عاجل/ شوقي الطبيب يكشف سبب إحالته على دائرة قضايا الفساد المالي..    وزير الخارجية يلتقي رئيسة فريق المراجعة الاستراتيجية لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا    عاجل: قطر تحتضن نهائي كأس القارات للأندية 2025    عاجل/ حفل افتتاح مهرجان الساف ينتهي بفاجعة..وهذه التفاصيل..    كيفاش Squid Game ولى حديث الناس في تونس؟    وزيرة العدل تأذن بنشر النتائج النهائية لمناظرة الدخول إلى مرحلة التكوين الأساسي للملحقين القضائيين دورة اوت 2024    الهوارية: حادث أليم في مهرجان الساف يتسبب في بتر يد شخص واصابة امرأة    حفل زفاف بيزوس: من هو العريس؟ ومن هي العروس؟    أخبار الحكومة    شارع بورقيبة دون سيارات    أولا وأخيرا: ترومب وعيده الكبير    في الدورة 59 لمهرجان قرطاج الدولي... صوفية ونانسي ونجوى كرم، أبرز النجوم    استبدال كسوة الكعبة مع بداية العام الهجري    شنوّة تعمل كان لقيت إخلالات في النزل؟ هاو الحل!    البطولة العالمية العسكرية للفنون القتالية - تونس تحصد اربع ميداليات    مصر: مقتل 19 شخصا في حادث سير "مروع"    موجة حرّ قياسية في أوروبا.. هل توصل لتونس؟    ترامب: "أنقذت خامنئي من موت بشع ومُهين.. ويقول بوقاحة أنه انتصر".. #خبر_عاجل    عاجل/ تونس توقّع اتفاقية قرض مع السعودية لتمويل هذا المشروع    عاجل: إلغاء إضراب معهد الهادي الرايس    كوثر بودراجة في ذمّة الله    الترجي في المركز 21 في كأس العالم للاندية    صيام قبل العملية: ضروري ولا لا؟ دراسة توضّح!    سيدي بوزيد: تنظيم الدورة الخامسة للصالون الجهوي للفنون التشكيلية والبصرية بدور الثقافة والمركبات الثقافية    ترامب: هناك أدلة على تدمير منشآت إيران النووية بشكل كامل    الليلة: الحرارة تصل 34 درجة    كيف تحمي طفلك من ضربة الشمس والإجهاد الحراري؟    فرص تفرّح: 35 منحة تقرا بيهم في فرنسا وألمانيا و120 بلاصة في IPEST للمتفوقين في الباك 2025!    عاجل – تونس: رئاسة الحكومة تعلن عن التوقيت الصيفي للإدارات العمومية    دراسة تكشف: قارة أفريقيا بدأت تنقسم إلى نصفين!!    بالأرقام: تمويل البنوك العمومية للمرفق العام لا يتجاوز 14% من إجمالي قروضها    عاجل - نتيجة السيزيام : بلاغ من وزارة التربية للتلاميذ والأولياء    وزارة التعليم العالي تحذر من التعامل مع مكاتب وساطة غير قانونية لمواصلة الدراسة بالخارج    الملعب التونسي: تربص مغلق منتظر .. وعدد من المباريات الودية في البرنامج    مرض نادر يُسبّب العمى ل6 أشقاء.. والأب يستغيث    قبلي: انطلاق عملية تدلية عراجين تمور النخيل المنتج لدقلة النور    النادي الإفريقي: "فيرجي" ينعش الخزينة .. والإدارة في طريقها لرفع المنع    كيف ستكون درجات الحرارة نهاية الأسبوع ؟..    باجة: بعث شركة اهلية مختصة فى المنتوجات الفلاحية البيولوجية بعمدون    اختتام ملتقى الناشرين المستقلين في العالم العربي والفضاء الفرنكوفوني    معلومات صادمة لمحبي ''المروحة'' ...مخاطر صحية لازمك تعرفهم    شهداء وجرحى في غارات إسرائيلية عنيفة على خان يونس    سخنّت الكرهبة؟ هاو شنو تعمل قبل ما تعمل كارثة!    