ايداع 9 من عناصرها السجن.. تفكيك شبكة معقدة وخطيرة مختصة في تنظيم عمليات "الحرقة"    الرابطة الثانية (ج 7 ايابا)    قبل نهائي رابطة الأبطال..«كولر» يُحذّر من الترجي والأهلي يحشد الجمهور    أسير الفلسطيني يفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية    حادث مرور مروع ينهي حياة شاب وفتاة..    حالة الطقس لهذه الليلة..    أولا وأخيرا: لا تقرأ لا تكتب    افتتاح الدورة السابعة للأيام الرومانية بالجم تيسدروس    إيران تحظر بث مسلسل 'الحشاشين' المصري.. السبب    إنتخابات جامعة كرة القدم: إعادة النظر في قائمتي التلمساني وتقيّة    بسبب القمصان.. اتحاد الجزائر يرفض مواجهة نهضة بركان    البنك التونسي للتضامن يحدث خط تمويل بقيمة 10 مليون دينار لفائدة مربي الماشية [فيديو]    بين قصر هلال وبنّان: براكاج ورشق سيارات بالحجارة والحرس يُحدّد هوية المنحرفين    نابل: إقبال هام على خدمات قافلة صحية متعددة الاختصاصات بمركز الصحة الأساسية بالشريفات[فيديو]    الكشف عن مقترح إسرائيلي جديد لصفقة مع "حماس"    بطولة المانيا : ليفركوزن يتعادل مع شتوتغارت ويحافظ على سجله خاليا من الهزائم    تونس تترأس الجمعية الأفريقية للأمراض الجلدية والتناسلية    المعهد التونسي للقدرة التنافسية: تخصيص الدين لتمويل النمو هو وحده القادر على ضمان استدامة الدين العمومي    2024 اريانة: الدورة الرابعة لمهرجان المناهل التراثية بالمنيهلة من 1 إلى 4 ماي    مشروع المسلخ البلدي العصري بسليانة معطّل ...التفاصيل    عميد المحامين يدعو وزارة العدل إلى تفعيل إجراءات التقاضي الإلكتروني    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    بودربالة يجدد التأكيد على موقف تونس الثابث من القضية الفلسطينية    الكاف: قاعة الكوفيد ملقاة على الطريق    استغلال منظومة المواعيد عن بعد بين مستشفى قبلي ومستشفى الهادي شاكر بصفاقس    الدورة الثانية من "معرض بنزرت للفلاحة" تستقطب اكثر من 5 الاف زائر    تسجيل طلب كبير على الوجهة التونسية من السائح الأوروبي    بطولة مدريد للتنس : الكشف عن موعد مباراة أنس جابر و أوستابينكو    جمعية "ياسين" تنظم برنامجا ترفيهيا خلال العطلة الصيفية لفائدة 20 شابا من المصابين بطيف التوحد    جدل حول شراء أضحية العيد..منظمة إرشاد المستهلك توضح    تونس تحتل المرتبة الثانية عالميا في إنتاج زيت الزيتون    الأهلي يتقدم بطلب إلى السلطات المصرية بخصوص مباراة الترجي    كلاسيكو النجم والإفريقي: التشكيلتان المحتملتان    عاجل/ الرصد الجوي يحذر في نشرة خاصة..    اليوم.. انقطاع الكهرباء بهذه المناطق من البلاد    فضيحة/ تحقيق يهز صناعة المياه.. قوارير شركة شهيرة ملوثة "بالبراز"..!!    وزير السياحة: 80 رحلة بحرية نحو الوجهة التونسية ووفود 220 ألف سائح..    عاجل/ مذكرات توقيف دولية تطال نتنياهو وقيادات إسرائيلية..نقاش وقلق كبير..    ليبيا ضمن أخطر دول العالم لسنة 2024    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    بن عروس: انتفاع قرابة 200 شخص بالمحمدية بخدمات قافلة طبيّة متعددة الاختصاصات    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    الكاف: إصابة شخصيْن جرّاء انقلاب سيارة    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    السيناتورة الإيطالية ستيفانيا كراكسي تزور تونس الأسبوع القادم    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العلامة القرضاوي يفتي بجواز تسيير المظاهرات السلمية
