صار من الثابت أن العمل الجماعي المنظَّم ضرورة بشرية وحاجة إنسانية ، كما أنه وسيلة لازمة لكل مشروع مجتمعي للإصلاح، والانتماء لجماعة ما فرصة لتوحيد الجهود وتوظيف الطاقات وتعظيم العائد وتحقيق الأهداف والطموحات المنشودة ، هذا العمل الجماعي وخاصة في مجال الدعوة إلى الله له جملة متطلبات قد تختلف في كثير من الأحيان عن أي عمل جماعي حزبي أو نقابي لاعتبارات كثيرة ترجع لسمو مقاصده وغاياته فضلاً عن منظومة القيم والأعراف التي يرتكز عليها ويدعو لها، كما صار من الوارد والطبيعي أيضاً حدوث بعض الحراكات داخل مؤسسة الجماعة – أي جماعة - ولأسباب متعددة ترتبط أحياناً بضخامة مشروعها أو طول طريقها أو كثرة التبعات التي تتحملها أو نمط إدارتها أو تغير الأولويات لديها في بعض مراحل العمل أو الاختلاف وعدم الاتفاق حول القضايا والمسائل والمواقف الأساسية أو المناخ العام التي تتحرك فيه ، مساحات الإتاحة أو التضييق ، مما يترتب عليه مغادرة البعض لجماعته أو الاختلاف معها ،وهو سلوك صار سنة من سنن ديناميكية الجماعات العاملة في مجال الإصلاح المجتمعي بغض النظر عن أيدلوجيتها مروءة ووفاء متبادل وبرغم سنة الاختلاف بل المغادرة والانسحاب ، هناك إشكالية قد تتحول إلى أزمة داخل التيارات العاملة في مجال الدعوة الإسلامية، وهي مدى تقبل واستيعاب هذه الظاهرة أو التعاطي المتزن معها ، لذا هناك جملة متطلبات بل حقوق وواجبات متبادلة بين الفرد والجماعة يجب مراعاتها والالتزام بها عند حدوث هذه الظاهرة "الاختلاف أو المغادرة والانسحاب" فعلى الجماعة ألا تنظر إلى المختلف معها من أبنائها أو المغادر لها كالخارج عن جماعة المسلمين والخارج عن الصراط المستقيم والضال عن سواء السبيل، فيستدعى البعض الآيات والأحاديث التي تصب في خانة من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام عن عنقه إلى أن يرجع"، ويُنعَت بالمارق أو النشاز أوالمتساقط في طريق الدعوة، وقد يصل الأمر إلى التشهير وكَيْل التهم والتشكيك في النوايا وغير ذلك مما يترتب عليه إجراءات إقصائية لو كان من المختلفين أو حكمية إن كان من المغادرين المنسحبين " مكررة خطأ النظم السياسية في عالمنا العربي والإسلامي من توظيف المؤسسات الدينية فتصدر عنها المواقف والفتاوى والتصريحات بغطاء شرعي ومضمون سياسي " مع تجاهل كل ما قدَّمه للدعوة من داخل التنظيم وما قد يقدِّمه من خارج التنظيم، ومع تجاهلٍ لحقيقة أن العمل للإسلام وللدعوة يمكن أن يكون من مواقع مختلفة ومن جبهات متعددة ومن ثغور كثيرة، وأن الأساس في ذلك هو التكامل والتعاون ، المهم أن يبقى الإنسان المسلم عاملاً لدينه في كل موقع وميدان ، وفي الطرف الآخرعلى الفرد ألا ينزلق نحو تسفيه جماعته وتحقير أعمالها ، والتقليل من دورها و أهميتها وألا يسعى بين إخوانه القدامى بالنجوى الممقوتة وألا يتجاوز فينال من الأشخاص وتختزل الجماعة كلها برصيدها وتاريخها في فكره إلى موقف أو شخص ويتحول الخلاف العام إلا خلاف شخصي تسقط فيه أبسط الحقوق الإنسانية والإسلامية وألاتتحول الخصومة والاختلاف إلى الفجور الذي حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم حين وصف فريق من الناس " وإذا خاصم فجر" بل عليه ألا يتناسى حسنات الحركة وفضلها عليه ودورها في إنضاج أفكاره وقناعاته، وفي تشكيل شخصيته وتصوراته، وفي الأخذ بيده وصقل مواهبه، وربما في هدايته و تربيته وتكوينه ، وألا يفقد قيم الوفاء وحفظ الجميل وشكر المعروف، وألا تغلبه نفسه فيسعى للانتصار لها مهما كان الثمن "الكلفة الباهظة عليه وعلى الجماعة بل وعلى رصيد العمل الإسلامي ذاته" وألا يتجاوز قيم العدل والقسط والإنصاف وأن يحكم الجميع القاعدة الذهبية نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا البعض فيما اختلافنا فيه ، عذر تحكمه المروءة والاحترام المتبادل من غير من ولا أذى لأن الفرد والجماعة كلاهما مسئول عن حماية القيم وحراسة المبادئ ويحضرني قول القائل "الحر من رعى وداد لحظة " وما نسب للإمام علي رضي الله عنه حين ضمن رجل أصاب حداً ذهب في حاجة حتى يعود ، وعندما عاد سأله القوم ، لما عدت وقد أصبت حداً : قال : خشيت أن يقال أن الوفاء ضاع بين الناس ! فرد الإمام علي وأنا ضمنتك خشية أن يقال أن المروءة ضاعت بين الناس. نعم إنها فريضة حماية القيم وحراسة المبادئ كاتب مصري