زهير الخويلدي / كاتب من تونس بعد أن اتفق وزراء الداخلية العرب علي مناهضة الإرهاب وأجمعوا علي التصدي لكل التنظيمات المتشددة ومقاومة الجريمة المنظمة والتجارة بالمخدرات والأطفال، ها هم وزراء الإعلام العرب من جديد يتفقون أيضا باستثناء قطر ولبنان علي وضع ضوابط تقيد المادة الإخبارية المعروضة علي الفضائيات العربية بحيث تحظر كل مادة تتعرض بالتجريح والثلب للحكام والرؤساء والزعماء التاريخيين والحاليين. وبالتالي سيمنع كل برنامج يهاجم الرموز الدينية والمقدسات الحضارية ويعاقب انطلاقا من هذا الإجراء الوقائي الجديد أي صحافي أو محلل سياسي أو إعلامي محترف في أية قناة فضائية أو صحيفة أو مجلة أو موقع الكتروني عن حريته في استخدام عقله وممارسته النقد والقراءة والتأويل للأحداث من أجل تشخيص الأسباب واستخلاص الدروس والوقوف عند الأمراض وطرح الإشكاليات واقتراح الحلول واستشراف المستقبل. ربما دقت الأنظمة العربية ناقوس الخطر ازاء التهديد الذي يمثله الإعلام الحر والفضائيات النقدية الهادفة علي أمنها القومي وتدخلها في سيادتها الوطنية وهذا ما يتناقض مع مكاسب الانسانية التي حملتها العولمة وخاصة ضرورة الإبقاء علي منابر الإعلام مستقلة وإلزامية التعامل معها بطريقة ديمقراطية حضارية، ولكن ذلك يثبت بشكل ملفت ما تمثله الفضائيات من قدرة علي التأثير في الناس والتوجيه نحو تغيير الواقع والفعل في التاريخ. فعوض أن يتناقش الوزراء العرب سبل تطوير المنظومة الإعلامية والارتقاء بالرسالة الإخبارية الي المستوي اللائق به والحرص علي الجودة والأصالة والاعتزاز بالهوية وترسيخ قيم السلم والتثاقف مع الآخر ويرفعون الحواجز والعراقيل أمام المراسلين والكتاب نراهم يفعلون العكس ويشرعون القوانين التي تحرم وتحدد وتمنع وتهدد وتتوعد كل من يعارض أو يحاسب أو يكشف الحقائق والمعطيات. البعض من الدول رفض هذا الإجراء واعتبره نكوصا والعودة بالإعلام الي الوراء وهذه الدول هي قطر التي تضم قناة الجزيرة التي كثيرا ما حوصرت ومنع مراسلوها وحوكم صحافيوها في العالم واتهموا بمساعدة الإرهاب. والدولة الثانية هي لبنان التي تضم عدة قنوات مستقلة مثل المستقبل والمنار التي تمثل إعلاما مضادا لوجهة النظر الاسرائيلية والتي منعت من البث من القمر الصناعي Hotbird وتقدم مادة إعلامية راقية وملتزمة. بقية الدول وافقت علي القرار بل ألحت علي تفعيله بسرعة لتعكس هيمنة دول الاعتدال علي الموقف الشعبي العربي المناهض للتطبيع والهيمنة الغربية والمعتز بانتمائه العربي الإسلامي ومن المعلوم أن الإعلام الفضائي العربي يسيطر عليه رجال الأعمال الخليجيون وتمتلك السعودية القمر الصناعي Arabsat ومصر تملك القمر الصناعي Nilesate وبما ان هاتين الدولتين كانتا من السباقين لإصدار قرار وضع الضوابط فلا نظن أن مستقبل الإعلام العربي الحر سيكون بخير اذا ما تم اعتماد المذكرة بشكل نهائي وعندها يبتلع الرأسمال السلطوي ما تبقي من الهواء الطلق في البرية. ما هو منطقي أن الفضائيات العربية تعاني من العديد من الأمراض وتهزها عدة تناقضات وخاصة الفضائيات الغنائية التي تخاطب الجسد والحواس وتفسد أخلاق الشباب وتعتدي علي الأنماط الثقافية الأصلية وأيضا الفضائيات الإيمانية التي تبشر بتصور أحادي الجانب ومذهبي للدين الرحب والشريعة السمحة وكذلك الفضائيات الإخبارية السياسية التي تقوم في بعض الأحيان بدور إشعال الفتن والتحريض الطائفي والإيديولوجي المطلوب ليس تقليم أظافر منتجي هذه الفضائيات أو إغلاقها والحجز عليها كما حدث مع بعض منها في الماضي وكما تعرض البعض الآخر للتهديد بالقصف وتصفية إعلامييها بل نقده نقدا بناء ومساعدتها علي التطور والارتقاء بمادتها وذلك عن طريق مساعدتها المادية وتوفير مناخ من الحرية والأمن والسيادة الضروري لكي تمارس مهنتها علي أحسن وجه. إن ما ينبغي التنبيه علي مخاطره ومعاتبة الإعلام الفضائي والمكتوب عليه هو فراغ المحتوي وصنمية الصورة وتفاهة البرامج والسقوط في الأخطاء اللغوية واللجوء الي الدعاية. انه من الضروري أن يتقيد الجميع بضوابط من أجل صيانة ميثاق شرف الإعلام العربي واحترام الهوية العربية الإسلامية والرموز الحضارية والمحافظة علي مصداقية المهنة. ولكن ينبغي ألا يعني ذلك محاصرة للإعلام وتقييداً لنشاط الفضائيات وتخويفا للطاقات وقمعا للقدرات من أجل تشجيع الإعلام التابع وتفريخ الأقلام الموالية والبرامج التي تخدم وجهة النظر الرسمية فتكون السلطة الرابعة خير دعامة للجمع بين السلطات الثلاث الأخري بقبضة من حديد. ما هو بديهي أن النقد والمحاسبة ظاهرة صحية تتعرف من خلالها الأنظمة علي أخطائها وتكون مجبرة علي تلافيها كما أن المعارضة ضرورية من أجل صنع المستقبل وتقدم الشعوب ومجتمعات دون معارضة هي مجتمعات ميتة وأفرادها كأعجاز نخل خاوية، وبالتالي يجب أن يعمل الإعلام علي صيانة ملكة النقد ومأسسة المعارضة في المجتمع العربي من أجل إطلاق مسيرة الإصلاح السياسي والاستئناف الحضاري. كاتب من تونس 20/02/2008 القدس العربي