رئيس الجمهورية يقلد بطل السباحة العالمي أحمد الجوادي بالصنف الأول من الوسام الوطني للاستحقاق في قطاع الرياضة    رئيس الجمهورية يستقبل رئيسة الحكومة في جلسة خصصت للتداول حول عدد من المواضيع التي تتعلق بسير عدد من المرافق العمومية    مصر.. الكشف عن قضية غسل أموال كبرى عبر تيك توك    قيس سعيّد: الشعب التونسي سيُحبط محاولات التنكيل به وتأجيج الأوضاع    الخطوط الجوية الفرنسية تعلن عن اختراق أمني لبيانات المسافرين... وتحذر من رسائل مشبوهة    "قتلوا للتو بيليه فلسطين " .. أسطورة مانشستر يونايتد يهاجم إسرائيل    رئيس الجمهورية يستقبل البطل التونسي أحمد الجوادي    النادي الصفاقسي يعزّز رصيده البشري تحضيرا لانطلاق نشاط البطولة الوطنية    بعد عقد على إغلاقها.. تونس تعيد افتتاح قنصليتها في بنغازي    تعرض لأزمة صحية شديدة.. نقل الفنّان المصري محمد منير الى المستشفى    متابعة للوضع الجوي لهذه الليلة..    سياحة: تونس تسجل أرقاما قياسية في عدد الوافدين والإيرادات خلال النصف الأول من عام 2025    مستقبل القصرين: انهاء مهام المدرب ماهر القيزاني    تاريخ الخيانات السياسية (38): قتل باغر التركي    20 ألف هكتار مهددة: سليانة تتحرك لمواجهة آفة 'الهندي'    في دورتها الثلاثين... تتويج مبدعات تونسيات بجائزة زبيدة بشير... التفاصيل    إيقاعات إفريقية في قلب العاصمة: ديان آدامز يحيي سهرة استثنائية بساحة النصر    ماكرون يأمر بتعليق إعفاء التأشيرة للجوازات الجزائرية الرسمية    مدير جديد لوكالة التحكم في الطاقة    604 تبليغ بشأن امدادات مياه الشرب    مبادرة لتنظيم "الفرنشيز"    حسّان الدوس في مهرجان ليالي المهدية: فلسطين في القلب... ولمسة وفاء لزياد الرحباني    بنزرت الجنوبية: وفاة مسترابة لإمرأة مسنة    مكانة الوطن في الإسلام    بوتين يجتمع إلى مبعوث ترامب في الكرملين على مدى 3 ساعات    بطولة الرابطة المحترفة الاولى: الاولمبي الباجي يعلن عن تسوية كل النزاعات والمشاركة في البطولة    قفصة : برمجة 18 مهرجانا صيفيّا خلال هذه الصائفة    عاجل/ مقتل وزيرين في تحطم مروحية بهذه الدولة..    عاجل: لقاء الترجي مهدّد بالتأجيل... وهذا هو السبب !    مدنين: فتح تحقيق في ملابسات وفاة شاب أثناء شجار مع عدد من الأشخاص    السالمي: إلغاء جلسات التفاوض حاجة خطيرة وبرشة حاجات صارت اليوم تفوق الخطورة    اعتقال شقيق الممثلة أسماء بن عثمان في أمريكا : زوجته تكشف هذه المعطيات    مهرجان مرايا الفنون بالقلعة الكبرى من 15 إلى 24 أوت 2025    فتح باب الترشح للطلبة التونسيين للتمتّع بمنح دراسية بمؤسّسات جامعية بالمغرب وبالجزائر    توننداكس يسجل تطورا ايجابيا قارب 31ر16 بالمائة خلال النصف الأول من سنة 2025    ما هي التطورات المتوقعة في قطاع الاستهلاك الصيني؟    