عبر السفير البريطاني الي الجزائر اندرو هندرسون عن دهشته لعدم وجود دعوات للحوار مع المجموعات التي ترتكب العمليات التفجيرية في الجزائر، مشيرا الي ان مثل هذه العمليات قتلت ما يزيد عن الالف شخص في عام 2007 وحده، وقد ارتكبها اشخاص تتراوح اعمارهم بين 15 و65 عاما. وكان هندرسون يتحدث في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر بعنوان الجزائر اليوم وغدا، والعلاقة مع بريطانيا نظمته جمعية الدراسات الجزائرية في بريطانيا بالاشتراك مع معهد تشاتهام هاوس في لندن امس الخميس. وسألت القدس العربي عما يقصده السفير هندرسون بالمجموعات التي ترتكب العمليات التفجيرية وعن رأي المتحدثين في الجلسة الصباحية بالنسبة لطرحه هذا، وخصوصا ان النائب غوردون مارسدن (من الحزب عمال الحاكم) الذي يترأس لجنة برلمانية اوروبية، اشار الي ان العمليات التفجيرية في الجزائر ترتبط بعمليات مماثلة في دول المغرب العربي الاخري ولا شك في انها مرتبطة بشكل او بآخر بسياسة (تنظيم) القاعدة بالتعامل مع دول المغرب العربي كمجموعة . ورد البروفسور هيو روبرتس، احد الاختصاصيين في شؤون دول شمال افريقيا، بقوله: اعتقد انه اذا اجري حوار مع مرتكبي العمليات التفجيرية في الجزائر، فاننا نتحدث عن حوار مع ما تبقي من الجماعة الاسلامية المسلحة (GIA) . وفي رد البرلماني الجزائري بوزيد الازهري علي السؤال نفسه قال: لا يمكن الحوار مع الارهابيين الذين يرتكبون العمليات التفجيرية، والتعامل مع هذه الجماعات يكون فقط بالوسائل العسكرية الامنية من جانب السلطات الامنية الجزائرية (..) هؤلاء ليسوا من ابناء الشعب الجزائري، واجندتهم ليست اجندة جزائرية مع ان الرئيس بوتفليقة فتح مجال الحوار مع معارضيه بواسطة تشريعات تشجع علي حدوث ذلك . اما النائب غوردون مارسدن، فقال بعد سماعه ردة فعل الازهري: أنا لست هنا لاقول للقياديين الجزائريين ما يجب عليهم فعله، ولكن في افغانستان مثلا يبدو ان الحل مع حركة طالبان يندرج في العثور علي مجموعات اقل تشددا من طالبان والبشتون والحوار معها. وربما من المفيد للحكومة الجزائرية محاولة العثور علي مجموعات مستعدة للتخلي عن العنف عن طريق سياسة الخطوة خطوة . ثم تدخل شخص جزائري من المشاركين وقال: لا توجد بالفعل مجموعات ترتكب العمليات التفجيرية العنيفة ضد المدنيين، وتكون في الوقت نفسه اكثر نعومة من مجموعات اخري، ومن الضروري التعامل مع المجموعات العنيفة بتثبيت الامن . ووفي رده علي سؤال ماذا سيحدث اذا توفي الرئيس بوتفليقة او ازيح من منصبه؟ تحدث هيو روبرتس عن استمرار نفوذ مجموعات عسكرية فاعلة في السلطة الجزائرية وعجز الرئيس بوتفليقة عن فرض مؤسسة الرئاسة كمؤسسة اساسية للسلطة في الجزائر. واكد روبرتس ان الجنرالات في الجزائر ما زالت لهم كلمتهم في السلطة ، وقال ان بعض هؤلاء الجنرالات لم يشاركوا حتي في الثورة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي، ولا يحظون بأي شرعية شعبية . واشار الي انه من الواقعي الاعتراف بان الهيكلية والبنية التحتية لصناعة النفط في الجزائر، والمؤسسات