تونس:مليون و700 اشتراك بشبكة الأنترنات اليوم في تونس.. الرقم يهمّ الاشتراكات طبعا، أما عدد مستعملي الشبكة أو المبحرين عليها فيفوق هذا الرقم بكثير لأن الاشتراك الواحد يستعمله أكثر من شخص.. ربع «التوانسة» على الأقل تشدّهم يوميا الشبكة العجيبة وتقيّدهم بأغلال سحريّة أمام حواسيبهم.. موظفون.. تجار.. مقدّمو خدمات.. أصحاب مؤسسات ومسؤولون.. صحفيون.. تلاميذ.. طلبة.. وغيرهم كثير، أغلبهم ارتبط عملهُ أو مورد رزقه بالإبحار على الأنترنات، بل إن النجاح في أداء العمل أو في ضمان لقمة العيش أصبح رهين التجوال اليومي على مختلف مواقع الواب، ولكل في نفسه هدف ينشده أو معلومة يطاردها وقد لا يعثر عنها بغير شبكة الأنترنات.. الأنترنات لدى البعض قفزت من عالم الكماليات الى عالم الضروريات.. قبل الغذاء أحيانا وبوّأها الناس منزلة هامة في حياتهم.. لكن كثيرين لم يجل بخاطرهم أن الأمر يتعلّق بتكنولوجيا دقيقة قد تتعطّل يوما أو أياما أو شهورا.. الأمر ليس مجرّد فرضية، بل عرف طريقه الى الواقع مؤخرا، وتحديدا في أواخر جانفي وبداية فيفري عندما انقطع الربط بهذه الشبكة عن مصر وعدّة دول خليجية وشرق أوسطية وحتى في بعض دول جنوب شرق آسيا بسبب تعرّض أحد «كوابل» الربط البحري بالأنترنات للإتلاف عن طريق مرساة احدى البواخر.. وقالت الأخبار إن البلدان المذكورة عرفت أياما عصيبة على امتداد 3 أو 4 أيام بسبب غياب الأنترنات وتعطلت عدة مصالح هناك.. هذا الأمر قد يحصل يوما في تونس، فهل أن «الأنترنوت» (internautes) التونسيون مستعدون إلى تقبّل هذه الفرضية؟ كيف سيتصرّفون لو حصلت ذات يوم؟ وهل أن الهياكل المعنية بقطاع الأنترنات في تونس لها العدّة اللازمة لتفادي ما يمكن أن يتسبّب فيه هذا الأمر؟.. أسئلة وفرضيات مختلفة وضعتها «الشروق» أمام كل الأطراف ضمن هذا التحقيق. * «لقمة عيش» «الأنترنات لقمة عيشي ومصدر رزقي ولو يطول انقطاعها ذات يوم سأحال على البطالة الوجوبية» تشخيص منطقي للوضعية جاء على لسان «كريم» صاحب محلّ عمومي للأنترنات، وأمثال كريم من أصحاب هذه المشاريع كثيرون وخاصة المشاريع التي يبعثها شبان لتقديم خدمات تراسل المعطيات عن بعد، ونذكر في هذا الاطار المواقع الإلكترونية المختلفة بما فيها مواقع الصحافة الإلكترونية، ومشاريع وكالات الأسفار عن بعد التي تعتمد في كل ما تقدمه على الأنترنات والبريد الالكتروني أي أنها تقوم بعمليات الحجز لحرفائها بصفة إلكترونية ويتّصل بها حرفاؤها بالطريقة نفسها، أي أن خدماتهاهي عن بعد بنسبة 100 ومن المشاريع التي «تسترزق» بنسبة كبيرة من الأنترنات، نذكر أيضا محلات إصلاح الهواتف الجوالة وفكّ شفرتها وإصلاح اللاّقطات الرقمية وتحيينها (الباتش)، وعموما كل المحلات التي تقدّم الخدمات الإلكترونية والمعلوماتية والذين هم في حاجة الى الإبحار اليومي على الأنترنات للحصول على المعطيات والمعلومات المعتمدة في عملهم أو التي يحتاجها حرفاؤهم.. يقول إسماعيل الرزقي (تقني بمحل خدمات إعلامية) «انقطاع الأنترنات بالنسبة إلينا يعني تعطيل عملنا في جزء كبير منه.. وخاصة تعرضنا للإحراج مع حرفائنا عندما يسألوننا عن معلومة ما أو يطلبون خدمة فكّ شفرة أو «باتش»..». * «هواء نتنفّسه» ذهب مروان (طالب وتقني بمحل خدمات) الى تشبيه الأنترنات ب «الهواء الذي نتنفّسه».. فهو مثلما قال «مرتبط ارتباطا وثيقا بالأنترنات من جميع النواحي.. فأنا بصدد