نشر في الفجر نيوز يوم 06 - 02 - 2008

في أحدث فتاواه التي تمس حياة الأمة الاسلامية في كل مكان كانت الفتوى التي أصدرها فضيلته عن شرعية المظاهرات والمسيرات بعد ان اختلط القول فيها
بالحرمة من قبل بعض القائلين.. وكان ان تلقى فضيلة العلامة د. يوسف القرضاوي - رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين - استفساراً حول جواز تنظيم المظاهرات في الاسلام للتعبير عن معارضة قضايا ما في الشأن السياسي أو الاقتصادي.. قال السائل: ما رأي فضيلتكم فيما ذكره بعض العلماء من عدم مشروعية تسيير المسيرات والمظاهرات، تأييدا لمطالب مشروعة، أو تعبيرا عن رفض أشياء معينة في مجال السياسة، أو الاقتصاد، أو العلاقات الدولية، أو غيرها.وقال هذا العالم: إن تنظيم هذه المسيرات أو الدعوة إليها، أو المشاركة فيها حرام.ودليله على ذلك: أن هذه بدعة لم يعرفها المسلمون، وليست من طرائق المسلمين، وإنما هي مستوردة من بلاد اليهود والنصارى والشيوعيين وغيرهم من الكفرة والملحدين. وتحدّى هذا العالم من يأتيه بواقعة واحدة، سارت فيها مظاهرة كبيرة أو صغيرة، في عهد الرسول أو الصحابة. وإذا كانت هذه المسيرات تعبّر عن الاحتجاج على الحكومة، فهذا خروج على المنهج الاسلامي في إسداء النصيحة للحكام، والمعروف: أن الأولى في هذه النصيحة أن تكون بين الناصح والحاكم، ولا تكون على الملأ.على أن هذه المسيرات كثيرا ما يستغلّها المخرّبون، و يقومون بتدمير الممتلكات، وتخريب المنشآت. ولذا وجب منعها سدا للذرائع.
فهل هذا الكلام مسلّم من الوجهة الشرعية؟ وهل يسوغ للناس في أنحاء العالم: أن يسيروا المظاهرات للتعبير عن مطالبهم الخاصة أو العامة، وأن يؤثروا في الرأي العام من حولهم، وبالتالي يؤثِّرون على الحكام وأصحاب القرار، إلا المسلمين دون غيرهم، يحرم عليهم استعمال هذه الوسيلة التي أصبحت عالمية؟
وفي رده على السائل أفاد فضيلته قائلا:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه... أما بعد،
فمن حق المسلمين -كغيرهم من سائر البشر- أن يسيروا المسيرات وينشئوا المظاهرات، تعبيرا عن مطالبهم المشروعة، وتبليغا بحاجاتهم إلى أولي الأمر، وصنّاع القرار، بصوت مسموع لا يمكن تجاهله.فإن صوت الفرد قد لا يسمع، ولكن صوت المجموع أقوى من أن يتجاهل، وكلما تكاثر المتظاهرون، وكان معهم شخصيات لها وزنها: كان صوتهم أكثر اسماعا وأشد تأثيرا. لأن إرادة الجماعة أقوى من إرادة الفرد، والمرء ضعيف بمفرده قوي بجماعته. ولهذا قال تعالى: «وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى»، (المائدة: 2)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضا» وشبّك بين أصابعه.
