إسرائيل مذهولة من السياسة التركية في ظل حكم حزب العدالة والتنمية، ولا تريد أن تصدّق أن حكومة أنقرة منعتها من المشاركة في المناورات العسكرية على أراضيها، ورغم أن تعليمات رئيس وزرائها دعت إلى التهدئة ومنعت كبار المسؤولين من التعليق حول الموضوع، إلا أن الصحافة الإسرائيلية لم تتوقف عن إثارته. فقد نشرت النسخة العبرية لموقع صحيفة «يديعوت أحرونوت» مقالا للبروفيسور درور زئيفي رئيس قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة بن جوريون قال فيه إن قيام أنقرة بإلغاء المشاركة في المناورات واتفاقها التاريخي مع أرمينيا يعبران عن رغبة دفينة في التحوّل إلى قوة إقليمية في المنطقة. وأشار إلى أن تركيا شرعت في إعادة إستراتيجيتها الوطنية مستثمرة علاقاتها المميزة مع العالم العربي وعمقها في منطقة القوقاز التي تتحدث التركية. وقد كان الغضب العارم الذي عمّ الشعب التركي بسبب العدوان الإسرائيلي على غزة ظرفا مواتيا لخفض مستوى العلاقات مع إسرائيل إلى أبعد حدّ، ومن ثم التقدم باتجاه إشهار قدوم «العثمانيين الجدد». أضاف في هذا الصدد أن قيادة الجيش التركي لن تتنازل ببساطة عن العلاقات التاريخية الخاصة مع إسرائيل، إلا أنها بعد الحرب على غزة لا تستطيع أن تواجه الانتقادات الحادة والرفض الشعبي لطابع العلاقة الحالي بين تركيا وإسرائيل. اتفق الكاتب إيلان باك مع زئيفي في تأكيده أن الخطوة التركية ضد إسرائيل تأتي في إطار رؤية إستراتيجية شاملة، وأضاف في مقال نشرته صحيفة «معاريف» قائلا: «إنه في الأوقات التي تمد فيها تركيا يدها إلى أعدائها في الماضي (يقصد أرمينيا)، تتخذ الحكومة في أنقرة خطا معاديا، آخذا في التطرف حيال الحليف الأكبر السابق (إسرائيل)، وليس ذلك انفعالا لحظيا بما جرى في غزة، ولكنه تعبير عن سياسة فك ارتباط مقصودة ترمي أيضا إلى المس بمكانة الجيش التركي، الخصم الأساسي لحكم أردوجان»، على حد تعبيره. وزعم باك أن أردوجان يحاول استغلال الحملة المناهضة لإسرائيل من أجل إيجاد ميزان ردع جديد في مواجهة القوى العلمانية. ودعا بلاده إلى شن حملة لإقناع دول أوروبا بعدم السماح بضم تركيا إلى دول الاتحاد الأوروبي. من ناحية أخرى حذر رون بن يشاي المعلق العسكري البارز في صحيفة «يديعوت أحرونوت» من التداعيات الإستراتيجية الخطيرة التي تنطوي عليها توجهات تركيا الأخيرة إزاء إسرائيل، وفي مقال نشرته النسخة العبرية للصحيفة، قال «أود أن أذكّر بأن تركيا المسلمة كانت ولسنوات طويلة حليفة أمينة ووفية لنا.. إلا أن التعاون العلني والسري بين تركيا وإسرائيل تقلص في أعقاب الحرب على القطاع»، منبها إلى أن الالتفاف الجماهيري الواسع حول أردوجان سمح له بالمناورة أمام قيادة الجيش. وتطرق بن يشاي إلى حجم الخسائر الاقتصادية الضخمة التي ستتكبدها تل أبيب جراء التدهور في العلاقات مع أنقرة، مشيرا إلى أن تركيا تشتري كل عام معدات عسكرية من إسرائيل بمئات الملايين من الدولارات. وقد فضلت مؤخرا شراء قمر تجسس من إيطاليا، ورفضت شراء قمر من إسرائيل على الرغم من أن القمر الإسرائيلي أكثر تطورا وأقل تكلفة. وذكر أن المسؤولين الإسرائيليين فضّلوا عدم التعليق على الخطوات التركية خشية أن يؤدي ذلك إلى استفزاز الأتراك. وأضاف: «تركيا لم تعد شريكا إستراتيجيا أمينا لنا، وهذا يضر بأمننا القومي، لأنه يمسّ قوة الردع الإسرائيلية أمام كل من سورية وإيران». أوضح بن يشاي أن الخسائر التي تتكبدها إسرائيل بسبب حربها الإجرامية على غزة لا تتوقف على ردة الفعل التركية، بل تتعداها إلى ردة فعل عالمية شاركت فيها دول كثيرة في أوروبا وأميركا الجنوبية وأفريقيا. وحذر من السيناريو الذي تصبح إسرائيل بمقتضاه مطاردة من قبل العالم، كما طورد نظام التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا. ودعا الحكومة الإسرائيلية إلى إنهاء ملف الجندي جلعاد شاليط المختطف لدى حركة حماس، مذكرا أنه «بات واضحا أن الضرر الناجم عن مواصلة حصارنا لغزة كبير جدا، وهو أكبر من أي خطر أمني ناجم عن إطلاق سراح مئات المعتقلين الفلسطينيين، من هنا يجب إنهاء هذا الملف حتى يتسنى رفع الحصار عن غزة ولا يكون مسوغا لمحاصرة إسرائيل»، على حد تعبيره. ألا ترى مفارقة في أن إسرائيل قلقة جدا من غضب تركيا، لكنها مطمئنة تماما إلى موقف مصر؟! الرؤية الأربعاء, 28 أكتوبر 2009