الاعوام تمرّ و "السميقار" يغرق بقلم جورج عدة كما في بداية كل سنة، نشر المعهد الوطني للاحصاء خلال شهر جانفي النسبة الرسمية للتضخم لسنة 2007 التي بلغت 3,1 . ورغم أن بعض الاقتصاديين والمناضلين النقابيين يقدمون، وهم محقين في ذلك ملاحظات واحترازات وانتقادات حول الطريقة المعتمدة في تصور واحتساب هذه النسبة فانني أقبلها للقيام بالمقارنات مع السنوات السابقة مستعملا أيضا جدول الضوارب لسنة 2008 الذي نشره السيد وزير الشؤون الاجتماعية في العدد 11 من الرائد الرسمي للجمهورية التونسية بتاريخ 5 فيفري 2008. وهكذا أمكنني وضع جدول يبرز تطور الدخل الشهري للسميقار : ملاحظات أساسية أستنتج مما سبق الملاحظات آساسية : (1 ) خسر المدخول الشهري للسميقار (بالدينار القار) 89;194 دينار أي 24;55 بين 31 ديسمبر 1983 و31 ديسمبر 2007. (2) خسر السميق لوحده (بالدينار القار) بين 31 ديسمبر 1983 و 31 ديسيمبر 2007 مبلغ 51،170 دينار أي 19.25 (3 ) كانت الملاحق الآربعة للسميق تمثل في 31 ديسمبر 1983 نسبة 14,35 من السميق وآصبحت في 31 ديسمبر 2007 لا تمثل سوى 14.35 منه مسجلة بذلك خسارة كبيرة جدا. (4 ) بين 31 ديسمبر 1983 و 31 ديسمبر 2007 سجل مجموع الملاحق الآربعة للسميق (بالدينار القار) خسارة ب 32.377 دينارا أي بنسبة 48,57 . عندما آعلن عن الزيادة الآخيرة للسميق ،السماق (الأجر الأدنى الفلاحي المضمون ) في 12 أوت 2007 كتبت صحيفة لوطون (le Temps ) تعليقا عن ذلك ... «ان نسق تحسين المقدرة الشرائية سوف يتواصل ...» لقد بحثت طيلة سنوات دون جدوى عن أي شيء يشبه أو يقارب تحسين المقدرة الشرائية كما يقولون رغم أن السميق سجل 27 زيادة بين 31 ديسمبر 1983 و31 ديسمبر 2007 ذلك أن السميقار خسر في حقيقة الأمر قرابة ربع مقدرته الشرائية. هذه هي الحقيقة التي يعرفها ويعيشها العمال والناس البسطاء والفئات الوسطى ، كل الناس يشتكون لأنهم يرزحون تحت وطأة حقيقة انخفاض مدخولهم الشهري بالدينار القار أي بعبارة آخرى انخفاض مقدرتهم الشرائية نتيجة التضخم ،انزلاق الدينار أي فقدانه لقيمته الشرائية وهما مرضان مزمنان يصاحبان المقدرة الشرائية للأجراء. أربعةأمثلة عن انخفاض المقدرة الشرائية لنأخذ بالصدفة 4 أمثلة عن هذا الآمر : (1) لقد تمت المحافظة في أوت 2007 عن سعر الخبزة الكبيرة (240 مليم ) لكن وزنها انخفض من 450 غرام الى 400 غرام وهكذا نجد أن سعرها زاد في حقيقة الأمر وفي نفس التاريخ ليمر من 533 مليم الى 600 مليم، فقد زاد سعر الكيلو غرام للخبزة الكبيرة 12,57 في حين أن السميق زاد في نفس اليوم ب 3,68 هذا هو الانخفاض في المقدرة الشرائية ! (2 ) لقد كانت منح المرض تحتسب الى حد صدور قانون 2 نوفمبر 1998 على أساس الأجور المصرّح بها لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي مسبقة بما يفوق بقليل ثمانية أجور دنيا (سميق) وهكذا كان كل العمال المختصين والاطارات