دليل المشروعية
ودليل مشروعية هذه المسيرات: أنها من أمور (العادات) وشؤون الحياة المدنية، والأصل في هذه الأمور هو: الاباحة. وهذا ما قررته بأدلة - منذ ما يقرب من نصف قرن- في الباب الأول من كتاب: الحلال والحرام في الاسلام) الذي بين في المبدأ الأول أن القاعدة الأولى من هذا الباب: (أن الأصل في الأشياء الاباحة). وهذا هو القول الصحيح الذي اختاره جمهور الفقهاء والأصوليين. فلا حرام إلا ما جاء بنص صحيح الثبوت، صريح الدلالة على التحريم. أما ما كان ضعيفا في مسنده أو كان صحيح الثبوت، ولكن ليس صريح الدلالة على التحريم، فيبقى على أصل الاباحة، حتى لا نحرم ما أحل الله. ومن هنا ضاقت دائرة المحرمات في شريعة الاسلام ضيقا شديدا، واتسعت دائرة الحلال اتساعا بالغا. ذلك أن النصوص الصحيحة الصريحة التي جاءت بالتحريم قليلة جدا، وما لم يجئ نص بحله أو حرمته، فهو باق على أصل الاباحة، وفي دائرة العفو الالهي. وفي هذا ورد الحديث: «ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه عفو، فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسى شيئا»، وتلا: «وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا» (مريم: 64).
وعن سلمان الفارسي: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السمن والجبن والفراء فقال: «الحلال ما أحل الله في كتابه، والحرام ما حرّم الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفا لكم»، فلم يشأ عليه الصلاة والسلام أن يجيب السائلين عن هذه الجزئيات، بل أحالهم على قاعدة يرجعون إليها في معرفة الحلال والحرام، ويكفي أن يعرفوا ما حرم الله، فيكون كل ما عداه حلالا طيبا.
وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودا فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها».
الإباحة في الافعال والتصورات
وواصل العلامة القرضاوي اشاراته لاثبات الاباحة فقال: وأحب أن أنبه هنا على أن أصل الاباحة لا يقتصر على الأشياء والأعيان، بل يشمل الأفعال والتصرفات التي ليست من أمور العبادة، وهي التي نسميها: (العادات أو المعاملات) فالأصل فيها عدم التحريم وعدم التقييد إلا ما حرّمه الشارع وألزم به، وقوله تعالى: «وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ» (الأنعام:119 )، عام في الأشياء والأفعال. وهذا بخلاف العبادة فإنها من أمر الدين المحض الذي لا يؤخذ إلا عن طريق الوحي، وفيها جاء الحديث الصحيح: «من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد»، وذلك أن حقيقة الدين تتمثل في أمرين: ألا يُعبد إلا الله، وألا يُعبد إلا بما شرع، فمن ابتدع عبادة من عنده - كائنا من كان- فهي ضلالة ترد عليه، لأن الشارع وحده هو صاحب الحق في إنشاء العبادات التي يُتقرب بها إليه.وأما العادات أو المعاملات فليس الشارع منشئا لها، بل الناس هم الذين أنشأوها وتعاملوا بها، والشارع جاء مصححا لها ومعدلا ومهذبا، ومقرا في بعض الأحيان ما خلا عن الفساد والضرر منها.
القول بالبدعة مرفوض
ورأى فضيلته ان القول ببدعية المظاهرات مرفوض قال: والقول بأن هذه المسيرات (بدعة) لم تحدث في عهد رسول الله ولا أصحابه، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار: قول مرفوض؛ لأن هذا إنما يتحقق في أمر العبادة وفي الشأن الديني الخالص. فالأصل في أمور الدين (الاتباع) وفي أمور الدنيا (الابتداع)، ولهذا ابتكر الصحابة والتابعون لهم بإحسان: أمورا كثيرة لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.ومن ذلك ما يعرف ب (أوليات عمر) وهي الأشياء التي ابتدأها عمر رضي الله عنه، غير مسبوق إليها.مثل: إنشاء تاريخ خاص للمسلمين، وتمصير الأمصار، وتدوين الدواوين، واتخاذ دار للسجن، وغيرها. وبعد الصحابة أنشأ التابعون وتلاميذهم أمورا كثيرة، مثل: ضرب النقود الاسلامية، بدل اعتمادهم على دراهم الفرس، ودنانير الروم، وإنشاء نظام البريد، وتدوين العلوم وإنشاء علوم جديدة مثل: علم أصول الفقه، وعلوم النحو والصرف والبلاغة، وعلم اللغة، وغيرها. وأنشأ المسلمون (نظام الحسبة) ووضعوا له قواعد وأحكاما وآدابا، وألّفوا فيه كتبا شتّى.
