ساستُنا قادتُنا.. إعلامُنا ومُجمل أقلامنا.. كم دقّوا على أسماعنا أجراس الحريه؟ كم شنّفوا أذهاننا بتقاسيم حقوق الإنسان وأنغام الديمقراطيه؟ كم قرعوا طبول القيم الجمهورية لإيهامنا أو محاولة إقناعنا، أنّنا نعيش في واحة ديمقراطيه ترشح مبادئ إنسانيه؟ واحهْ.. تغبطنا عليها بلدان عدّة.. صغرى وأغلبها كبرى .. واحهْ يؤمّها وفودٌ عديدهْ من مناح بعيدهْ، تكتنه تجربتنا الرائدة، وتستلهم سياستنا المتوازنة، وتستشفّ رؤيتنا النافذة. واحهْ... واحهْ قيل قلّدنا عليها أعلامٌ ليسوا منّا شهائد تقدير ودروعا ونياشين، فزهوْنا وانتشينا ونخينا. في خضمّ ما يُذاع من الجعجعة وما يُشاع في المعمعة، تُصادر الحرية وتُنتهك حقوقُ الإنسان، وتُهتك الأعراض والحرمات، باسم الدين أو باسم الوطن، باسم النظرة الثاقبة في مطاردة فلول الإرهاب وملاحقة كلّ صائد في الماء العطن. باسم دولة القانون والمؤسّسات تُهدم المساكنُ والمكاتب والمقرات، فتُتلف أدباش ومصالح ورياش، وتُبعثر أعشاش وتُقطع أرزاقٌ ولقيْماتٌ للعيْش.
الوقائعُ عدّهْ... الوقائعُ عدّهْ، مختلفة في النوع والقدم والجدّهْ، لكنّها أشباهٌ في القبضة والهول والشدهْ. أقوى برهان: حسبُنا حادثة واحدة لازالتْ ماثلة في الأذهان: منْ في تُونس لا يهتمّ من نشطاء حقوق الإنسان حين يذكرُها ومنْ لا يغتمّ؟ منْ منهم لا يذكرُ تلك المهزلة... مهزلة حقوق الإنسان؟ مأساة ذينك الأخوين رمزي وتوأمه ماهر التلميذين النجيبين، حُكم عليهما بتسعة وثلاثين بحساب الأعوام، وخمسة وثلاثين ومائتين وأربعة عشر ألفا بحساب الأيام. منْ لا يذكر ذات مساء في فضاء رابطة حقوق الإنسان تلك المكربة التي أبكت ناشطي حقوق الإنسان، وانفجرتْ أحزانٌ وارتعشتْ أبدان من وقْع المحْزنة وهوْل المظلمة؟
منْ لا يستحضرُ ذلك المشهد، حين انتصبتْ أمّ الأخوين التوأمين، عجوزٌ مُتهالكةٌ دامعةٌ متداعية، علّها الحزنُ ودوامُ الشجن، تروي قصتها مكدودة منهارهْ، تحكي غربتها في غمّتها مخدودة محتارهْ، تخشى الموت، تتمنّى لو يُسعفها ملك الموت علّها تحضُنُ طفليها، وتموتُ عندئذ هانئة راضية مرضيهْ، قد قرّتْ عيناها حين نالتْ غايتها في آخر مسعاها. بالله عليكم يا سادهْ.. بالله عليكم يا ساسهْ... بالشمس وأنوار الحق الوهاجهْ.. ما جرم الشبلين؟ ما الجُرم المرتكب؟ وماذا كان السبب كي يُدفن طفلان بين الجدران أزمانا.. ما يقرُب من نصف القرن؟ بالله عليكم يا قادهْ... بالله عليكم يا سادهْ... هل نحن في واحهْ؟ هل نحن في واحهْ، حين تكونُ حقوق الإنسان سليبهْ في ساحهْ؟ أم نحن في نفق، في ضيق، نرنو إلى رفع الغبْن قبل مغيب الشفق؟ ألم يأت الوقت لوْأد العنت وألوان الكمْت، وطيّ الماضي وقضايا المنع وسلوك الآتي لرأب الصّدع؟ أليس الأجدى والأنفع نهج الآتي؟ أليس الأجدى يا ساسهْ: التحرير الكامل لأسرى الرأي، والإقلاع العاجل عن كيل التهم وسيل الأحكام؟. أليس الأجدى يا سادهْ: التسريع بالعفو التشريعي الشامل لضمان صلح مجتمعي فعليّ يُنسي أهوال الماضي ويُعيد للناس الأمل الكافي، فيخوضوا بجدّ معترك الآتي؟. أليس الأنفع يا ساسهْ: الإنصاف والإسعاف للمتضرر والمفصول وإدماج الكلّ في البذل والإنتاج؟. أليس الأنفع يا سادهْ: الإعداد لمنافسة عادلة شفافة ونزيهة، دُون صُنوف التزييف وصُروف التحريف؟.
هذه ببساطهْ يا ساسهْ رؤيتُنا بصراحة للواحهْ، فمنْ منكُم في قادم الأيام من يسعى إلى تفريج الأوضاع في السّاحهْ ونبذ الظلم وكبح جماحهْ؟.