يتمتعون بتغطية محترمة ضد المرض لكن بداية من صدور القانون الشهير في 2 نوفمبر 1998 أصبح الأجر الشهري الجملي المعتمد في حساب منح المرض محددا ومسبقا بضعف الأجر الأدنى (سميق) وبهذه الصفة فقد سجلت المقدرة الشرائية لمختلف أصناف العمال (التنفيذ والتسيير والاطارات) في حالة المرض انخفاضا رهيبا. لنأخذ معا مثال اطار متوسط يتقاضى 1200 دينار في الشهر فقد كان من قبل يحصل على منحة مرض ب 800 دينار لكنه أصبح بعد قانون 1998 لا يتقاضى سوى 319,765 دينار أي بخسارة تقدر ب 480,235 دينار أو ب 60,03 . هذا هو الانخفاض في المقدرة الشرائية ! (3 ) لقد كان العلاج (فحوصات، أدوية، ايواء استشفائي الخ..) مجانا في الهياكل الصحية العمومية (الفصول 91 الى 96 من القانون الشهير 60 / 30.) لكن منذ سنوات عديدة ورغم أن هذه الفصول لم تنقح أو تلغى آو تعوض أبدا فقد تم إقرار معاليم تعديلية يدفعها المضمون الاجتماعي عن كل عمل طبي أو أدوية مع الملاحظة وأن الأدوية أصبحت الآن مفقودة أكثر من صيدليات المستشفىات، هذا هو الانخفاض في المقدرة الشرائية ! (4 ) بالنسبة لكل الأجراء يمثل الراتب الذي يتقاضونه مجموع عناصر عديدة لنأخذ بطاقات خلاص الآساتذة والمهندسين الأول وأعوان شركة الكهرباء والغاز والسكك الحديدية فسوف نجد أنها تحتوي على عشرة عناصر فأكثر والتي إذا جمعناها تشكل الراتب الجملي، وهذا النظام موجود ويستعمل كقاعدة في النقاشات والمفاوضات، لهذا يجب تطبيقه أيضا على السميقار. وهكذا سوف نلاحظ أن السميق في حد ذاته قد فقد 19,25 بين 1983 و2007.وأن العناصر الأربعة الملحقة به قد فقدت 48,57 خلال نفس الفترة . وإذا جمعنا كامل مدخول السميقار فسوف نجد كما قلنا في بداية هذا المقال أن الخسارة الشهرية بالدينار القار تصل الى 24,55 أي ربع المدخول إنه لأمر مهول ! فوق التصور ! غير مقبول ! ولا يحتمل ! ماذا عن نسبة النمو ؟ إن العامل ومعه العرف يطرحان السؤال : كيف وصلنا الى هذه الحالة، الى هذا التجميد؟ ذلك أن تونس الأعماق تونس أسفل السلم، تونس المستهلكين أصبحوا غير قادرين على الشراء، لأنه لم يعد لديهم مال يمكنهم من الاستهلاك، ذلك أن التجار ( الذين لا علاقة لهم بالمغازات الكبرى والفضاءات العملاقة) على حافة الإفلاس، ذلك أن 10,000 صناعي صغير ومتوسط ممن ينتجون للسوق الداخلية أصبحوا في حيرة واضطراب كبيرين. ورغم ذلك فبلادنا تتحصل على عدد محترم من طرف منتدى دافوس الذي يضم أقوياء وأثرياء العالم ومن ناحيتهم يمجد اقتصاديون مهتمون بالاقتصاد الكلي والاقتصاد الوطني عن حق الانجازات الاقتصادية لتونس والتي بلغت نسب نمو أكثر من مرضية. لكن كيف نفسر أننا نسجل كل عام نسب نمو جيدة من جهة وفي نفس الوقت نسجل هذه الخسارة المزمنة في المقدرة الشرائية للرواتب الجملية للأجراء من جهة ثانية. لنأخذ أرقام نسب النمو للسنوات الأربع الأخيرة: 2004 6,1 % 2005 4,0 % 2006 5,5 % 