الحماية المدنية: 568 تدخلا منها 142 لإطفاء حرائق خلال ال24 ساعة الماضية    أضرار كبيرة تطال الزياتين والأشجار المثمرة في هذه الولاية بسبب "التبروري" والرياح العاتية..    زغوان: رفع 163 مخالفة اقتصادية خلال شهر جويلية المنقضي    رئيس اللجنة الوطنية الأولمبية التونسية "محرز بوصيان" يستقبل البطل العالمي "أحمد الجوادي"    وزير الشباب والرياضة يُكرّم الجمعيات الرياضية الصاعدة ويؤكد على دعمها    وليد الصالحي يمتع جمهور باجة الدولي    مهرجان سيدي بومخلوف الدولي : "الكاف تغني صليحة" عرض رائع امتع الحضور    عاجل/ حالات موت مسترابة داخل السجون: رابطة الدفاع عن حقوق الانسان تفجرها وتطالب..    عاجل/ حادث مرور مروع بهذه الطريق..وهذه حصيلة القتلى والجرحى..    انفجار يخت سياحي وتسجيل اصابات في صفوف المصطافين..وهذه التفاصيل..#خبر_عاجل    خزندار: القبض على عنصر مصنف خطير محل تفتيش ومحكوم بالسجن    حي هلال: 30 سنة سجنًا لقاتل شاب بسيف في الطريق العام    الصولد يبدأ الخميس هذا... والتخفيضات توصل ل 20%    عاجل/ اضراب جديد بيومين في وسائل النقل: نائب بالبرلمان يوجه هذه الرسالة لأعوان النقل والجامعة العامة..    دبور يرشد العلماء ل"سرّ" إبطاء الشيخوخة..ما القصة..؟!    شنوّا يلزمك باش تاخذ قرض من بنك في تونس؟    مسؤول يوضح: ''لا اختراق شامل لمنظومة التوجيه... والتحقيق متواصل''    عاجل: وفاة فنان مصري مشهور داخل دار المسنين بعد صراع مع المرض    عاجل- في بالك اليوم أقصر نهار في التاريخ ...معلومات متفوتهاش    السنة الدراسية على الابواب : معلومات مهمّة لازم يعرفها المعلم و التلميذ    تأكلها يوميًا دون أن تعلم: أطعمة تقلل خطر السرطان ب60%    تُعطّس برشا ومكش مريض؟ هاو علاش!    التراث والوعي التاريخيّ    تواصل فعاليات الإقامة الفنية لمشروع"دا دا" للفنان محمد الهادي عقربي إلى غاية يوم 6 أوت الجاري    الكراكة تحتفل بخمسين عامًا من المسرح... والمهرجان ينبض بالحياة من جديد    تونس تحتضن المعرض الافريقي للتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والمؤسسات الناشئة من 9 إلى 11 سبتمبر القادم    عاجل/ السجن لتيكتوكور بتهمة نشر محتوى "مخل بالآداب العامة"    جامع الزيتونة ضمن سجلّ الألكسو للتراث المعماري والعمراني العربي    تثمين الموقع الأثري بطينة: تعاون علمي تونسي فرنسي وجهود ترميم متقدمة    هام/ وزارة الدفاع تنتدب..    استشهاد 28 طفلا يوميا بسبب الجوع في غزة..#خبر_عاجل    عاجل : ثورة رقمية في زرع الأعضاء: تونس تتحرك لإنقاذ الأرواح ...تفاصيل    دعوى قضائية تطالب بحجب "تيك توك" في مصر    زفيريف ينتفض ليُطيح بحامل اللقب بوبيرين من بطولة كندا المفتوحة للتنس    موجة حرّ كبيرة في شرق المتوسط جاية بسبب القبة الحرارية...هل تونس معنية؟    شنيا الحكاية؟ باحث أمريكي يحذّر من خطر زلزال يهدد تونس والبلدان اللي بجنبها    ولاية تونس: اللجنة الجهوية للنظافة توصي بضبط رزنامة وبرنامج عمل للقضاء على النقاط السوداء    صور أطفالكم على الفيسبوك ؟ شوف القانون شنوا يقول    بارفان ب5 د و على الطريق ؟ رد بالك تضر صحتك و هذا شنوا يستنى فيك    بنزرت/ حجز 5,45 طن من مادة الدلاع وإعادة ضخها في المسالك القانونية..    