نواكشوط:تميزت التشكيلة الحكومية الجديدة في موريتانيا بمفاجآت عدة، إذ خلت من أي تمثيل للمعارضة، ودخلتها وجوه جديدة تماماً تستوزر للمرة الأولى بنسبة الثلثين، ولم تتضمن أياً من الأشخاص الذين يرمزون للفساد، كما أن من بينها كفاءات عالية بالفعل، وارتفع تمثيل المرأة للمرة الأولى إلى 6 وزيرات، وتمت تسمية الناهة بنت مكناس كريمة اشهر وزير خارجية سابق في المنصب نفسه لتكون بذلك أول وزيرة خارجية في الوطن العربي. أن تكون موريتانيا، بلد “الكتاتيب”، أول دولة عربية تسند حقيبة الخارجية لامرأة وقبل ذلك رشحت امرأة للرئاسة، ثم فرضت نسبة “كوتا” للنساء في المجالس الانتخابية، وتدخل نساؤها الحكومة بأعداد تزيد على “الأربع”، فتلك حكاية يعود فيها الفضل للدور الذي تلعبه المرأة الموريتانية على المستوى الاجتماعي، فهي ليست “آلة إنجاب” بقدر ما هي آلة تنموية فرضت نفسها منذ قرون حين بدأ الموريتانيون يشكلون جامعاتهم البدوية على ظهور العيس. يفاجأ الأجنبي الزائر لبلد “اللوح” و”الدواة” وهو يلج المكاتب الحكومية بهذا الكم الهائل من النساء اللواتي يعملن في مختلف الوظائف جنبا إلى جنب مع “السيد” الذي صار في مكاتب كثيرة تابعاً. في البداية أنتجت المرأة جميع مقتنيات البيت التقليدي الموريتاني، وعملت في الحرث، والطب، والتدريس، لكن في البداية المبكرة أيضا لعبت دورا سياسيا حتى في ظل حركة المرابطين، الحركة الدينية الأشهر في تاريخ البلاد والمنطقة. وسرعان ما كانت دولة الاستقلال (1960) لها ما تقدمه للمرأة التي ولجت المدارس الحديثة وتقلدت الوظائف المتوسطة خاصة في الطب والتعليم، وصاحب ذلك عمل سياسي كبير في الأحزاب والقوى السياسية، إلى أن أصبحت الموريتانية أكثر إنجابا ل”حواء” من “آدم” فشكلت نسبة 53% من سكان البلاد، أي النسبة الانتخابية الضاربة التي لم يكن أي نظام ليتجاهلها في مشروعه التنموي والسياسي. في السبعينات كانت “الوزيرة الأولى”، عائشة كان، لكن نظام العسكر ما بعد العاشر يوليو/تموز 1978 أعاد للحكومات أبوتها، قبل أن تنتهي فترة “الطمث” السياسي في نهاية الثمانينات فعينت امرأة وزيرة للصناعة، ثم ازداد مجلس الوزراء تباعا بوجوه ناعمة، قيل وقتها إنها تشكل استراحة لنظر السادة الوزراء خلال معالجتهم للملفات العبوسة. مع التجربة الديمقراطية 2005 و2007 تحركت الأطر النسائية في الموالاة والمعارضة وفق جهد منسق وموحد أعطى ثمرة ال 20% في البرلمان والبلديات، وكذلك نسبة مماثلة في مصادر القرار في الدولة. في السادس من يونيو/حزيران 2008 كان “البياض الأعم” من الكوادر النسائية قد أعلن تأييده للانقلاب العسكري ومن ضمن ذلك الأحزاب السياسية الثلاثة التي تقودها نساء، أحزاب “حواء” و”أم”، و”الاتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم” الذي كان أول حزب سياسي موريتاني ينتخب امرأة رئيسة له. عاشت الناهة إذن في أسرة دبلوماسية “أضاء والدها ردحا من الزمن طريق دبلوماسية “القوافل المحملة”” وفق تعبير كاتب موريتاني. تلقت تعليمها الأساسي والثانوي والعالي في نواكشوط ودكار وباريس، وحصلت على الشهادة العليا في التسيير من المعهد العالي للتسيير بفرنسا، وتدربت في البنوك الفرنسية. ثم عادت إلى موريتانيا لتدخل العمل الخاص، ولكن وفاة والدها غيرت مجالها العملي فتم انتخابها خليفة لوالدها على رأس الحزب الذي أسسه مع مجموعة رفاقه في التسعينات، وسمي الحزب ذلك المؤتمر ب”مؤتمر الوفاء”. عينت الناهة وقتها أيضاً وزيرة مستشارة برئاسة الجمهورية، ثم أقيلت من منصبها إثر انقلاب الثالث من أغسطس/آب ،2005 وتفرغت نهائيا للعمل الحزبي، فتمكنت من دخول البرلمان مع قياديين من حزبها في نيابيات 2006. وخاضت حملة قوية لصالح انتخاب ولد الشيخ عبد الله، الذي رفضت عرضه لاحقا بتعيينها أول سفيرة موريتانية، وتدريجيا بدأت التنسيق مع مناوئي ولد الشيخ عبد الله، وكانت من أول البرلمانيين الذين تقدموا بطلب حجب الثقة عن الحكومة ،2008 ومن بين برلمانيي الأغلبية الملقبين من طرف المعارضة ب”كتيبة النواب”. عاشت الناهة عامي 2007 و2008 بين نواكشوط وباريس وطرابلس (ليبيا) وربطت علاقات سياسية مع جهات عربية وأجنبية خولتها الاطلاع، ربما، على أساليب أفضل في العمل السياسي الدبلوماسي. يعرف عن الناهة تشبثها بالقيم العربية، وحبها للقراءة والاطلاع، وتواضعها وكرمها مع الضيوف. ومنذ الوهلة الأولى للقاء بالناهة يمكن اكتشاف مدى طموح هذه الشابة الصحراوية التي ربما تحلم أيضاً بأن تصبح رئيسة لوزراء موريتانيا. يتساءل الكثيرون الآن عن الأداء الذي ستظهر به بنت مكناس خاصة بعد إعلان الرئيس محمد ولد عبد العزيز نيته بناء دبلوماسية نشطة تعتمد على التقارب العربي الإفريقي والتعاون الإقليمي والدولي. فهل ستعيد الناهة تجربة والدها الذي تألق في هذا المجال، وهل ستنجح في إدارة وزارة ضخمة أغلب طواقمها، رغم كل اللغة الدبلوماسية العسلية، لا تؤمن بشيء اسمه تاء التأنيث؟