2007 6,3 % إنه يحق لنا أن نفتخر بهذه الأرقام فكبار الدول الأوروبية مثل ألمانيا وايطاليا وأسبانيا تغار منا والولايات المتحدة الآمريكية لم تعد تسجل نسب نمو أكثر من مرضية لكنّ كيف نفسر أننا نسجل كل عام نسب نموّ كهذه. اما فرنسا الغنية فهو تجهد نفسها وترهق ولا تصل الى نسبة نموّ ب %2. وقد يخامرنا التفكير في تقديم النصح الى الرئيس الفرنسي ساركوزي بأن يجمد الأجور الدنيا والرواتب وملحقاتها حتى يضمن تحقيق قفزة عملاقة في نسب النموّ لم يسبق لها مثيل. كيف أمكننا ان نسجل خسارة في المقدرة الشرائية للسميقار ب %25 في 24 سنة وان نشاهد في شوارعنا هذا العدد المرتفع باستمرار للسيارات الضخمة التي تدعى 4x4 وغيرها من الانواع الفاخرة؟ كيف نبني هذا العدد الكبير من الفيلات الفسيحة جدا بمسابحها وجنانها في المنطقة الجديدة على ضفاف البحيرة وفي النصر وغيرها؟ كيف امكن للتجمعات الاخطبوطية ان تتطور وتتوسع في كل الاتجاهات وان تضع يدها على الفرص والمشاريع السانحة و»الجميلة» ؟ كيف يتدفق المال بغزارة عند البعض ولفائدة البعض؟ هل يتأثر ذلك بصورة عادية من ميراث اباء وأجداد اقتصدوا وتحسبوا للمستقبل؟ انّ الاجابة بسيطة: كل ذلك متأتي من نسبة النموّ ! ان غالبية الاثرياء الجدد والاثرياء جدا الجدد دخلوا الى عالم المشاريع دون ارصدة ذاتية او بارصدة ذاتية ضعيفة، في حين ان جزء من نسبة النموّ وجّه بطريقة سيئة ليذهب الى الاثرياء ليصبحوا اثكر ثراء في الوقت الذي يشهد فيه العمّال والموظفون والفئات الوسطى مقدرتهم الشرائية في اناقص وبنسب كبيرة (يجب ان لا ننسى ابدا ان السميقار قد خسر خلال 24 سنة قرابة ربع مقدرته الشرائية). إن الحل هو أن نرى رؤساء مؤسساتنا دون أي استثناء أو أي محاباة في وضع مزدهر (في حين أن البعض فقط الآن يستطيعون البقاء) من جهة رمز جهة ثانية ان يكون العمال دون استثناء في وضع يمكنهم من تحسين مستوى عيشهم وان يتداركوا التأخير الشراكة خلال ال 24 سنة الماضية. انّ طموح العامل ليس فقط في ملء بطنه وبطون أطفاله، لكنه يريد أن تتحسن ظروف حياته وحياة عائلته يوما بعد يوم يريد أن يعيش مطمئنا وان يطرد عنه الخوف والحيرة، يريد أن يتنزه مع أطفاله وان يدلّلهم يريد أن يشتري لهم كتبا وأقراص مضغوطة cd وحاسوبا. إن هذه الطموحات مشروعة جدا ويجب ان تكون من الحقوق الاساسية للعمال. لماذا يأتون إلى بلادنا ؟ ولتحقيق هذه الطموحات المشروعة يجب أن تتمّ مراجعة جدية في رواتب وأجور العمال انّ مبتهج ان تأتي المؤسسة الكبرى لسيارات BMW إلى بلادنا لتطوير قطاعها الإنتاجي وان يأتي صانع الطائرات الصغرى الفرنسي للانتصاب في تونس وان يفكر ارباص في نقل ورشة الصيانة إلى بلادنا إلخ إلخ لكنّ السؤال الذي يفرض نفسه هو لماذا يأتي «كلّ هؤلاء» إلى تونس؟ ذلك ان «هؤلاء» لا يتصرفون أبدا بالعاطفة فيما يتعلق بأعمالهم إنهم يتصرفون فيها بطريقة دقيقة وبحساب المليم والفرنك إنّ مستوى الأجور وتطورها بعتبر لديهم من الأمور الهامة التي يخزنونها في حواسيبهم وملفاتهم إنهم يعرفون أن السميق الشهري نظام 98 ساعة يبلغ الآن 239,824 دينار (اي 140 اورو) في الشهر وانه قد خسر (بالدينار القارّ) 19,25 خلال 24 سنة وهكذا بسميق فرنسي واحد يمكن ان يُشغل 7 سميقار تونسيين «كل هؤلاء» يعرفوه جيدا أن المهندس الرئيسي كان يتقاضى منذ سنة أجرا قدره 1389 دينار في الشهر (أي817 أورو) وانه قد خسر (بالدينار القارّ) 21,02 خلال 23 سنة ولكن أيضا بأجر مهندس رئيسي أوروبي يمكن ان يشغل 5 مهندسين تونسيين. لأجل هذا يأتون وينتصبون عندنا، ففي عهد الاستعمار، كانوا يأتون من اجل المواد الأولية، الآن ونحن مستقلين يأتون بسبب تكلفة اليد العاملة المتدنية وبوضع شروط معينة. وهذا من ناحيتي غير مقبول تماما إن الموظفين المسؤلين، وأصحاب النزل والبنكاجية، والصحافيين يؤكدون أن منتوجنا السياحي مباع بأقل من قيمته بكثير، ويمكننا القول الآن أن كفاءة وتكوين ومهارة اليد العاملة في بلادنا (عمال وتسيير وإطارات) مقدرة بأقل من قيمتها بكثير، إنّ هذا الأمر خطير وخطير جدا ويجب أن لا يتواصل. ثلاث أمنيات (1) أتمنى أن أرى في يوم من الأيام الأعراف والعمّال يقومون معا (نعم أؤكد معا) بحملة كبرى من أجل زيادة حقيقية في الأجور وملاحقها، زيادة تنشط الاستهلاك والسوق الداخلية، والإنتاج في معاملنا وورشاتنا وتقلص من البطالة، وتعطي نفسا جديدة لنسبة النمو. إنّ هذه القطاعات الخمسة سوف تتلقى بذلك جرعة هامة من الاوكسيجين الضروري. إنّ الأعراف لا يخسرون ايّ شيء بالزيادة في الأجور ذلك أن المال الذي يذهب إلى هذه الزيادات سوف يعود إليهم من خلال الاستهلاك والإنتاج والأرباح. وهكذا فإنّ المصلحة الوطنية ثقتضي أن يقوم الأجراء والأعراف معا بحركة وطنية هذا الاتجاه من اجل مصلحة كل الفئات الاجتماعية وكلّ الأصناف. ( 2 ) أمنيتي الثانية يتعلق بالعدالة الاجتماعية إذ يجب أن ينتفع في المستقبل كل الشعب بثمار النموّ ونسب النموّ التي يجب أن توزع بطريقة عادلة. وفي كلمة يجب أن لا يصبح الفقراء أكثر فقرا والأغنياء أكثر غنى، انّ الامر يتعلق بالإرادة السياسية فعلى الدولة أن تضمن التوازن العادل وان تعطي المثل. ( 3 ) وأخيرا أتمنى ان يجلس مسؤولونا وقادتنا (حكومة، أحزاب، أطراف اجتماعية ومجتمع مدني) حول مائدة لتحديد ميثاق العدالة الاجتماعية بقواعده (التزامات يجب احترامها، وما يجب تفاديه، شفافية على كلّ المستويات، مطاردة الممتلكات والأموال غير المشروعة إلخ....) المفروض، من هنا نبدأ لفض كل المشاكل المتعلقة بالمقدرة الشرائية يجب قبل كل شيء تقديم أجوبة نزيهة ومحايدة عن ثلاثة أسئلة جوهرية: هل يعيش «السميقار « اليوم أفضل من قبل ؟ أم آن حياته أصبحت أصعب من ذي قبل ؟ أم أن «السميقار» وعائلته يجب أن يحرموا أنفسهم أكثر فأكثر؟ جورج عدة – جريدة الشعب - السبت 23 فيفري 2008