خطأ منهجي
ولهذا كان من الخطأ المنهجي: أن يطلب دليل خاص على شرعية كل شأن من شؤون العادات، فحسبنا أنه لا يوجد نص مانع من الشرع.
ودعوى أن هذه المسيرات مقتبسة أو مستوردة من عند غير المسلمين: لا يثبت تحريما لهذا الأمر، ما دام هو في نفسه مباحا، ويراه المسلمون نافعا لهم. «فالحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق الناس بها».
وقد اقتبس المسلمون في عصر النبوة طريقة حفر الخندق حول المدينة، لتحصينها من غزو المشركين، وهي من طرق الفرس.
واتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم خاتما.حيث أشير عليه أن يفعل ذلك، فإن الملوك والأمراء في العالم، لا يقبلون كتابا إلا مختوما.
واقتبس الصحابة نظام الخراج من دولة الفرس العريقة في المدنية والتنظيم.
واقتبسوا كذلك تدوين الدواوين، من دولة الروم، لما لها من عراقة في ذلك.
وترجم المسلمون الكتب التي تتضمن (علوم الأوائل) أي الأمم المتقدمة، التي طورها المسلمون وهذبوها وأضافوا إليها، وابتكروا فيها مثل: (علم الجبر) بشهادة المنصفين من مؤرخي العلم. ولم يعترضوا إلا على (الجانب الالهي) في التراث اليوناني؛ لأن الله تعالى أغناهم بعقيدة الاسلام عن وثنية اليونان وما فيها من أساطير وأباطيل. ومن نظر إلى حياتنا المعاصرة في شتى المجالات: وجد فيها كثيرا جدا مما اقتبسناه من بلاد الغرب: في التعليم والاعلام والاقتصاد والادارة والسياسة وغيرها. ففكرة الدستور، والانتخابات بالصورة المعاصرة، وفصل السلطات، وإنشاء الصحافة والاذاعة والتلفزة، بوصفها أدوات للتعبير والتوجيه والترفيه، وإنجاز الشبكة الجبارة للمعلومات (الانترنت). والتعليم بمؤسساته وتقسيماته وترتيباته ومراحله وآلياته المعاصرة، مقتبس في معظمه من الغرب. والشيخ رفاعة الطهطاوي، حين ذهب إلى باريس إماما للبعثة المصرية، ورأى من ألوان المدنية ما رأى، بهرته الحضارة الحديثة، وعاد لينبه قومه إلى ضرورة الاقتباس مما سبق به الأوروبيون، حتى لا يظلوا يتقدمون ونحن نتأخر. ومن يومها بدأ المصريون، وبدأ معهم كثير من العرب، وقبلهم بدأ العثمانيون في اقتباس ما عند الغربيين. كل هذه مقتبسات من الغرب الذي تفوق علينا وسبقنا بها، ولم نجد بدا من أن نأخذها عنه، ولم تجد نكيرا من أحد من علماء الشرع ولا من غيرهم فأقرها العرف العام. وقد أخذ الغرب عنا من قبل واقتبس منا، وانتفع بعلومنا أوائل نهضته «وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ»، (آل عمران: 140). المهم أن نأخذ ما يلائم عقائدنا وقيمنا وشرائعنا، دون ما يناقضها أو ينقضها. فالناقل هو الذي يأخذ من غيره ما ينفعه لا ما يضره. وأهم ما يأخذه المسلم من غيره: ما كان متعلقا بشؤون الحياة المتطورة، وجله يتصل بالوسائل والآليات التي طابعها المرونة والتغير، لا بالأهداف والمبادئ التي طابعها الثبات والبقاء.