نجم المتلوي يعزز صفوفه بالمهاجم مهدي القشوري    عاجل : الحرس الوطني يكشف معطيات حول فاجعة اشتعال النّار في يخت سياحي بسوسة    عاجل- سوسة : غرفة القواعد البحرية للتنشيط السياحي تنفي و توضح رواية السائحة البريطانية    50 درجة حرارة؟ البلاد هاذي سكّرت كل شي نهار كامل!    عاجل: دولة عربيّة تعلن الحرب عالكاش وتدخل بقوّة في الدفع الإلكتروني!    عاجل/ رئيس قسم طب الأعصاب بمستشفى الرازي يحذر من ضربة الشمس ويكشف..    علامات في رجلك رد بالك تلّفهم ...مؤشر لمشاكل صحية خطيرة    كيلي ماك.. نجمة The Walking Dead تخسر معركتها مع المرض    الحمامات: وفاة شاب حرقًا في ظروف غامضة والتحقيقات جارية    اتحاد الشغل يردّ على شائعات "هروب الطبوبي": ملا تفاهات وأخبار زائفة!؟    لبنان يغيّر اسم شارع حافظ الأسد إلى زياد الرحباني    ماء الليمون مش ديما صحي! شكون يلزم يبعد عليه؟    إحداث قنصلية عامة للجمهورية التونسية بمدينة بنغازي شرق ليبيا    الرابطة المحترفة الاولى : شبيبة العمران تعلن عن تعاقدها مع 12 لاعبا    جريمة مروعة تهز هذه الولاية..والسبب صادم..#خبر_عاجل    أوساكا تتأهل إلى قبل نهائي بطولة كندا المفتوحة للتنس وشيلتون يُسقط دي مينو    فرنسا: حريق ضخم يلتهم آلاف الهكتارات بجنوب البلاد    مهرجان قرطاج الدولي 2025: الفنان "سانت ليفانت" يعتلي ركح قرطاج أمام شبابيك مغلقة    تاريخ الخيانات السياسية (37) تمرّد زعيم الطالبيين أبو الحسين    دبور يرشد العلماء ل"سرّ" إبطاء الشيخوخة..ما القصة..؟!    عاجل- في بالك اليوم أقصر نهار في التاريخ ...معلومات متفوتهاش    التراث والوعي التاريخيّ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإصلاح والفرصة الضائعة :عبدالسلام المسدّي
نشر في الفجر نيوز يوم 18 - 11 - 2009

حين انطلقت في تونس أشغال قمة الملوك والرؤساء العرب السادسة عشرة (22 – 23 مايو 2004) بعد أن تأجلت سبعة أسابيع عن موعدها الأول كان كثير من آمال مؤتمر الإسكندرية حول قضايا الإصلاح العربي الذي انعقد قبيْل موعدها الأول قد تبخرت. كان واضحاً أن فكرة الإصلاح أثقلُ من أن تتحمّلها النفوس السياسيّة في واقعنا العربي لا سيما إذا اقترنت بصيغة أمْريّة جازمة، سواءٌ وفدت من الخارج أو انبثقت من الداخل، فنحوَ الخارج كان الرد الذي أجمعت عليه رموز السياسة الرسمية أننا بلدان ذات سيادة، ونحوَ الداخل أن لبلداننا خصوصيّات وهي التي تحدد طبيعة الإصلاح ونسقه، ولا مجال لوصفة جاهزة. والذي زاد في حساسيّة السياسيّين العرب صدورُ التصورات والحلول من المجتمع المدني، وفكرةُ المجتمع المدني نفسُها لم تنضَج بعدُ عربيّا، بل إن واقعنا العربي هو الذي لم ينضج بعدُ لاستساغتها والاعتراف بها. ومهما قلّبت بين الأوطان فلن تعثر على موطئ ترى فيه انسيابا في العلاقة بين السلطة وما يسمى بالمنظمات غير الحكومية. لذلك تقول إن الأشراط الأوليّة الدنيا لقيام الديمقراطية السياسية على الشكل الأمثل لم تتحقق بعدُ.
