مسلمو سويسرا: "القبول بما هو مُتاح، في انتظار ما هو أفضل" لسان حال ممثلي الأقلية المسلمة في سويسرا، الذين لبّوا دعوة الشرطة الفدرالية ليوم عمل في برن يوم 26 نوفمبر الجاري، يقول "طائر في اليد، ولا عشرة فوق الشجرة". ولئن بارك الجميع الخطوة، وهي الثانية من نوعها في هذا العام، فإن الأسئلة المثارة تطغى على الحصيلة المتواضعة لثمانِ ساعات من العمل والنقاش وتبادل الآراء. حضر اللقاء، الذي دعت إليه الشرطة الفدرالية، ثلاثون شخصية إسلامية ممثلة لمنظمات فدرالية وأخرى كانتونية، بالإضافة إلى ممثل عن اتحاد المنظمات الإسلامية بأوروبا وعضو من مجلس الإفتاء الأوروبي، وكذلك جمعية "الإسلام التقدمي" بزيورخ، و"الجمعية السويسرية للمسلمين المدافعين عن العِلمانية" بجنيف. ويقول البيان الختامي، الذي رشح عن الاجتماع: "إن هذا اللقاء تميّز بالصراحة وبالحوار البنّاء، وفتح المجال لتعميق التواصل مستقبلا من خلال ورشات عمل وحوارات منتظمة، تشمل، بالإضافة إلى قضايا الأمن، محاور أخرى". الاستعداد التام للتعاون وإلى جانب القضايا الأمنية التي تُثار في ارتباط بالوجود الإسلامي في سويسرا، عبّر الحاضرون عن انزعاجهم من الخلط بين الإسلام، كدِين وثقافة، والعنف الذي يُمارَس من طرف أقلية ضئيلة جدا باسمه، كما أتاح اللقاء الفرصة للحضور للتعبير عن حِرصهم على أمن الكنفدرالية واستعدادهم للتعاون الكامل مع الجهات المختصة من أجل الوقاية من أي أحداث أو أعمال تُسيء إلى الاستقرار والسلم الأهلي. عن محور الإجتماع، يقول هشام ميرزا، رئيس فيدرالية المنظمات الإسلامية بسويسرا: "لقد انتهزنا الفرصة للتأكيد على أهمية الفصل بين الإسلام والإرهاب وعبرنا عن رفضنا لأي محاولة لوضعنا في موضع الإتهام بزعزعة أمن البلد فأمنها هو أمننا وهذا موقف صادر عن نظرة ثاقبة وخيار أصيل". ولترجمة هذا الولاء إلى أفعال، يقول مصطفى مهماتي، من الاتحاد العام لمسلمي ألبانيا، "لقد عبّرنا عن استعدادنا للتعاون من أجل حفظ الأمن بما يتناسب ومسؤولياتنا، من خلال الدروس والخُطب المنبرية، ومن خلال مناشدة المسلمين باحترام القوانين والتعدّدية والمؤسسات الديمقراطية". لكن هذا لا يعني بأي حال لعِب دور الشرطة في صفوف الجالية المسلمة "لأننا نفتقد إلى الإمكانات، بل كشركاء اجتماعيين وكوسطاء لتسهيل التواصل والاندماج وتمرير رسائل السلام والمحبة بين جميع الطوائف الاجتماعية"، مثلما يقول محمد بتبوت، رئيس اتحاد الجمعيات الإسلامية بفريبورغ، مضيفا: "وفي هذا المستوى، نحن مستعدون لجعل كل إمكاناتنا رهن أمن البلاد واستقرارها، وقبل كل شيء، فهذا واجبنا كمواطنين". انقلاب في الأولويات يدرك المدعوّون للقاء الذي دار في برن على امتداد يوم الإثنين 26 نوفمبر أن شؤون الأديان في سويسرا، قضايا تعالج أساسا على مستوى البلديات والكانتونات، وأن صلاحيات الحكومة الفدرالية في هذا المستوى محدودة، ويتذكّر الذين حضروا اللقاء الأوّل في شهر مارس الماضي، أن كريستوف بلوخر، وزير العدل والشرطة، أجابهم عندما أثاروا مسألة الاعتراف بالإسلام كأحد الأديان الرسمية بالبلاد بقوله الذي جاء فيه "إن الحكومة الفدرالية لا تعترف بأي دِين من الأديان، وأن عددا قليلا من الكانتونات يعترف بالأديان". ولهذا السبب، يعتبر إسماعيل