هل المظاهرات للشيوعيين فقط؟
ورد على من ينسب هذه المظاهرات للشيوعيين فقط قائلا: على أن ما ذكره السائل أو السائلون، من نسبة هذه المظاهرات أو المسيرات إلى الشيوعيين الملحدين: غير صحيح، فالأنظمة الشيوعية لا تسمح بهذه المسيرات إطلاقا؛ لأن هذه الأنظمة الشمولية القاهرة تقوم على كبت الحريات، وتكميم الأفواه، والخضوع المطلق لسلطان الحكم وجبروته.
قاعدتان مهمتان
وأود أن أقرر هنا قاعدتين في غاية الأهمية:
1- قاعدة المصلحة المرسلة:
الأولى هي: قاعدة المصلحة المرسلة، فهذه الممارسات التي لم ترد في العهد النبوي، ولم تعرف في العهد الراشدي، ولم يعرفها المسلمون في عصورهم الأولى، وإنما هي من مستحدثات هذا العصر: إنما تدخل في دائرة (المصلحة المرسلة) وهي التي لم يرد من الشرع دليل باعتبارها ولا بإلغائها.
وشرطها: ألا تكون من أمور العبادات حتى لا تدخل في البدعة، وأن تكون من جنس المصالح التي أقرها الشرع، والتي إذا عرضت على العقول، تلقتها بالقبول، وألا تعارض نصا شرعيا، ولا قاعدة شرعية. وجمهور فقهاء المسلمين يعتبرون المصلحة دليلا شرعيا يبنى عليها التشريع أو الفتوى أو القضاء، ومن قرأ كتب الفقه وجد مئات الأمثلة من الأحكام التي لا تعلل إلا بمطلق مصلحة تجلب، أو ضرر يدفع.وكان الصحابة - وهم أفقه الناس لهذه الشريعة- أكثر الناس استعمالا للمصلحة واستنادا إليها. وقد شاع أن الاستدلال بالمصلحة المرسلة خاص بمذهب المالكية، ولكن الامام شهاب الدين القرافي المالكي (684 ه) يقول - ردا على من نقلوا اختصاصها بالمالكي-:
(وإذا افتقدت المذاهب وجدتهم إذا قاسوا أو جمعوا أو فرقوا بين المسألتين، لا يطلبون شاهدا بالاعتبار لذلك المعنى الذي جمعوا أو فرقوا، بل يكتفون بمطلق المناسبة، وهذا هو المصلحة المرسلة، فهي حينئذ في جميع المذاهب).
2- للوسائل حكم المقاصد:
والقاعدة الثانية: هي أن للوسائل في شؤون العادات حكم المقاصد، فإذا كان المقصد مشروعا في هذه الأمور، فإن الوسائل إليه تأخذ حكمه، ولم تكن الوسيلة محرمة في ذاتها.
ولهذا حين ظهرت الوسائل الاعلامية الجديدة، مثل (التلفزيون) كثر سؤال الناس عنها: أهي حلال أم حرام؟.
وكان جواب أهل العلم: أن هذه الأشياء لا حكم لها في نفسها، وإنما حكمها بحسب ما تستعمل له من غايات ومقاصد. فإذا سألت عن حكم (البندقية) قلنا: إنها في يد المجاهد: عون على الجهاد ونصرة الحق ومقاومة الباطل، وهي في يد قاطع الطريق: عون على الجريمة والافساد في الأرض، وترويع الخلق.
وكذلك التلفزيون: من يستخدمه في معرفة الأخبار، ومتابعة البرامج النافعة ثقافيا وسياسيا واقتصاديا، بل والبرامج الترفيهية بشروط وضوابط معينة، فهذا لا شك في إباحته ومشروعيته، بل قد يتحول إلى قربة وعبادة بالنية الصالحة. بخلاف من يستخدمه للبحث عن الخلاعة والمجون وغيرها من الضلالات في الفكر والسلوك.