كاس العالم للاندية : ريال مدريد يتأهل للدور ثمن النهائي بعد فوزه على سالزبورغ النمساوي بثلاثية نظيفة    تحب تعمل حفلة الباك ولا العرس؟ هاني باش نقولك كيفاش تتحصل على رخصتك !    عاجل : نادي أوغسبورغ الألماني يتعاقد مع المهاجم التونسي إلياس سعد    إحالة البشير العكرمي على الدائرة الجنائية بتهم التدليس واستعمال مدلس    انخفاض أسعار اللحوم البيضاء..وهذه التفاصيل..    فرص توظيف في سلطنة عمان: لجنة انتداب المدرسين تواصل قبول الترشحات بمقر وكالة التعاون الفني إلى غاية 1 جويلية المقبل    عاجل: للناجحين في الباك 2025... لازمكم تعرفوا المعلومة هاذي قبل الترسيم!    عاجل : تحذير من ''مسكن ألم'' شائع .. عواقبه خطيرة    ولاية باجة تتصدر الولايات الاكثر تجيمعا للحبوب    تونس تحصد 4 جوائز في اختتام الدورة 25 للمهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون    اتفاق كبير يشمل غزة.. تفاصيل أحدث مكالمة بين ترامب ونتنياهو    خطبة الجمعة... الهجرة النبوية... دروس وعبر    ملف الأسبوع... كَرِهَ عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ، وَطَلَبَ الدِّينَ فِي الْآفَاقِ.. وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ... أوّل المؤمنين بعد خديجة    ما هي الأشهر الهجريَّة؟...وهذا ترتيبها    مطرزا بالذهب والفضة والحرير.. السعودية تكسي الكعبة ثوبها السنوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السيناريوهات الرّمادية لمُستقبل قِطاع غزة
نشر في الفجر نيوز يوم 22 - 09 - 2009

في ظل انسداد الأوضاع في قطاع غزة، يبدو أن الخيارات المتاحة لسكّانه الذين يربو عددهم عن مليون ونصف شخص تتقلص يوما بعد يوم.
في بداية التسعينات، لم يكُن لدى أحد تقييمٌ محدّد لما قاله الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عندما دخل غزة، من أن القطاع سوف يتحوّل إلى "سنغافورة الشرق الأوسط"، فقد كانت فترة مليئة بآمال في أن تقود أوضاع ما بعد أوسلو (2003) إلى قيام دولة ومخاوف من أن يتحوّل الأمر كله في النهاية إلى كارثة. وبدون حاجة إلى إعادة تقييم، فإنه من الواضح أن سيناريو الكابوس هو الذي يُسيطر اليوم على مستقبل غزة.
أحد السياسيين الفلسطينيين الذين عايشوا تلك المرحلة، يقول إن الحديث عن "نموذج سنغافورة" لم يكُن مجرّد تعبير مرسل، فقد كان قد تمّ الحديث عنه مِرارا خلال المفاوضات مع الجانب الأمريكي، باعتباره حلاّ مُمكنا لقطاع كان كل من يُشير إليه، يذكر أنه قُنبلة موقوتة أو سِجن مفتوح، وفي وقت ما بدا حسب قوله، أنها على الأقل يُمكن أن تكون "ربع دبي"، لكن هناك تقرير صحفي شهير يُمكن العثور عليه بسهولة شديدة على الإنترنت، يقول فيه مواطن فلسطيني، إن غزة أصبحت "تُورا بُورا".
لماذا؟ إن هناك سؤالا نظريا يُمكن أن يمثل بداية محاولة لفهم ما جرى للقطاع، وهو لماذا لم تقترب غزة، ولو في الأحلام من "حالة سنغافورة"؟ والإجابة البسيطة هي: أنه لم تكن هناك أبدا رُؤية مُنضبطة حول مستقبل غزة، عِلما بأن كلمة "رُؤية" يُمكن أن تثير سخرية أبناء القطاع. فسنغافورة قامت على أسُس أبعد بكثير، ممّا طبقته حركة فتح قبل 2006 وممّا تقوم بفعله حركة حماس في الوقت الحالي.