إعداد رسالة الدكتوراه، وما اطّلعت عليه الى حدّ الآن من وثائق ومراجع على الأنترنات لإعداد الدكتوراه لن يكفيني «مال قارون» لو اشتريتها من المكتبات، علما أن أغلبها غير متوفّر في تونس.. ومن جهة أخرى استعمل الأنترنات كما ترون بصفة يومية لأوفّر خدمات راقية لحرفائي، ولولاها لأغلقت هذا المحلّ.. ومن جانب ثالث، الأنترنات حققت لنا جانبا هاما من الاستقرار العائلي إذ أن والدتي كانت تعيش حالة نفسية صعبة بعد هجرة أحد أفراد العائلة إلى الخارج، واليوم أصبحت بفضل الأنترنات تتصل به يوميا بالصورة والصوت وهو ما حقق لها راحة نفسية كبرى». * «عمى... إلكتروني» «لو تنقطع عني الأنترنات سأصاب بالعمى.. العمى الإلكتروني طبعا.. سأعجز عن التحرّك في عملي» كانت هذه الإجابة الواردة على لسان الشاذلي (موظف لدى وسيط مري) هزل يحمل بين طياته جدّ.. فالشاذلي الذي يعوّل عليه «عرفه» كثيرا «بنسبة 90» على حدّ قوله، لإتمام عمله، المتمثل في الوساطة المرية، يعتمد كثيرا على الأنترنات والبريد الإلكتروني، وبالتالي فإن انقطاع الشبكة سيجعل الشاذلي «عاجزا عن التحرّك في أي اتجاه». ولا يبتعد كثيرا عن هذا الموقف رأي السيد محمد اللّجمي (مسؤول في وكالة أسفار والذي قال: «لو تنقطع عنّا الأنترنات نتوقّف.. تتلخبط أوراقنا.، وخاصة وكالات الأسفار التي لها موقع واب والذي يمكّنها من جلب نسبة هامة من الحرفاء خاصة من الخارج، وطبعا سيتسبّب لنا ذلك في خسارة مادية كبرى لأننا لن نقدر على التحرّك بغير الأنترنات..». * أضرار اقتصادية بعض أهل الاختصاص تحدثوا عن أضرار قد تصيب الاقتصاد برمّته لو انقطعت الأنترنات لمدة طويلة.. فعدّة مصالح إدارية ومؤسسات اقتصادية كبرى قد تتوقف عن العمل تماما وتعجز بالتالي عن اتمام صفقات أو معاملات تجارية دولية.. وبما أن الوقت ثمين للغاية في التجارة، فإن انقطاع الأنترنات قد يعني ضياع فرصة أو فرص أعمال لبعض الناشطين في المجال الاقتصادي.. ضياع فرص يتحوّل في كل الأحوال الى ضياع الملايين أو المليارات.. أحد مستجوبينا ضمن هذا التحقيق وهو جلال بن عدّة (تاجر) ميّز بين المؤسسات الادارية والمؤسسات التجارية، وقال إن «الأولى ليست لها مصالح كبرى تخاف عليها لو انقطعت الأنترنات أما الثانية، فإنها ستتحمّل حتما انقطاع الأنترنات لو حصل ذلك يوما ما..». * الأنترنات في تونس مؤمّنة... نقلنا فرضية انقطاع الأنترنات في تونس الى الجهات المعنية بهذا القطاع، فأكدت لنا أن كل شيء وارد لكن بنسب ضئيلة.. حيث علمنا أن ارتباط تونس بشبكة الأنترنات يعتمد على ربط دولي بحري عن طريق «كوابل» تمرّ عبر عدّة بحار وتربطنا خاصة بأوروبا، إضافة الى ربط فضائي عن طريق الأقمار الصناعية.. وفي الحالتين، فإنه يقع اعتماد عدّة وصلات للربط باعتبار ارتفاع سعة الربط (5 جيغا بايت في الثانية) وهي من أعلى سعات الربط في إفريقيا. ويسمح تعدّد وصلات الرّبط بالتغيير من وصلة الى أخرى كلّما حصل طارئ أي كلما تعرّضت وصلة ما الى العطب، وهذا ما يعني أن فرضية انقطاع الأنترنات في تونس لمدة طويلة تبقى صعبة.. وأكد مصدرنا أن تونس لم تشهد منذ بداية ارتباطها بشبكة الأنترنات (بداية التسعينات) حادث انقطاع لمدّة طويلة.. وأضاف أن الهياكل المشرفة ما انفكّت تطور من يوم الى آخر أساليب «التحصين» ضد أي طارئ، لتبقى فرضية انقطاع الأنترنات عنا ذات يوم ضئيلة جدا. * فاضل الطياشي * صور طارق سلتان