اعتاد الحقوقيون وعدد من مكونات المجتمع المدني منذ سنوات عديدة بجهة بنزرت على معايدة المناضل علي بن سالم باعتباره عميد المناضلين والحقوقيين. لكن ومنذ افتعال مشكل الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وما انجر عنه من تعطيل لنشاطها وغلق مقرها الرئيسي ومقراتها الفرعية، تحولت العادة في بنزرت من مناسبة للفرح وتبادل التهاني إلى مصادمة بين المعايدين ورجال الأمن الذين يعمدون إلى منعهم بكل الوسائل من غلق الطرقات أمام السيارات وضرب طوق أمني كبير في كل الطرقات المؤدية إلى مقر فرع الرابطة ببنزرت وحتى التدافع إن لزم الأمر. وكنا أشرنا في نداء سابق إلى هذا الخلط الكبير بين مقر فرع الرابطة وبين المنزل الخاص لعم علي. ورغم ذلك ما تزال السلطة تصرّ على هذا المنع الذي يمثل تعديا صارخا على أبسط حقوق الإنسان في مكان لصيق بفرع للدفاع عن حقوق الإنسان! فقد ظل منزل عم علي الخاص - ونؤكد على أنه خاص وخاص جدا بناه الرجل من عرق جبينه- ظل محاصرا يُمنع الجميع من دخوله. والمهزلة الكبرى أن أقرب الناس إليه مثل أبنائه لا يدخلون إلا بعد الاستئذان أيضا وبعد الاتصالات الهاتفية بالمسؤولين الأمنيين بالجهة. فهل بعد هذا ما تزال السلطة تتبجح بأنها حامية حقوق الإنسان ؟ وهل أن حقوق الإنسان قماش يُفصل على المقاس؟ وما حدث يوم عيد الفطر 20 سبتمبر 2009 سينضاف إلى السجلات السوداء لانتهاكات حقوق الإنسان في تونس. فبعد أن شارك المناضلون بالجهة في الفوج الذي توجه إلى مقر الولاية لتقديم القائمة الانتخابية لجامعة بنزرت للحزب الديمقراطي التقدمي المشاركة في الانتخابات التشريعية 2009، توجهوا كعادتهم لمعايدة عم علي. لكنهم فوجؤوا بجحافل رجال الأمن الذين رابطوا بكل الطرق المؤدية للمنزل منذ ساعة مبكرة حسب شهود عيان. وللتذكير فإن الحصار على منزل عميد المناضلين متواصل ليلا نهارا منذ سنة 2005. وكان المشهد مضحكا مبكيا: إذ عوض أن يدخل المهنؤون المنزل، نزل شيخ الثمانين إلى الشارع- رغم ظروفه الصحية المعروفة- وتقبل التهاني على قارعة الطريق! ولم يكن الأمر سهلا. إذ لم يتسنّ ذلك إلا بعد مشاورات كثيرة ومكالمات هاتفهية أكثر ليست في حجم الحدث أصلا. فهل أصبحنا في بلدنا نستأذن على أعلى المستويات كي نقدم تهاني العيد لبعضنا؟! ولم تقف العرقلة عند هذا الحد. وربما أرادت السلطة هذه السنة بالذات أن تحتفل على طريقتها الخاصة باستقبال فترة الانتخابات القادمة. لأن في السنوات الفارطة كان يُسمح لعضوي اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي التقدمي السيدتين لمياء الدريدي وسعاد القوسامي بالدخول إلى المنزل لمعايدة زوجة عم علي السيدة الفاضلة زينب بن سالم. لكن هذه السنة كانت التعليمات صارمة: فلا دخول ولا تهانيَ. فالحصار مضروب مضروب والعيد ممنوع ممنوع! ولم يُسمح لنا بالدخول رغم الاتصالات الهاتفية العديدة. وإلى جانب الخروق الواضحة لحقوق الإنسان في كل هذا، فإن الخروق السياسية أكثر وضوحا. فنحن نعتبر هذا المنع تناقضا صارخا من السلطة التي ما فتئت خاصة هذه الأيام الأخيرة تعلن احترامها لكل مكوّنات المجتمع المدني والأحزاب السياسية وحرصها على توفير جو من الحرية لها للتحضير للمحطة الانتخابية القادمة. لكنها سقطت في أول امتحان. فهي لم تحترم عضوية السيدتين في هيأة جامعة بنزرت للحزب، ولا عضويتيهما في اللجنة المركزية، ولا رئاستهما لقائمتين من قائمات الحزب للانتخابات التشريعية المقبلة! ورغم تذكير المسؤولين الأمنيين الحاضرين بذلك إلا أنّ التعليمات كانت واضحة ولا نقاش فيها أو اجتهاد. وإذا كانت الرموز السياسية في البلاد تُنتهك حقوقها السياسية والحقوقية بهذا الشكل السافر فماذا عن المواطن العادي؟ فعلى السلطة أن ترفع الحصار على المناضلين ومكونات المجتمع المدني وعلى رأسهم عميدهم المناضل علي بن سالم، وأن تنقي الأجواء السياسية بالبلاد وتتخلى عن الوصاية المضروبة على الهيئات والمنظمات المدنية والأحزاب السياسية وتكف عن التدخل في شؤونها ومصادرة استقلاليتها وتستجيب لمطالب المعارضة الوطنية للنهوض بالحياة السياسية بما يرتقي بتونس في سلم الديمقراطية. مرة أخرى - ونرجو أن تكون الأخيرة- نطالب السلطة برفع الحصار عن منزل عم علي. كما ندعو كل المناضلين والأحرار وكل مكونات المجتمع المدني والهيئات والمنظمات والأحزاب الوطنية والدولية للوقوف صفا واحدا مع هذا المطلب البسيط علها تساهم في فرض احترام حقوقه وشيخوخته وحفظ كرامته. مرة أخرى نقول لعم علي دُمت رمزا للنضال والصمود. فسجلك كتاب مفتوح يشهد على ما قدمته للوطن ولا يستطيع أحد أن يخفيه مهما كثر عدد حراسك وتكرر منع زوارك. ويا جبل ما يهزك ريح!. سعاد القوسامي جريدة الموقف الع514دد بتاريخ 25 سبتمبر 2009