الدعم يساهم كذلك في الخيارات فعندما تقدم وزارة الدعم لنوع واحد من الفن وتحجب عنّا غيره فإنها تكون لاعبا بارزا في تحديد الفن السائد الذي هو ليس بالضرورة المطلوب. وهذا ما يجعلنا نفتح قوسا حول أسماء الفانيين التونسيين الذين تتم برمجتهم وحول المعايير المتبعة في اختيارهم وهو ذات الحديث والتشكيات التي نسمعها من قبل العديد من فنانينا حول الفوضى السائدة في الاختيارات إذا لم نقل السلوك المزاجي والشخصي في العملية كلها. اللغة العربية تتحدّى (الجزء الخامس) المولدي الشاوش في هذا الجزء الأخير، يستخلص الكاتب بأن الازدواجية في اللغة لا تؤدي المطلوب منها، ولا تخلق عباقرة، وإنما المطلوب اعتماد لغة واحدة في دراسة جميع المواد الممنهجة في التعليم. قال الدكتور عبد السلام المسدي معبّرا عن خيبته في هذا الخصوص:(ألا ترى كيف يتبنى أصحاب القرار في مسألة اللغة العربية خطابا رفيع الوعي، ثم يأتي سلوكهم في فجوة مفزعة بين الذي يقولون و الذي يصنعون ؟. فرح الناس يوم أقر وزراء الثقافة الخطة الشاملة للثقافة العربية *1985* بعد إعداد دام ستة أعوام. قالوا فيها: " إن التفريط في اللسان القومي تفريط في الهوية و كسر لهيكل تماسك المجتمع و وحدته " و أضافوا: " إن القوى الأجنبية تشجع العامية دراسة و دعما، و ثمّة دعوات مشبوهة تدعو لترك الفصحى و تدعو للتعليم بالعامية ". و يستطرد الدكتور قائلا: ( كيف نمسك بأساسيات اقتصاد المعرفة ؟ و مجتمعنا العربي هو المجتمع الوحيد بين سائر مجتمعات المعمورة – الذي يتخرج فيه التلميذ من التعليم الثاني، وهو عاجز عن تحرير صفحات تحريرا سليما : لا بلغته القومية و لا بلغة أجنبية- بم سيجيب ساستنا حين نذكّرهم -على وجه القطع و اليقين- بأن اللغة العربية قد كان لها من الوزن الإعتباري لدى كل فئات مجتمعاتنا أيام الإستعمار أضعاف ما لها منه بعد عقود من دولة الإستقلال ؟ أيها القارئ الأمين: هل لك أن تضم إلى صوتي صوتك،نرسلها صيحة تتلوها الزفرات: ألا أيها الجماهير: لتتقوا الله في لغتكم.ألا أيها القادة لتتقوا الله في شعوبكم ) عن مجلة دبي الثقافية العدد38 يوليو 2008 ص 77 فكفانا هذا الجري و السباق بأولادنا إلى اللغات الأخرى و دون رادع من ضمير و ذات و هوية، و حتى الدراسات التي قام بها علماء اللسانيات في العالم أثبتت بما لا مجال فيه للشك، أن الازدواجية في اللغة لا تؤدي المطلوب منها، و لا تخلق عباقرة جددا كما يأمل المشجعون لهذا الاتجاه الخاطئ، بل الأسلم هو اعتماد لغة واحدة في دراسة جميع المواد الممنهجة في التعليم و تعلم اللغات في أي مرحلة من مراحل التعليم هو حذق اللغة و القدرة على التصرف في قواعدها و ما فيها من رصيد ثقافي و معرفي باعتبار ذلك نافذة مفتوحة على الآخر نطل منها على عديد الحضارات و التجارب الإنسانية، فنستلهم الإيجابي و نترك السلبي لا أن نكرسها في دراسة العديد من المواد الهامة بالمدرسة و تبقى اللغة العربية هامشية عوض أن تكون محورية. و في ختام هذه المحاورة مع القراء، أو المقابسة كما يسميها أبو حيان التوحيدي، سوف لن أكون متشائما، بل متفائلا، و متحديا كل الحملات العدائية على لغتنا من هنا و هناك، إذ سوف لا تؤثر سلبا عليها، بل تزيدها صلابة و ثباتا و عمقا في ربوعنا اليوم و غدا، مادام بنوها القوميون الخلص معتزين بها، باعتبارها الحارس الأمين للذاكرة العربية الإسلامية عبر العصور. تونس الوطن