وبدون إغراق في تفاصيل حالة سنغافورة، التي كانت في يوم ما، مُجرّد قرية فقيرة للصيّادين المعدمين، فإن هذا النموذج ارتبط بتعبيرات، مثل القيادة الواعية والإدارة الراقية والنزاهة الحقيقية وحُكم القانون والتسهيلات الإستثمارية واقتصاد السوق والاستثمارات الخارجية وحل المشكلات مع الجوار، إضافة إلى ملامح أخرى، كلّما سيتِم ذِكرها، قد يتضح أن غزة لم تكن لتتحوّل أبدا إلى سنغافورة بالطريقة التي أدارها بها الجميع.
إن السلطة الفلسطينية لم تفعَل الكثير طِوال سنوات في قطاع غزة، فقد ظلّ اقتصاد القطاع يقوم على العلاقة التقليدية مع إسرائيل وبروتوكول باريس والدعم الخارجي وبعض النشاطات الاقتصادية المحدودة، ويُمكن أن يتم رصْد قائمة طويلة من الوقائِع التي تشير إلى عدم مسؤولية حقيقية، ترتبط بفساد مالي وسوء إدارة وشلل سياسي، مع عدم قيام حماس أو إسرائيل بتسهيل أي شيء أمام السلطة الوطنية أيضا.
لكن على الأقل، وِفق تقديرات مُوازية، كان هناك مطار وميناء ومعابِر مفتوحة ونشاط تجاري وعلاقات خارجية ومشروعات على الورق وقُدرة على النقد وأمل في أن يتمكّن القطاع من الخروج من النّفق المُظلم حتى عام 2000، عندما انهار كل شيء، ليشهد القطاع واحدة من حالات انعدام الوزن طوال خمس سنوات تالية.
حلم تبدد
عادت أحلام سنغافورة إلى قِطاع غزة مرّة أخرى عام 2005، عندما قرّرت الحكومة الإسرائيلية سحْب قواتها من جانب واحد من قطاع غزة. ففي منتصف ذلك العام، شهد القطاع حُمّى حقيقية من الإهتمامات الاقتصادية بمستقبل القطاع، حتى من جانب مُغامرين، وتَم عقد ما لا يقِل عن ست ندوات حول مستقبل اقتصاد غزة وعلاقاتها الاقتصادية الخارجية، بعد الإنسحاب الإسرائيلي منها، وتحرّك بعض المستثمرين فِعلا إلى هناك.
كان من الممكن أن يسمع الكثير في غزة، في ذلك الوقت، حول المشروعات التي يتم التفكير فيها لاستغلال الأرض التي سيتِم الانسحاب منها، وعن اللقاءات التي تُجرى مع مستثمرين من مصر والإمارات وتركيا، يتنافسون للعمل في شمال القطاع، لكن كان هناك سؤال دائم حول ما إذا كانت "الظروف السياسية والأمنية" ستسمح بمثل تلك الاستثمارات، إذ كانت طلقات الرصاص قد بدأت تُدوّي بين الفرقاء داخل القطاع؟
كان التنافس على غنائِم الإنسحاب قد بدأ يتّسع بصورة لا تليق بمُناضلين أو مقاومين، وبدأت رُؤى تظهر بين مَن يريدونها منطقة تنمية على طريقتهم، وبين من يرونها أرضا للتنمية والمقاومة معا، وحسب أحد المشاركين في لِجان ترتيبات الإنسحاب الإسرائيلي، لم تسهل إسرائيل أيضا أي شيء. وبعد شهرين فقط من الانسحاب، كان "حُلم سنغافورة"، الذي لم يعُد أحد يتذكّره في الواقع، قد تبدّد، وجاءت انتخابات 2006.
أرض حماس
إن كثيرين في فتح يعتبِرون أن إجراء انتخابات يناير 2006، واحدة من الأخطاء الكُبرى في تاريخ السلطة الفلسطينية، التي أصبح يتولاّها الرئيس محمود عباس، وسوف يتّضح قريبا ما إذا كانت حماس ستقبَل بإجراء مثل تلك الإنتخابات في يناير 2010 أيضا أم لا. فنفس التّقديرات التي كانت قائمة داخل فتح وقتَها، هي نفس التقديرات القائمة داخل حماس حاليا، وهي أنها ستفقِد السلطة.