أمين، رئيس اتحاد الجمعيات الإسلامية بزيورخ هذا التمشي (أي هذه اللقاءات مع وزارات أو جهات فدرالية) غير مجد، ويقول: "إن أحسن الحلول ما قُمنا به في زيورخ، أعني بناء جسور التواصل مع السلطات الكانتونية وإيجاد جوّ من الثقة المتبادلة، ومن المفروض أن تقوم جميع الاتحادات بذلك، فإذا ما توحّدت هذه الأخيرة، أمكن لها أن تكون مُحاورا للحكومة الفدرالية". لكن مؤشرات معيَّنة، ربّما قلبت الأولويات، فمسألة الأمن لم تعُد هاجسا للسلطات فحسب، بل ربما تُزعج الجمعيات الإسلامية بنفس القدر أو أكثر، ويبدو أن الجميع تعلَّم الدرس ممَّا حصل خلال السنوات الماضية في بلدان مجاورة، والمتمثل في أن "النعمة خاصة، والنقمة عامة"، وأن أفضل الدواء لهذه الأدواء يتلخص في "الشفافية والوضوح". ويقول مصطفي مهماتي، عن الإتحاد العام لمسلمي ألبانيا في سويسرا، "علينا أن نعترف نحن المسلمون، بأن أهل مكة أدرى بشِعابها، أن هناك نسبة بسيطة من المسلمين تميل إلى التشدّد، وعلينا أن نُقنعهم بالأدلة والبراهين بالرجوع عن ذلك، ولكن من مسؤولية الدولة أيضا أن تحمي مواطنيها". ويشاطر محمد بتبوت، رئيس اتحاد الجمعيات الإسلامية بفريبورغ هذا الرأي فيقول: "أبرز ثِمار هذا اللقاء خلق المزيد من الشفافية في العلاقة بالسلطات، وقد يساعد التواصل على المستوى الفدرالي في فتح الأبواب على المستوى الكانتوني والبلدي، لكن من الواضح أننا بدأنا من الاتجاه المعاكس". الأمل في المستقبل معطيات كثيرة تتجمّع لتجعل ملف المسلمين في سويسرا مقبلا على تطوّرات، تطبعها روح التفاهم والحوار. ويبدو أنه في الوقت الذي تسعى فيه العديد من الجهات المعنية بهذا الملف (من جمعيات واتحادات ومنظمات) إلى فرض نفسها كطرف مُحاور للسلطات وتبحث عن شرعية تتفاوت من جهة إلى أخرى، تريد جهات مسؤولة (على المستوى الفدرالي أساسا) إلى استكشاف حدود الممكن وتقييم الخطوات المتوقعة، وما الإعلان مؤخرا عن تخصيص ثلاث مشروعات كبرى من مشاريع الصندوق الوطني للبحث العلمي لدراسة واقع الأقلية المسلمة، إلا دليلا على ذلك. ويؤكد إبراهيم صلاح، المتحدث باسم "الإتحاد الفدرالي الإسلامي بسويسرا" (كان له تواجد نسبي في التسعينات) والذي لديه خبرة الطويلة في التواصل مع الجهات الحكومية والرسمية أن "الحكومة قد أصبحت اليوم أكثر جدّية في التعامل مع مشكلات الجالية الإسلامية، وهي تُدرك أن زمن الكلام قد انتهى، وأن المطلوب الآن أفعال وليس أقوال، ونحن نطالب بمراكز عبادة تشرّف الجالية ومراكز تأهيل وتعليم والإعتراف الرسمي بديننا". ويضيف إبراهيم صلاح الذي يقيم في سويسرا منذ موفى الخمسينات: "لقد أبلغناهم بأننا ممتنّون لهذا البلد بما منحنا من أمن وحرية وديمقراطية، وباسم هذه القِيم، نطالب بدُور ثقافية لشبابنا ومراكز ترفيه وتأهيل، حتى لا يضطر هذا الشباب للضياع ويسقط في براثن الجريمة والانحراف". ولعل ما يؤشر إلى أن هذا اللقاء قد يكون أقل أهمية مما سينجرّ عنه في مستقبل الأيام، هي الدعوة التي وجهها المكتب الفدرالي للهجرة (التابع لوزارة العدل والشرطة) إلى عدة أطراف من ضمنها الإتحادات والمنظمات التي حضرت اجتماع 26 نوفمبر للمشاركة في اجتماع يُعقد يوم 5 ديسمبر القادم، لمناقشة المسائل المتعلقة بالاندماج والإقامة وقوانين الجنسية وغيرها.