وكانت اللغة على موعد لتستوعب -لفائدتها وعلى حسابها في آن واحد- الجدلَ السياسي العميق تحت غطاء البحث عن الأبلغ والأفصح والأرشق، وهكذا تحوّل الهمّ التاريخي الأكبر من مسمّيات القضايا إلى أسمائها، وكم يعاني واقعنا العربي من تلك الاهتزازات النفسيّة الشائعة بيننا حتى الآن، والتي هبط بها علينا هدير سيول التاريخ المتجمّعة تطفو على سطحها الرّغى البيضاءُ: فكم نرى صاحبَ الأمر يخطب حول المعضلات، وبمجرّد أن تفيض قريحته بالصياغة البليغة في التصريح بها، وفي تشخيصها، ثم في رسم خريطة علاجها، حتى يبتسم انتشاءً، وتعلوَ وجهَه ملامحُ البِشر، وقد يبادر أهل الولاء بامتداحه فيتلقى التهانيَ معضودة بالدعاء الزكيّ: «لا فُضَّ فوك». وكأن في اللغة سحراً إذا وَعدت أنجزت، وإذا قالت فعلت.
منذ البداية كان على الخِوان شرطٌ مبدئي وهو الاستغناء عن لفظ الإصلاح رغم تعلق بعض الدول به وفي مقدمتهم: البلدُ المستضيف تونس، ومصرُ التي اصطحبت معها وثيقة الإسكندرية بعد أن تولى رئيسُها افتتاحَ مؤتمر الإصلاح العربي وتثمينَ جهود المجتمع المدني في الوطن العربي قاطبة. وقدّم الأشقاء السعوديون بديلا لكلمة الإصلاح، إذ كان الحوار اللطيف الناعم دائراً حول الدالّ لا حول المدلول، لأن المدلول مسكوت عنه بافتراض أن أمره محسوم لدى الجميع، ودلالته في الضمائر والنفوس أوضح من أن يُختلَف عليها! كان البديل المقترح هو لفظ التغيير، وهو لفظ عريق، أثيرٌ في القلوب، ولم أعجَبْ في حياتي من شيء كما عجبت من تواتر استشهاد الناس والسياسيين خاصة بالآية الكريمة (إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم: الرعد 11) وهي تحكي صدى الآية (ذلك بأن الله لم يكُ مغيّراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم: الأنفال 53). والجميع يسوقونها في معرض الحث على تغيير حال الضعف والهوان إلى حال القوة والسّؤدد عن طريق العمل الكادّ والسعي الدؤوب، وهم يغفلون عن أن التغيير في أصل اللغة خروجٌ من الحال الطبيعية إلى الحال المغايرة، أي مغادرة الوضع السويّ إلى غير السويّ، لأن الغير والغيرية من الدلالات المنبوذة لما تحمله من معانٍ قدحية، وبهذا المعنى تحديداً جاءت الآية الكريمة إذ جاءت تقص قصة الأقوام الذين تجبّروا وظلموا (كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم) الأنفال 52.
لم تكن هذه الدقائق في الخطاب والرقائق في الشروح من هموم المحفل السياسي الأعلى إبان إعداد قمة الملوك والرؤساء، ولكن همسة أخرى جاءت تومئ أن لفظ التغيير غيرُ ملائم، فلفظ التغيير كرّسته أدبيات الخطاب الرسمي في البلد المستضيف للدلالة على النقلة التاريخية التي حدثت في (7 نوفمبر 1987) عندما وُضع حدّ لدولة الاستقلال الأولى وقد شاخت بعد شبابها المتأنق، واهترأت بعد شموخها الوقاد، ووصلت بالبلاد إلى مأزق حادّ جعلها على حافة فتنة ملتهبة، فانبعثت دولة الاستقلال الثانية، وسُمّيت دولة التغيير، وسُمّيَ تاريخها تاريخ التغيير. وقد خفيت هذه اللطائف على الأشقاء السعوديين، وكان ذلك غريبا منهم لما عُرفوا به من حنكة مكتومة بالغة. عندئذ جيء بالبديل الأنسب وهو العهد، وتم إعداد ما سُمّي بوثيقة العهد، والعهد لفظ أثيل، ناصع، شفيف، مُستلهَم من النص القرآني المعجِز، وليس يوجد أصفى منه وأخلصُ كي نؤدّيَ به المعنى الذي نستعمل له جميعا مصطلحَ الالتزام، ومن أبرز دلالاته المضمَرة وظلاله الموحية: (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً) الإسراء 34.
