بعد حوالي أسبوع من عبور غواصة إسرائيلية من نوع دولفين (يقال إنها تحمل صواريخ نووية) قناة السويس وسط محاولة مصرية للإنكار لم تصمد طويلا ، عبرت مدمرتان إسرائيليتان ذات القناة في طريقهما إلى البحر الأحمر ، وهذه المرة في ظل محاولة من طرف وزير الخارجية المصري لتبرير الموقف في ظل صعوبة الإنكار. المدمرتان "إيلات" ، و"حانيت" ، وحمولة كل واحدة منهما ألف طن عبرتا قناة السويس وسط إجراءات أمنية مشددة طالت حتى الصيادين ، بل شملت إغلاق الطريق البري الموازي للمر البحري ووقف حركة عبارات الركاب. الأكثر إثارة في الموضوع كان يتمثل في تبرير وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط ، حيث ردّ الأمر إلى اتفاقيات الملاحة الخاصة بالقناة ، والتي تعنى فقط بما إذا كانت السفن المارة تهدد أمن دولة القناة نفسها أم لا ، إلى جانب اتفاقية كامب ديفيد بين مصر والدولة العبرية. بعيدا عن التبرير المثير وغير المقنع ، فإن الأمر ينطوي على بعدين اثنين أولهما المتعلق بالسياسة الخارجية المصرية التي تسجل انسجاما غير مسبوق مع الدوائر الأمريكية الإسرائيلية عشية نشاطات وتحركات تشي بإمكانية تمرير التوريث . أما البعد الثاني فيتعلق بالتنسيق المصري الأمريكي الإسرائيلي لمواجهة الملف الإيراني ، وهنا يتبدى التصعيد الظاهري في الملف بعد تصريحات نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن التي كانت صريحة في إعطاء الضوء الأخضر للإسرائيليين بالتحرك حسب الطريقة التي يرونها في مواجهة المشروع النووي الإيراني ، الأمر الذي حاولت دوائر أوباما التقليل من شأنه والتركيز على موضوع الحوار ، تارة برفض وضع سقف زمني له ، وتارة بالحديث عن أنه لن يكون إلى ما لا نهاية. من الصعب على أي مراقب الجزم بما إذا كان الإسرائيليون سيقومون بمهاجمة المواقع النووية الإيرانية ، ومتى سيحدث ذلك في حال توفر القرار ، فضلا عن الدور الأمريكي في ضربة من هذا النوع ، لكن ما يعنينا هنا هي المواقف العربية ، لاسيما المصرية والخليجية ، وحيث لا يمكن لأي أحد التشكيك في أن عبور المدمرتين وقبلهما الغواصة لم يكن بهدف القيام بجولة سياحية للفرق العسكرية العاملة على متنها ، وإنما استعراضا للقوة وتوجيه إنذار مباشر لإيران ، هذا في حال استبعدنا أن يكون التحرك في سياق الترتيب للضربة المشار إليها. هي من دون شك رسالة بالغة السوء لإيران ، ليس من طرف الأمريكان والإسرائيليين فحسب ، وإنما من الطرف العربي الذي لا مصلحة له في معركة من هذا النوع ، بل ربما تعود أسوأ تداعياتها عليه ، تحديدا على دول الخليج التي تقع في مرمى الصواريخ الإيرانية ، في حين تنتشر فيها مجموعات موالية لإيران يمكن أن تفعل الكثير إذا توفرت النوايا. أيا يكن الأمر ، فليس من مصلحة الوضع العربي الانسجام مع المعركة ، أقله على هذا النحو السافر ، لاسيما أن أوباما لم يقدم له أي شيء ، بخاصة في الملف الفلسطيني ، في حين يتزعم الدولة العبرية رجل مثل نتنياهو لم يجامل العرب ولو في الحد الأدنى الذي تقتضيه الدبلوماسية. الشيء الوحيد الذي قدمه لبعض العرب ، هو الوعد بعدم الضغط عليهم في ملف الديمقراطية والإصلاح ، وهو البعد الذي يعنيهم على أية حال ، فكيف إذا شفع بتمرير التوريث ، مع وعود بالتحرك لصالح تسوية للصراع العربي الإسرائيلي؟، هي مواقف تثير القهر ، إذ يجري تقديم الخطر الإيراني على الخطر الإسرائيلي الأمريكي ، ليس في سياق مواجهة الطموحات الإيرانية بشكل عملي كما كان ينبغي أن يحدث في العراق على سبيل المثال ، ولكن في سياق استهداف قوى المقاومة والتراجع أمام المطالب الأمريكية الإسرائيلية ، مع أن الأصل هو الحوار مع إيران وتركيا كجارتين مسلمتين تتوفر معهما الكثير من القواسم المشتركة ، بدل المساهمة في تحركات هدفها الأساسي تكريس الزعامة الإسرائيلية للمنطقة. الدستور التاريخ : 16-07-2009