النفطية في البلد، لم تتعرض لهجمات ارهابية في التسعينات . واضاف: لست متأكدا بان هذا التوجه قد تم التخلي عنه كليا من جانب المجموعات التفجيرية، فقد حدث هجوم مؤخرا علي قافلة مرتبطة بصناعة النفط، ولكن حادثة واحدة ليست كافية لتأكيد تبدل السياسة. وسأستغرب وقوع حوادث مماثلة في المستقبل ضد العاملين في القطاع النفطي في الجزائر . يذكر ان المؤتمر موّلته من جانب شركة بريتيش بتروليوم (BP) الناشطة في الجزائر ومصرف (HSBC). دولة معقدة سياسيا وكان آلان مونرو، السفير البريطاني السابق في الجزائر وفي السعودية، ومسؤول الشرق الاوسط السابق في وزارة الخارجية البريطانية افتتح المؤتمر بالقول ان الجزائر دولة معقدة سياسيا ، ولكنها غنية بالهيدروكاربونات (البترول ومشتقاته) وهي تنطلق للخروج من حالة عدم الاستقرار التي مرت فيها في العقود الماضية . واضاف ان بريطانيا مهتمة جدا بمستقبل الجزائر، ولديها حصة هامة في صناعة الهيدروكاربونات في الجزائر . ونوه السفير البريطاني في الجزائر اندرو هندرسون بصلابة الجزائريين، فيما وجه السفير الجزائري في بريطانيا محمد الصالح دمبري رسالة مكتوبة قرأتها مستشارته ليندا بريزا (بسبب اضطراره للسفر الي الجزائر) عبر فيها عن سعادته لتطور العلاقة البريطانية الجزائرية علي شتي الاصعدة، وبالنسبة للاتفاقات الجزائرية مع المجموعة الاوروبية . وقال ان السياسة الهادئة للحكومة الجزائرية ساهمت في نشر السلام والوئام في الجزائر، والسماح بالتعددية فيها وبانفتاح اسواقها للاقتصاد الحر . ونوه بالاتفاقات التي وقعها الرئيس بوتفليقة (في عام 2007 لدي زيارته للمملكة المتحدة). واكد دمبري ان الجزائر ستتجه نحو تحديث نظامها القانوني والعدلي والمصرفي للمزيد من التشجيع لجذب الاستثمارات الخارجية الي البلد . كما نوه بدور شركة بريتش بتروليوم (BP) التنموي المفيد للجزائر، ودعا الشركات العالمية الي الاستثمار في البلد. يبقي ان هيو روبرتس نصح القيادة الجزائرية في مداخلته، بان تعتمد علي نفسها وليس علي نصائح الاخرين وعلي النماذج التي يطرحونها لعملية التطور والنمو في بلادهم. وخص في هذا المجال النصائح الفرنسية. كما نصح الجزائر وقيادتها بمعالجة مشاكلها الداخلية بنفسها، وحسب حكمتها وتقييمها، وعدم الاعتماد علي نصائح خارجية، مؤكدا انها اذا لم تفعل ذلك ستفرض عليها اجندات خصومها واعدائها . واوضح ان مشكلة الدولة الجزائرية هي اساسا مع نفسها وان ما نراه في الظاهر بالنسبة للسلطة الجزائرية ليس ما هو الموجود بالفعل وراء الكواليس وفي خفايا الامور . وقال علي الرئيس بوتفليقة تعزيز وتقوية مؤسسة الرئاسة ودورها في القيادة، اذ لا يكفي تعزيز سلطة الرئيس بشخص بوتفليقة بل يجب ان تصبح مؤسسة الرئاسة الممثلة الفعلية للشعب، وليس الممثلة فقط للرئيس بوتفليقة . واكد النائب مارسدن ارتباط نجاح الجزائر الاقتصادي والسياسي بالنجاح في عملية التوصل الي سلام عادل في الشرق الاوسط. فهذا السلام، من وجهة نظره، سيعزز قوة التعاون الاوروبي المتوسطي، وسيقوي دور اوروبا في الشرق الاوسط وشمال افريقيا عموما.