على أي حال، فإن القطاع قد دخل بعد تلك الانتخابات، واحدة من أسوإ فترات تاريخه، إذ كان ثمّة صراع سلطة مكشوف في الداخل وحِصار حادّ مفروض على القطاع من الخارج، وانتهى الأمر عام 2007 بكابوس آخر، لا يعتبره البعض هكذا بالطّبع، لكن لا يوجد إسم آخر.
فقد نشبت حرب أهلية فلسطينية، انتهت بسيطرة حماس على القطاع وخروج هياكل السلطة إلى الضفة الغربية. وبعدها بعامين، نشبت حرب أخرى فلسطينية - إسرائيلية، ذات أبعادٍ إقليمية مُؤذية.
إن السؤال الذي لم يتمكّن أحد من تقديم إجابة له منذ ذلك الحين، هو: هل يُمكن أن يعود قطاع غزّة مرّة أخرى إلى الدولة الفلسطينية الإفتراضية أم لا؟ والمشكلة هي، أن مُعظم الإجابات حتى الآن تأتي بالنفي.
فرغم كل ما يقال عمّا تم إحراز تقدّم بشأنه في حوارات القاهرة المُتتالية، لا يبدو للقريبين من "الملفّات الخمس"، أن هناك مؤشِّرات مؤكّدة حول إمكانية العودة، والكارثة الحقيقية، أن أصوات مكتُومة في الضفة الغربية، تبدو وكأنها غير راغِبة في عودة القطاع أيضا، فيما يُشبه مقدِّمات سيناريو باكستان وبنغلاديش (مع الفارق).
احتمالات رمادية
دخلت مسألة مُستقبل قطاع غزّة إلى منطقة الدّراما. فالسيناريوهات الحالية تُشير إلى حلّ الدولتين "الفلسطينيتيْن"، التي تعني انفصال قطاع غزة عن الضفة الغربية، وهناك ما يُشير إلى أن حماس ترغَب في ذلك، وإلى أن أطرافا في السلطة قد شاركت في مؤتمرات حول ربط اقتصاد الضفّة باقتصاد الأردن، وقد اتّسع نطاق الأحاديث، التي تقارن أوضاع الضفة بأوضاع غزّة حاليا، خاصة في ظل انتشار التنظيمات الدِّينية المتطرِّفة في غزة.
الأهم، أن القطاع المنفصِل سوف يتسم – في ظل هذا السيناريو – بأنه سيتحوّل إلى إمارة إسلامية، ومَهما قال قادة حماس بهذا الشأن، فإن هناك 10 مؤشِّرات على الأقل ترتبط بتوجهات رسمية أو قرارات عشْوائية وقِصص لا أول لها ولا آخر، بأن هناك من يدفع القطاع في هذا الإتجاه، قانونيا وتعليميا وثقافيا وسياسيا، وليس لدى حماس أصلا ما تفعله سوى ذلك، حتى لو أرادت.
لكن حماس تقوم بعملية تجريب اقتصادية أيضا، تتصور أنها ستؤدي إلى خلق نموذج تنموي جديد. فقد قامت بافتتاح بنك محلّي وشركة تأمين، تعتمِدان على المعاملات الإسلامية، وتبَعا لتقييمات اقتصادية مُستقلة، فإن تلك المؤسسات – يُضاف إلى ذلك كل نشاطات حماس الاقتصادية الخاصة بالتجارة والأنفاق والتهريب – يُمكن أن تخفِّف قليلا من ضغوط الحصار وتسيير الأمور، كبيوت مال وأعمال، لكنها لن تمثِّل أساسا لاقتصاد حقيقي، ناهيك عن "سنغافورة"!
في النهاية، فإنه ليس لدى أحد إجابة محدّدة حول مستقبل غزة. ففتح قد جرّبت نفسها وفشلت، وحماس تجرّب نفسها الآن، ووسط تلك التجارب، ليس أمام سكّان القطاع إلا النظر إلى السماء طالبين من الله اللطف في القضاء.
د. محمد عبد السلام - القاهرة - swissinfo.ch


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.