لا نتجنى عليهم، أعني حاخامات الدولة العبرية، فنحن نعلق على ما تنقله الصحف الإسرائيلية من فتاواهم الجديدة القديمة. نقول ذلك حتى لا يتهمنا البعض بالتجني على القوم، وتقويلهم ما لم يقولوا. آخر الفتاوى العنصرية التي خرجت من جعبة أولئك، هي تلك التي نقلتها صحيفة معاريف للحاخام شلومو ريسكين، وهو مدير المعهد العسكري الديني في مستوطنة "كرنيه شمرون"، ما يعني أن تلامذته هم عسكريون تحت السلاح. الحاخام إياه لا يأتي بكلام من عنده، فهو يدرّس طلابه الفتوى التي سبق أن أصدرها قبل عامين الحاخام مردخاي إلياهو، أحد زعماء التيار الديني في الدولة العبرية، والتي ترى أن حُكم "العماليق" الوارد في التوراة يمكن تطبيقه بحق الفلسطينيين. في التوراة يأمر "الرب" يوشعَ بن نون "بقتل العمالقة الذين كانوا يتواجدون في أرض فلسطين، رجالهم ونساؤهم وأطفالهم وحتى بهائمهم"، وهو ما استنتج منه ريسكين جواز نهب محاصيل الزيتون الخاصة بالفلسطينيين، وكذلك جواز تسميم آبارهم. قبل أسابيع كشفت ذات الصحيفة (معاريف) عن مضامين كتاب "عقيدة الملك" الذي صدر في الدولة العبرية أيضا، وهو واحد من كتب التحريض البشعة، ومؤلفه هو الحاخام إسحق شابيرا، رئيس مدرسة "يوسف لا يزال حياً" في مستوطنة يتسهار القريبة من مدينة نابلس، وفي الكتاب تفاصيل حول شرائع قتل "الأغيار". و"الأغيار" في العقيدة اليهودية هم كل من عدا اليهود من البشر، وليس الفلسطينيون أو العرب أو المسلمون وحدهم، لكن وقائع الصراع القائم تجعل الفلسطينيين هم المعنيون عمليا بفتاوى الكتاب، وربما اللبنانيين في حال نشوب حرب جديدة ضد لبنان وحزب الله. ثمة نصوص كثيرة نقلتها الصحيفة من الكتاب تؤكد روحية الموقف الذي يتبناه، والذي يعتبر كل ما من شأنه حماية الإسرائيلي مباحاً، حتى لو أدى ذلك إلى قتل أي أحد، محاربا كان أم غير محارب، منتميا إلى الشعب المعادي أم غير ذلك، لكنه يتجاوز حدود البشاعة التقليدية عندما يشرع قتل الأطفال الرضع. فالأطفال الذين يغلقون طريق الإنقاذ، إنقاذ الإسرائيلي مسموح قتلهم. ليس هذا فحسب، إذ يسمح بقتل الأطفال الذين "سيكبرون لإضرارنا"، "ليس فقط في إطار المس بالكبار"، كما يمكن المس بما أسماه "أطفال الملك الشرير"، وهو العدو بالطبع، وذلك من أجل الضغط عليه. والحق أن مثل هذا الكتاب، وليس كلام السياسيين الدبلوماسي هو الأكثر تعبيرا عن عقائد اليهود كما تتوفر في كتبهم "التوراة" و "التلمود"، وإذا كان الأخير نوعا من التفسير، فإن "التوراة" ذاتها في نسختها الحالية تزدحم بالعنف وأوامر القتل لأعداء "شعب الله المختار" ما يتفوق على ما ورد في الكتب والفتاوى الجديدة. والخلاصة أن الحاخامات لا يأتون بشيء من عندهم، بل هي النصوص الكثيرة، بل الكثيرة جدا التي تتوفر في التوراة وتمنح "شعب الله المختار" حق إهلاك الحرث بعد النسل من أجل تحقيق أهدافه. أوامر القتل في التوراة يصعب حصرها، ومن شاء أن يقرأ بعضها فما عليه سوى وضع أية عبارة مشابهة في محرك البحث "غوغل" لتخرج له عشرات النصوص المترجمة من هذه الشاكلة. وقد كانت حرب غزة محطة واضحة لترجمة تلك الفتاوى، لاسيما أنها انسجمت بالكامل مع الأوامر العسكرية الصادرة للجنود بتجنب القتل أو الأسر بأي ثمن، حتى لو أدى ذلك إلى قتل آلاف المدنيين الفلسطينيين وهدم آلاف البيوت، وقد أثبتت التحقيقات التي أجراها القاضي غولدستون ذلك، ومعها شهادات كثيرة لجنود شاركوا في الحرب. في المقابل لم تتورط قوى المقاومة في قتل الأطفال رغم سهولة ذلك، اللهم إلا بالخطأ في بعض العمليات، أما استهداف من يسمون المدنيين، فجاء رداً على استهداف المدنيين الفلسطينيين، رغم أن المجتمع الإسرائيلي مجتمع عسكري يخدم الجميع فيه في الجيش أو الجهات التي تدعم استمرار الاحتلال، فضلا عن كونهم جميعا محتلين لأرض الفلسطينيين وبيوتهم. خلال انتفاضة الأقصى دخل استشهادي من كتائب القسام التابعة لحماس مطعماً بهدف تفجير نفسه، لكن وجود طفل مع أمه في المطعم دفعه إلى ترك المكان، الأمر الذي أثار الريبة وكلفه القبض عليه. للحرب في ديننا فقه ولا أورع، لكن هؤلاء عنصريون، لأن دينهم بطبعته التي يؤمنون بها عنصري أيضاً يمنح الأفضلية للبشر بالوراثة، وفقط عن طريق الأم. كل ذلك لا يلتفت إليه إعلام الغرب ولا دوائره السياسة، بينما تلاحق خطب المشايخ والعلماء في الأخبار والأفلام والبرامج، وكل ذلك في سياق من التحريض على الإسلام والمسلمين، بينما يقف المسلمون عاجزين رغم أموالهم الكثيرة عن الرد بفضح عنصرية الطرف الآخر وهمجية خطابه. • كاتب أردني العرب القطرية 2009-12-09