غزة : تحولت الأنفاق التي يستخدمها الفلسطينيون لتهريب البضائع من مصر إلى غزة إلى مقابر للعاملين فيها الذين يجدون فيها الوسيلة الوحيدة لتأمين احتياجاتهم في ظل الحصار الإسرائيلي المحكم على القطاع. وقال الشاب محمد الذي لم يتجاوز ال18 من العمر: «أعمل في الأنفاق لأن والدي عاطل عن العمل... لأعيل أسرتنا المكونة من 9 أفراد».وأضاف محمد: «لذلك أقوم بهذا العمل الخطر ولم أجد بديلا». وقد بدأ محمد العمل في الأنفاق منذ 6 أشهر لقاء أجر يومي يبلغ 100 شيكل (حوالي 25 دولارا). وقال إن «الأنفاق أصبحت كالقبور لنا... أعمل في كل الأوقات ليلا ونهارا من دون أية وسائل حماية ولا تأمين»، مضيفا «لكن إذا قضيت في النفق فهذا أفضل من أن أموت جوعا». وصرح الطبيب معاوية حسنين مدير عام الإسعاف والطوارئ «ندق ناقوس الخطر بسبب ارتفاع عدد ضحايا الأنفاق الذي وصل إلى أكثر من 110 قتلى فلسطينيين وأكثر من 300 جريح منذ سيطرة حماس على غزة في يونيو 2007. وأضاف حسنين «لا تمر 12 ساعة إلا وهناك ضحية أو أكثر. هناك ازدياد ملحوظ في عدد ضحايا الأنفاق بسبب مخاطر العمل في هذه المهنة القاتلة التي لجأ إليها الفلسطينيون مؤخرا لكسر الحصار». وأكد محمد أن صديقه «تُوفي منذ أيام بعد أن انهار النفق عليه ولم يتم العثور على جثته إلا بعد يومين». من جهته، قال إيهاب الغصين المتحدث باسم وزارة الداخلية في الحكومة المقالة في غزة: «من يتحمل مسؤولية ارتفاع ضحايا الأنفاق؟ هم الذين يحاصرون قطاع غزة منذ أكثر من 3 سنوات». وأضاف «نعتبر أن الأنفاق ظاهرة غير شرعية لكن في ظل حالة الحصار التي يعيشها الشعب الفلسطيني فمن حق الشعب الفلسطيني الابتداع لتخفيف الحصار». وأشار إلى أن محاربة الأنفاق مستمرة «من قِبَل جهات متعددة، أكان من قبل الطائرات الإسرائيلية أم من قِبَل الجانب المصري» مؤكداً أن «هذه الظاهرة في حال فك الحصار تصبح غير قانونية». وقال أبو سامي (45 عاما) وهو تاجر من رفح إن «هناك اتفاقا بين أصحاب الأنفاق ولجنة من الحكومة المقالة يقضي بدفع 7 آلاف دولار لعائلة الأعزب الذي يموت في النفق، و10 آلاف دولار لعائلة المتزوج، مع دفع نفقات بيت العزاء». وعزا أبو سامي ارتفاع عدد الضحايا في الآونة الأخيرة إلى ازدياد عدد الأنفاق التي تكون أحيانا فوق بعضها ومحصورة في منطقة ضيقة عند بوابة صلاح الدين وسط رفح. وقدر هذا التاجر عدد الأنفاق «بحوالي ألف وهي موجودة على الحدود مع مصر لا تعمل جميعها بل حوالي 300 منها فقط»، مؤكداً أن «تجارة الأنفاق تحولت إلى تجارة الموت ولا يوجد بديل عنها». من جهته، قال حمدي شقورة من المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان إن الأرقام المتعلقة بضحايا الأنفاق «مخيفة والأنفاق غير قانونية وغير شرعية». لكنه رأى أيضاً أن «ما أفسح المجال لمثل هذه التجارة غير القانونية هو الحصار المفروض والعقاب الجماعي المفروض على المدنيين في غزة». وقال شقورة إن «البطالة والحاجة دفعتا المئات وبينهم أطفال إلى الانخراط في هذا العمل لتحصيل قوتهم اليومي أمام الفقر المدقع المتفشي في قطاع غزة». ودعا شقورة إلى «وقف الحصار؛ لأنه يشكل انتهاكا للحق في الحياة» مضيفا أن «عدد الأشخاص الذين يقتلون في الأنفاق يفوق عدد الأشخاص الذين يقتلون بأية وسيلة أخرى أو حتى على يد قوات الاحتلال». وأضاف «منذ انتهاء الحرب على غزة وحتى الآن فاق عدد الأشخاص الذين قتلوا في الأنفاق عدد الذين قتلوا على أيدي قوات الاحتلال وهذا غير مقبول». ومن بين هؤلاء الذين يعملون في الأنفاق سلامة قشطة (19 عاما) من رفح الذي توفي شقيقه السبت الماضي مع 6 آخرين. وقال إن «أخي طارق (18 عاما) تُوفي في أحد الأنفاق عندما انهار عليه هو و6 آخرون». وأضاف: «بسبب الوضع المتردي اضطررت أنا وطارق للعمل في الأنفاق ووالدي عاطل عن العمل». وتحدث معاوية حسنين عن جانب آخر لاستخدام هذه الأنفاق. وقال «لقد تحولت الأنفاق أيضاً إلى تجارة للممنوعات»، مشيراً إلى أن «كثيرا من الأدوية الممنوعة والمخالفة للقانون والممنوع بيعها تدخل عبر الأنفاق إلى غزة من دون رقابة». وأكد ضرورة «وجود رقابة» على هذه الأنفاق. وتنتشر مئات الأنفاق على الشريط الحدودي بين شطري مدينة رفح الفلسطيني والمصري؛ حيث تستخدم خصوصا لتهريب البضائع والمواد الغذائية والوقود منذ فرض إسرائيل حصارها على القطاع صيف 2006 بعد خطف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط. وتؤكد إسرائيل أنها دمرت عشرات الأنفاق خلال هجومها على قطاع غزة بين ديسمبر 2008 ويناير 2009 والذي أسفر عن مقتل أكثر من 1400 فلسطيني. AFP