مقصد مشروع
وربط بين هذه القاعدة وبين المظاهرات قائلا: وكذلك هذه المسيرات والتظاهرات، إن كان خروجها لتحقيق مقصد مشروع، كأن تنادي بتحكيم الشريعة، أو بإطلاق سراح المعتقلين بغير تهمة حقيقية، أو بإيقاف المحاكمات العسكرية للمدنيين، أو بإلغاء حالة الطوارئ التي تعطي للحكام سلطات مطلقة. أو بتحقيق مطالب عامة للناس مثل: توفير الخبز أو الزيت أو السكر أو الدواء أو البنزين، أو غير ذلك من الأهداف التي لا شك في شرعيتها. فمثل هذا لا يرتاب فقيه في جوازه.
وأذكر أني كنت في سنة 1989م في الجزائر، وقد شكا إلي بعض الأخوات من طالبات الجامعة من الملتزمات والمتدينات، من مجموعة من النساء العلمانيات أقمن مسيرة من نحو خمسمائة امرأة، سارت في شوارع العاصمة، تطالب بمجموعة من المطالب تتعلق بالأسرة أو ما يسمى «قانون الأحوال الشخصية» مثل: منع الطلاق، أو تعدد الزوجات، أو طلب التسوية بين الذكر والأنثى في الميراث، أو إباحة تزوج المسلمة من غير المسلم، ونحو ذلك.فقلت للطالبات اللائي سألنني عن ذلك: الرد على هذه المسيرة العلمانية: أن تقود المسلمات الملتزمات مسيرة مضادة، من خمسمائة ألف امرأة! أي ضعف المسيرة الأولى ألف مرة! تنادي باحترام قواطع الشريعة الاسلامية. وفعلا بعد أشهر قليلة أقيمت مسيرة مليونية عامتها من النساء تؤيد الشريعة، وإن شارك فيها عدد محدود من الرجال. فهذه المسيرة - بحسب مقصدها- لا شك في شرعيتها، بخلاف المسيرة الأخرى المعارضة لأحكام الشريعة القطعية، لا يستطيع فقيه أن يفتي بجوازها.
سد الذرائع
أما ما قيل من منع المسيرات والتظاهرات السلمية، خشية أن يتخذها بعض المخربين أداة لتدمير الممتلكات والمنشآت، وتعكير الأمن، وإثارة القلاقل. فمن المعروف: أن قاعدة سد الذرائع لا يجوز التوسع فيها، حتى تكون وسيلة للحرمان من كثير من المصالح المعتبرة.
ويكفي أن نقول بجواز تسيير المسيرات إذا توافرت شروط معينة يترجح معها ضمان ألا تحدث التخريبات التي تحدث في بعض الأحيان. كأن تكون في حراسة الشرطة، أو أن يتعهد منظموها بأن يتولوا ضبطها بحيث لا يقع اضطراب أو إخلال بالأمن فيها، وأن يتحملوا المسؤولية عن ذلك. وهذا المعمول به في البلاد المتقدمة ماديا.
في السنّة دليل على شرعية المسيرات
أعتقد أن فيما سقناه من الأدلة والاعتبارات الشرعية، ما يكفي لاجازة المسيرات السلمية إذا كانت تعبر عن مطالب فئوية أو جماهيرية مشروعة.
وليس من الضروري أن يطلب دليل شرعي خاص على ذلك، مثل نص قرآني أو نبوي، أو واقعة حدثت في عهد النبوة أو الخلافة الراشدة.
ومع هذا، نتبرع بذكر واقعة دالة، حدثت في عهد النبوة، وذلك عندما أسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
تاريخ النشر:يوم الأربعاء ,6 فبراير 2008 12:12 أ.م.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.