ديوكوفيتش يعلن انسحابه من بطولة سينسيناتي الأمريكية للتنس    فنان الراب العالمي بلطي يروي قصص الجيل الجديد على ركح مهرجان الحمامات    الثلاثاء: البحر مضطرب بهذه السواحل    عاجل: زلزال بقوة 5.7 درجات يضرب هذه البلاد    واشنطن تدين قرار وضع الرئيس البرازيلي السابق قيد الإقامة الجبرية    قناة السويس ترد على طلب ترامب بشأن المرور المجاني للسفن الأمريكية    حملات لوحدات الشرطة البلدية تسفر عن القيام ب 54 عملية حجز    قيس سعيّد: التعليم الوطني هو السلاح الحقيقي للتحرّر    اكتشاف علاج واعد لأحد أخطر أنواع سرطان الدم    تاريخ الخيانات السياسية (36) ..المعتزّ يقتل المستعين بعد الأمان    المدير الجهوي للتجارة بنابل ل«الشرق» استقرار في التزويد.. وجهود لضبط الأسعار    النجم الساحلي يتعاقد مع الظهير الايسر ناجح الفرجاني    أمطار وبَرَدْ دمّرت الموسم: الزيتون والفزدق والتفاح شنيا صار؟!    عاجل: بلاغ ناري من باردو بعد السوبر...كفى من المهازل التحكيمية    أحمد الجوادي قصة نجاح ملهمة تشق طريق المجد    إصابة عضلية تبعد ميسي عن الملاعب ومدة غيابه غير محددة    تاريخ الخيانات السياسية (35): المنتصر يقتل والده المتوكّل    اعلام من باجة...سيدي بوسعيد الباجي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليَمنُ.. الدِّينُ في مَعركَةِ السِّياسَةِ!!
نشر في الفجر نيوز يوم 05 - 08 - 2009

المتأمِّلُ في مساراتِ الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد وتطوراتها المتسارعة يدرك جيدًا مدى الإرباك والحيرة التي يعيشها النظام السياسي الحاكم ، فضلًا عن حالة الإفلاس والضبابيَّة التي يعانيها صانع قراره السياسي الذي بات يعاني شللًا تامًّا أفقده إرادتَه السياسية لانتشاله مما هو فيه من وضع هو أشبه بحالة الاحتضار ومنازعة الأنفاس الأخيرة.
فقدان كل أوراق اللعبة السياسية التي أُحرِقت على مدى ثلاثةِ عقودٍ من اللعب – الرقص على رءوس الثعابين على حد التعبير المحبب لدى النظام - استُنفذَت خلالَها كلُّ مغريات اللعبة "المال والمنصب" فضلًا عن تحطيم بل وتدمير كلِّ قواعد هذه اللعبة واستبدال قواعدها بمعايير هي أقربُ إلى الانتهازيَّة منها إلى قواعدِ لعبةِ السياسة.
فالتحالف الأخير غير المعلن بين النظام وبعض الجماعات والشخصيات السلفيَّة التي يراد منه توظيفها في معركة سياسية خالصة تصُبُّ في خانة كسب مزيدٍ من الوقت لنظام يتداعى لَحظِيًّا من الداخل والخارج بشكلٍ متسارعٍ فَقَدَ عندَه أيَّ قدرة على السيطرة واستعادة الأنفاسِ.
فالمتابع للخطاب السلفيِّ اليومَ يدرك جيِّدًا المصير المحتوم الذي سَيَئُول إليه هذا التحالف الذي يمكننا القولُ إنه ولد ميِّتًا في لحظته الأولى لأسباب عدة من جملتها مدى التباين والاختلاف، فضلًا عن الانقسام والتَّشَظِّي والصراع الذي تعيشه هذه الجماعات المنشغلة عما يدور اليومَ من أحداث بأحداث ، ووقائع صِفِّينَ والجملِ وجدليات واصل بن عطاء وأبي الحسن الأشعري السياسية التي يحفظونها في متون العقائد.
بَيْدَ أنه لم يعد اليوم كل السلفيين بمنأًى عن لعبة السياسة فهناك من يدرك جيدًا أن مرحلة استخدام الدين في لعبة السياسة لم تعد اليوم مستساغةً بعد حادثة التحكيم بين عليٍّ ومعاويةَ وأن متقمِّصي دور أبي موسى الأشعري لم يعودوا غير طالبي نفوذ وطلاب مصالح برأس مال الفتوى وكوارثها التي لم تنته.
