2007 كان منعرجا أساسيا في الحالة العربية: د. أحمد القديدى حصاد خصب بدأنا نراكم ثماره الحلوة والمرة ونتأمل بعيون الخبرة والدهشة انقضاء مواسمه المتلاحقة ونحن نودع هذا العام بمثل ما استقبلناه به من أمل وألم. ونسأل النفس ماذا غير هذا العام فينا ومن حولنا من شؤون العلاقات الدولية التي نشتغل عليها؟ وبخاصة في عالمنا العربي الذي يهمنا أمره ويرتبط به مصير عيالنا مهما ابتعدنا عنه مؤقتا ويرتبط به أيضا مصير العالم بسبب ما اندلعت فيه هذا العام من حرائق السياسة وما تفجرت خلاله من زلازل الأزمات والمحن. بدأ العام مع انقسام الأشقاء الفلسطينيين واندراج بعضهم في مخططات كيدية تستهدف لا هذا أوذاك من الفرقاء كما يبدو في الظاهر بل تستهدف فلسطين كلها حتى تتحول القضية الى ما يشبه البكاء على الأندلس كما يريد غلاة الصهيونية أن تكون. وانزلق بعض الفرقاء حلفاء الأمس الى اقتتال أهلي جعل المتآمرين يهللون ويشهدون الدنيا عليهم ويوصدون أبواب العون الدولي والتفهم العالمي ويؤلبون الغرب على قضيتهم في غياب الحكمة وانسحاب العقل! وانفرجت الأزمة في مكةالمكرمة بمبادرة خادم الحرمين الشريفين ثم انتكس المسار وانتبذ كل فريق مكانا قصيا منتصرا لرؤيته الضيقة دون أن تتقدم ملفات التحرير والسلام خطوة الى الأمام. وكان هذا الانحراف هوالذي زرع الشك والشوك في طريق (أنابوليس) في انتظار قبس من نور يهل علينا ربما العام القادم في هذا الليل الحالك. بدأ العام في لبنان بأزمة الدستور وفراغ الحكم بعد محنة حرب اسرائيلية جائرة وخاسرة دمرت البنية التحتية لهذا البلد الصامد في أغسطس2006 ، وكنا نعتقد بأن فداحة الحرب لا بد في النهاية أن تجمع الهمم وتضم الارادات في لبنان حتى يتحقق شعار يرفعه جميع اللبنانيين وهو: لا حرب أهلية بعد اليوم ولبنان واحد حر مستقل وسيد! وظللنا نتوقع التفاف اللبنانيين الكرماء حول رايتهم بأرزها الشامخ ولكن (الطائف 2) تأخر جدا ولم يشهد الهزيع الأخير من عام2007 نهاية المحنة الداخلية. ولا يسعنا هنا أيضا سوى انتظار قبس من نور! بدأ العام2007 في العراق كما بدأت أعوام 2003 و2004 و2005 و2006 دون تحوير مشهد الفاجعة المهولة التي تعود عليها الناس على شاشات فضائياتهم التي سرت بها الركبان كما يقول قدماء العرب. ولم تلح في أفق بلاد الرافدين بارقة رجاء يعود بها هذا الشعب الأبي الى سالف عهد الأمان والعزة والاشعاع، وكأني بالعرب نسوا العراق في محنته كأنهم ألفوا المأساة وعاشروا الفاجعة فاستكانوا الى نوع من الهجعة الطويلة تركت الحبل على غارب، المغامرون والدخلاء يتداولون على تدمير العراق ولا يبدو في المستقبل المنظور أي نور يعلن نهاية النفق المظلم الموحش. بدأ العام2007 كما انتهى بالنسبة لاقليم المغرب العربي حيث لم ينجح قادته ولا منظمة الأممالمتحدة ولا الاتحاد الأوروبي في تحريك قضية الصحراء نحو حل يرضي كل الأطراف. وبقي جرح الصحراء نازفا كما كان منذ1974 حين انجلى الاستعمار الإسباني عن المنطقة لكنه أورثها تركة ملغومة تتمثل في رغبات متناقضة لا نرى لها الى اليوم ملتقى وئام وسلام، بين صحراويين مشتتين في خيام جزائرية أو منضوين مثل آبائهم وأجدادهم تحت لواء العرش المغربي وبين مملكة لا تريد اتقسام ترابها وبين جارة شقيقة تؤيد حق تقرير المصير نحو تشكيل جمهورية صحراوية كدولة مستقلة جديدة في الاقليم. بدأ العام2007 في دول مجلس التعاون الخليجي وانتهى هذا الأسبوع بمكسب جديد يضاف الى مكاسب هذا الانموذج العربي الوحيد الناجح وتحقق في قمة الدوحة بتأسيس السوق الخليجية المشتركة التي ستقرب هذه الدول الفتية أكثر من الوحدة الشاملة بين أبناء العمومة. ونطالع في أدبيات دول الخليج ووسائل إعلامه وبحوث جامعاته ما يثلج الصدر من وعي حقيقي وعميق بالمشاكل التي لا بد من معالجتها بحكمة وعدل وأبرزها قضية العمالة الآسيوية ومضاعفاتها في عالم تحتل فيه الهوية مكانة الصدارة، وأهمها أيضا ملف التعاطي الخليجي المنسق الموحد مع القضايا الاقليمية والقومية التي تفرض نفسها كالملف الايراني ومستقبل العراق وقضية الأمن الخليجي النفطي والسياسي والاستراتيجي. أمل كل العرب من محيطهم الى خليجهم أن يستمر المجلس في جهوده الخيرة ومن منطلق رسالته الخالدة لتوفير مناخ الوفاق لحل معضلات العرب حتى البعيدة عنه جغرافيا كما فعل من قبل مع العراق ولبنان وفلسطين. فيا ليت نرى عام 2008 يتميز بدور خليجي ديناميكي لجمع الفرقاء والمختلفين العرب في مكةالمكرمة أومسقط أوالدوحة أوالمنامة أوأبوظبي أوالكويت للخروج من انسداد عام2007 الى انفراج عام2008 ! انه رجاء عربي ودعاء عربي نلجأ بهما لله عز وجل ثم للمؤمنين الصادقين به تعالى من أصحاب الأمر وأصحاب الفكر. رئيس الأكاديمية الأوروبية للعلاقات الدولية بباريس