لم يبق على إعلام الألفية الثالثة إلا أن تقوم وسائلُ الإعلام بتلحين نشرات الأخبار ، بحيث يكون لكل خبر من الأخبار لحنٌ مميز يميزه عن غيره من الأخبار . إن هذه الفكرة ليست خيالية ، ولكنها واقعية ، فبعد أن حوّلت كثيرٌ من وسائل الإعلام الأخبارَ، من رسالة إعلامية سامية ، ترمي إلى نشر الثقافة والوعي، وتهدف إلى ربط البشر نفسيا وعاطفيا وفكريا ، إلى (برامج) للتسلية والترفيه ، وإلى فقرات هدفها النهائي هو تسويق وجوه الحسناوات وأجسادهن؛ فإن موعد تلحين نشرات الأخبار قد أزف ، ويجب أن نجهز له الملحنين والموسيقيين والمخرجين والمنتجين ! فمن يتابع مذيعي ومذيعات نشرات الأخبار في الفضائيات، يلاحظ بأن أكثر الفضائيات تعمد إلى التنافس في استقطاب الفتيات جميلات القسمات الشكلية ، بغض النظر عن قدراتهن الفكرية واللغوية . وأصبح مألوفا أن تُضفي كثير من القنوات الفضائية على جو الأخبار سمة برامج الترفيه، فيقوم مخرجو نشرات الأخبار هذه الأيام بمهمة مصممي الأزياء ، فيقومون بعرض أجساد الجميلات بالكامل مقبلات ومدبرات ، بعد أن تحول استوديو الأخبار في كثيرٍ من القنوات الفضائية إلى مسرح للرقص ، تمارس فيه الفاتنة عرض جسدها باستخدام الأخبار ! وليس مهما أن تكون الأخبارُ ، أخبار دمار أو زلازل أو صراعات ، بل الغاية النهائية من الأخبار هو الإمتاع والأنس لجماهير المشاهدين ، وبخاصة من الرجال ! وأنا بالطبع لا أقصد بأن تظل الأخبار حكرا على وجوه الرجال الأشداء الأقوياء عابسي الوجوه من مطاردي حركات الشكل العربية ، الفتحة والضمة والكسرة ، كما كانت في السابق ، ولكنني أعني مؤامرة تحويل نشرات الأخبار ، من مادة لتكثيف الجهود وتثقيف البشر ، وإعلام الناس لغرض تحشيدهم في مواجهة المخاطر ، إلى مادة أوبريتية ، تنقصها الموسيقى الراقصة ! ومن مخاطر تحول الأخبار إلى أوبريتات تُغنى على أفواه الجميلات ، أن غايتها تتغير من التثقيف إلى الإمتاع ، فينتفى من الغاية (التحريض) وهو جوهر المادة الإخبارية ! وحين تتحول الأخبار إلى عرضٍ نسائي للأزياء والأجساد ، فإنها تتحول إلى " تسالي" ! فتتحول أكوام أجساد ضحايا أحد الزلازل والدمار الشامل بعد حربٍ ، أو صور هياكل أطفال المجاعات إلى وسيلة ترفيه، ويعتادها الصغار والكبار، وهذه قد تثير بعد الآهات والألم ، ولكنها لا تتحول إلى جهدٍ عملي. ويبدو أن تحول الأخبار إلى أغانٍٍ ، أو اسكتشات ملحنة أمرٌ مقصود ، يهدف أيضا إلى إقصاء السامعين نفسيا عما يدور من أحداث ، وجعلهم لا يشعرون ببشاعة ما يدور في العالم من أحداث مأساوية ، وبتكرار عرض الأخبار المأساوية في اسكتشات غنائية على أفواه الحسناوات، فإنها تصبح أمرا مستحبا وسائغا ومقبولا ،ويجعل الأخبار تتحول من مادة تشغل العقل إلى عاطفة جنسية ! وهناك أشكالٌ عديدة من العروض الإخبارية الموسيقية الجديدة ، فهناك فضائية عربية تعرض أخبارا راقصةً ً ، وتترك لراقصة الأخبار الحرية في عرض تفاصيل جسدها بالكامل ، بينما تقوم فضائية أخرى بعرض فاتنة أخرى ، يجاورها مطربٌ شاب من مطربي الأخبار ، وفي المقابل تُصرُّ قناة فضائية أخرى أن ترينا الحزام المزركش الذي تضعه مطربة الأخبار على وسطها ! وقد تمكنت فضائيات كثيرة من أسر المشاهدين الذكور ، قبل بدء الأغاني الإخبارية بدقائق بمشاهدة رقصة الأحوال الجوية، التي تؤديها في الغالب راقصة أمام خريطة العالم ! وفي هذا الإطار فإن سياسة كثير من القنوات الفضائية لا تهدف فقط للإطاحة بالنظام الإخباري التقليدي الصارم المتجهم، بل تهدف إلى هدف آخر يسيء إلى النساء ، وهو تسليعهم ، وتوظيفهن من أجل غاية واحدة ، هي فقط جلب الإعلانات للقناة الفضائية، بتكثير عدد المشاهدين والمشاهدات !