عكس الاتجاه
مثل هذا الفهم السلفي الواعي هو الذي بدأ يتشكل ويدرك خطورة تجَّار الفتوى الجُدُد الذين جاءوا في الوقت بدل الضائع، فما سطَّرَه قلم الأستاذ عبدالعزيز باعلوي في مجلة المنتدى السلفيَّة في عددها الأخير لا شك مؤشر واضح لمرحلة جديدة في فكر السلفيين والجماعات السلفية ؛ لخروجه عن هوامش الشرح السلفي إلى متن النص والواقع.
ففي مقاله ذلك في العدد 119 في الصفحة رقم 38 من مجلة المنتدى والمعنون ب "العلماء والقضية الجنوبية" الذي افتتحه بالآية القرآنية "لَا يُحِبُّ اللَّهُ الجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ القَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ" فَجَّر باعلوي قنبلة مُدَوِّيَةً من الأفكار والرؤى تُعَدُّ خروجًا عن سطوة الإجماع السلفي بأسلوب هو أقرب إلى أسلوب الثورة الفكرية في تحرير النصوص من مختطِفيها ومحتكِريها.
فقد ابتدأ مقاله بقوله :"الوحدة مطلب شرعي وفريضة ثابتة ، لكنَّ الوحدةَ التي أساسُها الإسلام قائمة على رابطة الأخوة الإيمانية والمودة والتآلف بين أفراد المجتمع المسلم. منتقلا إلى القول: إن أساس الوحدة في الإسلام ألفة القلوب ،وهي نتيجة حتمية لمعنى الوحدة الإسلامية ،فهي اجتماع قائم على الالتزام المجمل بالإسلام والرضا بشريعته وموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه".
وبالإجمال فإن جملة الأفكار التي تضمَّنها المقال هي في حد ذاتها ثورة فكرية وسياسية ودينية في الفكر السلفي على الأقل ،فضلًا عن كونها صيْحَةَ نَذيرٍ وإنذارًا لخطورة التمادي في مسايرة الموجة التي يُعوِّل عليها النظام العاجز عن حَلِّ ما صنعت يداه من فساد وإفساد قتلت به الوحدة وشوَّهت معناها الجميلَ في أذهان الناس وأحلامِهم .
فانطلاقُ باعلوي نحو تصحيح مفاهيم عدَّها خاطئة في تصوير هذه الوحدة لدى الناس من قبيل القول إن الوحدة أو الموت هو الخيار الأوحد قائلًا إن الوحدة والحياة -وليس الوحدة أو الموت ؛لأن الوحدة السياسية القائمة على التسلط والاستبداد والمُعَمَّدَةَ بالدَّمِ هي وحدةٌ لن يكتبَ لها البقاءُ والدوام .
ومن خلال هذا المقال والغوص في ثناياه يُلاحَظُ فيه قدرٌ عَالٍ من الطرح السياسي المنطقي والمعقول الأقرب إلى مقاصد الدين ومقتضى الشرع ، في صيغةٍ غاية في التأدُّب والرزانة ؛فتجده يشير إلى القول أن "آليات تحقيق الوحدة السياسية وإدارة الدولة ليس فيها تشريع محدد ،وإنما ذلك متروك لظروف الزمان والمكان وواقع الحال ،وبما يحقق المصلحة المرجوة فقد نحتاج إلى تقسيم البلد إلى وحدات إدارية تسمى مخاليف أو إمارات أو أقاليم أو ولايات ،وفي عصرنا نماذجُ كثيرة لوحدة الشعوب على شكل من هذه الأشكال أو ما يسمى بالفيدرالية وغير ذلك من صور وأشكال الوحدة السياسية".
اللعبة المكشوفة
المؤتمر السلفي العام الذي عُقِد في مايو الماضي من قِبَلِ جمعية الحِكمَة اليمنيّة- والذي قاطعه سياسيًّا فصيلُ الإحسانِ والمقبولون دينيًا وعقديًا ، وعدد من سلفيي الجنوب كالشيخ ابن شعيب الحضرمي- مؤتمرٌ دافع فيه الشيخ عارف أنور مدير فرع جمعية الحكمة في عدن بمرارة ،مقسمًا بالله لمن حضر من سلفيي الجنوب عدم تدخل السلطة وإيعازها للحكمة لعقد هذا المؤتمر، بعد أن قيل خلال المؤتمر وتسرب على نحو كبير القولُ بدعوة السلطة لعقد هذا المؤتمر.