وتمخضت عن القمة العربية السادسة عشرة ثلاثة أشياء: إعلان، ووثيقة، وبيان، الإعلان سمّي إعلان تونس، والوثيقة سُميت وثيقة العهد والوفاق والتضامن، والبيان سُمّي بياناً بشأن مسيرة التطوير والتحديث في الوطن العربي، وفي الأثناء تم تجاهل وثيقة الإسكندرية تجاهلا مطلقا، تلك التي صيغت كي تجسّم –ربما لأول مرة– تآزراً تاماً بين المجتمع المدني والقائمين على مصير الوطن العربي. وتقرأ النصوص الثلاثة فترى يقينا أن اللغة على لسان القادة تركَب مركبا صعبا، إنها تتقاطر خجلا وإعياءً، كأن على أكتافها أحمالا تريد أن تلقيَها أرضا وتمرّ: (استمرار الجهود وتكثيفها لمواصلة مسيرة التطوير في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية تحقيقا لتقدم المجتمعات العربية النابع من إرادتها الحرة بما يتفق مع قيمها ومفاهيمها الثقافية والدينية والحضارية وظروف كل دولة وإمكانيّاتها). وغير عسير عليك –إن شئت أن تتسلى– أن تشرح هذا النص فتخرج لك منه لآلئ الفِكَر وجواهر الرؤى فتسعد أيما سعادة، وأن تشرحه دون عسف في التأويل فلا تظفر منه إلا بسرابٍ كلما دنوتَ منه نأى عنك.
فإن أخذك الكد وأضناك التملّي فتستعْجَب كيف استساغ الحريصون جدا على طهارة اللغة ونقاء ألفاظها باسم الصفاء الأجلّ أن يقبلوا لفظ التطوير وهو مستحدَث، مولَّد لم ينطق به الأوائل على صيغة الفعل أصلاً، وكيف استساغوا عبارة التحديث وهي قرينة الحداثة، والحداثة –في رأي السلف– بدعة وكل بدعة ضلالة... ولك أن تعيد قراءة تلك النصوص وقد تبيّنت الآن بعد مضي كل هذه الأعوام ألا أحد من القادة العرب اتخذ يوماً باسم الإصلاح السياسي قراراً وقال إنه به ينفذ وصايا القمة. ولكنك ستستمتع ببعض مفاصل الخطاب، وتستطيب ترتيلَها لأنها تدغدغ لديك غريزة الحُلم: (تعميق أسس الديمقراطية والشورى، وتوسيع المشاركة في المجال السياسي والشأن العام وفي صنع القرار في إطار سيادة القانون، وتحقيق العدالة والمساواة بين المواطنين، واحترام حقوق الإنسان وحريّة التعبير وفقا لما جاء في مختلف العهود والمواثيق الدولية والميثاق العربي لحقوق الإنسان، وضمان استقلال القضاء، بما يدعم دور مكوّنات المجتمع كافة بما فيها المنظمات غير الحكومية، ويعزز مشاركة فئات الشعب كافة، رجالا ونساء، في الحياة العامة ترسيخا لمقومات المواطنة في الوطن العربي).
وبصرف النظر عما يقتضيه الالتزام بمقتضيات الواقع العربي وحيثيات خصوصياته، وعمّا يَحُف بتقويمنا لمنجَز بيت العرب من تفهّم ورضا، أو من احتراز وتشكك، فإن معيارا قويا يندفع أمام ناظرنا ولا مجال للاختلاف في أمره، وهو أن حصيلة القمة لم تقدّم رداً تاريخياً مقنعاً تواجَه به مبادرة الإدارة الأميركية المتعلقة بالشرق الأوسط الكبير كفضاء (جيو- سياسي) وبالتالي (جيو- استراتيجي) يتطلب نشر الديمقراطية. ومِن عبث التاريخ أن هناك –مِن غير العرب– مَن سيتصدى لمشروع الشرق الأوسط الكبير.
العرب
2009-11-18


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.