الحديث عن تحالف النظام مع جماعات وشخصيات سلفية، والذي يرى البعض أنه من قبيل السعي إلى إيجاد بديل للمعارضة وخاصة الإصلاح حليف الرئيس السابق في حرب صيف 1994م، والذي يؤكد مثلَ هذا المنحى بعضُ المعلومات المتداولة عن اجتماعٍ ضَمَّ الرئيس بقياداتٍ سلفيَّة متخاصمة في سبيل رأب الصدع فيما بينها وتوحيدها لتقفَ إلى جانب النظام فيما يُعضِلُه من كوارث عسكرية في الجنوب الملتهب ،كل هذا يصُبُّ في خانة انسداد أفق النظام في إيجاد مخرج مما أوقع نفسَه فيه .
لكنَّ الإشكالَ الذي يجهله النظام ويجهله الجميع هو أن مثل هذه الجماعات -على كثرتها - هي جماعات نخبوية وقليلة الأنصار والعدد والعدة وعديمة التأثير في الشارع العام، لحالة الخصومة بينها وبين هذا الشارع الذي لا يطيق تشدُّدَها الذي حجَّمَ انتشارَها ورواجَ أفكارِها.
وبالتالي فإن التعويل على حليف بهذا الشكل لا يُجدي نفعًا في معركة معقدة ومتداخلة ينظر لها ويقودها دينيًا سلفيو الجنوب ، أولئك الذين يقفون في الصفوف الأمامية في قيادة الحراك الجنوبي ،فضلًا عن أن هناك فصائلَ سلفيةً كبرى كالإحسان مثلًا ممتنعة في الدخول في حظيرة الطاعة للنظام الذي يريد من السلفيين أن يكونوا "كبشَ فداءٍ" لصالح مجموعة من مقربي النظام وأركانه.
تجاربُ الأمسِ شاهدةٌ
في حرب صيف 1994م كان مقاتلو الجهاد أو ما اصطلح على تسميتهم بالأفغان العرب في مقدمة صفوف المعركة ضد الاشتراكيين ،وبعد الحرب أصبحوا من كبار الضباط والمقربين من النظام وأصحاب الحظوة بالمناصب والرتب والأموال، هؤلاء هم اليوم من يقود بعضهم الحراك –لشيء في نفس يعقوب– ومنهم أيضا من يقاتل في صفوف القاعدة، وهم الذين كانوا بالأمس حلفاء وأصحابَ حظوة لدى هذا النظام.
الحروب الخمسة المدمرة في محافظة صعدة لا يختلف اثنان اليوم في كونها نتاج سياسة السلطة والنظام الحاكم الذي اتَّخذ من الأوراق الدينية والمذهبية سلاحًا أخرق لحسم معارك السياسة مع خصومها ،وهو ما أدى إلى نتائج كارثية عكسية ضد هذا النظام الذي يكاد اليوم يكرّر نفس تجارب الإخفاق السابقة مع الحوثيين ، "لكنها هذه المرة مع السلفيين".
الاستمرار في تكرار الأخطاء هي السمة الغالبة في حالة هذا النظام ، الذي ربما فقد توازنه واختلَّت معادلة البقاء لديه ليكرر اليوم نفس أخطاء الأمس ،غير مدركٍ لهول الأخطار والأزمات التي تعصف بالوطن المنهك بالأزمات أصلًا.
ويجب على النظام إدراك أن ما حدث في 1994م من اصطفافٍ جماهيري وعلمي لن يتكررَ اليومَ بعد انكشافِ عَورَتِهِ ، الذي جعل من منجزات الوحدة الجماهيرية والشعبية مكسبًا شخصيًا عائليًّا بحتًا، فضلًا عن أن اليوم غَدَا لأصحاب الجنوب علماءُ وفقهاءُ ينظرون لمعركة الحقوق والحرِّيَّات استعادةً للكرامةِ المسلوبةِ.
اللعب بتناقضات المذاهب لعبٌ بالنار التي لا تحرق غير لاعبها ،وتجْرِبَةُ الرئيس المصري مُحمَّد أنور السَّادات خيرُ شاهدٍ ودليل إنْ لَمْ تكفِ حروبُ صعدة المستمرةُ دليلًا لذلك.

الاسلام اليوم
الاربعاء 14 شعبان 1430 الموافق 05 أغسطس 2009


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.