الجزائر(رويترز)الفجرنيوز: يلتقط غلام عطية إحدى التمور من واحدة من نخيل حديقته ويقول غاضبا: "تموري حلوة المذاق مثل الكراميل.. أريد تصديرها ولكن البيروقراطية تثير الضجر".وتابع: "انظر للتونسيين.. إنهم يصدرون التمور للعالم بأسره.. لما لا نستطيع نحن؟".ما يشعر به المزارع الجزائري من إحباط، مشكلة معتادة يعاني منها الاقتصاد الجزائري الذي انهارت على مدار الأعوام محاولاته لتنويع مصادر الدخل بعيدا عن النفط والغاز بسبب الروتين وعدم إدراك الحكومة لمتطلبات المعاملات التجارية. وتحتاج المشكلة حلا عاجلا، فصادرات الطاقة تجلب سيولة، ولكنها تعرض الاقتصاد لخطر التذبذب في أسعار النفط العالمية ولا توفر فرص عمل لملايين الشبان العاطلين. وأبرزت موجة من الاحتجاجات العنيفة في الشوارع في الأشهر القليلة الماضية التهديد للاستقرار الذي يمثله جيش من الشبان العاطلين في بلد يبلغ تعداده 35 مليون نسمة. ويتركز إنتاج التمور في منطقة "طولقة" على بعد 540 كيلومترا جنوب شرق الجزائر، وهو من الصادرات التي يسعها أن تقدم حلا. وفي بلد يمثل فيه الغاز والنفط 79% من الصادرات، اختفت مصادر أخرى إثر عقود من الإهمال، وتعد التمور ضمن حفنة من المنتجات التي يمكن أن تجد سوقا في الخارج. وينتج معظم المزارعين الجزائرين تمورا تسمى ب"دقلة نور"، وهي مطعمة بمذاق الفواكه، وتباع بأسعار أعلى من التمور العادية في المتاجر الأوروبية بصفة خاصة خلال فترة ذروة الشراء في عيد الميلاد وبداية العام الجديد. والجزائر ثاني أكبر منتج لهذا النوع بعد جارتها تونس، والدولتان تصدران 90% من الصادرات العالمية منه، حسبما ذكرت منظمة الأممالمتحدة للأغذية والزراعة. إهمال حكومي ويتطلب زراعة هذا النوع من التمور ظروفا مناخية خاصة لا تتوافر إلا في منطقة طولقة، وحفنة من الأماكن الأخرى، وخبرة لا يمتلكها إلا مزارعون مثل المقيمين في طولقة الذين توارثت أسرهم زراعته عبر الأجيال. غير أن الصادرات الجزائرية قليلة، ورغم إنتاج 500 ألف طن من التمور سنويا، تشير بيانات وزارة الزراعة إلى أن الجزائر تصدر عشرة آلاف طن فقط بقيمة 50 مليون دولار، ويمكن أن تحصل على سعر أعلى إذا قامت بتصنيعه محليا، ولكن لا توجد مصانع كافية.. يأتي ذلك فيما تبلغ قيمة صادرات الطاقة 67 مليار دولار سنويا، وصرح يوسف غمري، رئيس جمعية مصدري التمور، لرويترز: "لا نعرف كيف نصدر". وحمل غمري الحكومة المسئولية قائلا إن سعر التمور الجزائرية يبلغ مثلي سعر المنافسين في تونس، ويرجع ذلك لبيروقراطية الجهاز الحكومي، إذ يحصل الفلاحون على الدعم متأخرا عامين. كما يخسر المزارعون الجزائريون عند التسويق أيضا؛ لأن الحكومة على عكس ما يحدث في الدول الأخرى لا تساعدهم على المشاركة في معارض تجارية دولية. ويضيف غمري الذي يصدر التمور لليبيا وإيطاليا وإسبانيا: "إذا كانت الحكومة جادة بشأن تنويع الصادرات فيجب أن تبين ذلك بالمساعدة في دخول أسواق جديدة". لكن مسئولين حكوميين في طولقة يردون على هذه الاتهامات بالتأكيد على أنهم يبذلون قصارى جهدهم في حدود الموارد المتاحة لهم. ويقول فتحي الهلالي، المسئول البارز بوزارة الزراعة: إن الدولة "تشجع المزراعين على تحسين الإنتاج والمصدرين على زيادة الصادرات". وذكر أن الحكومة تدرك أهمية تنويع مصادر الدخل لأنه سيأتي يوم ينتهي فيه مخزون البلاد من النفط أو الغاز. نقص الموارد وتجلس رشيدة شبيشب خلف مكتب معدني في طولقة وهي تشارك في مساعي الحكومة لدعم صادرات التمور، ووظيفتها رصد المحصول المحلي، وتساعد الإحصاءات التي تعدها مسئولي الزراعة على فهم كيفية تحسين محصول العام المقبل، ولكنها تعاني من نقص الموارد، وهو مشكلة معتادة تعرقل جهود الحكومة الجزائرية لدعم النمو الاقتصادي بعيدا عن صناعة النفط والغاز. وتقول لرويترز: "كثيرا ما نطلب من المزارعين إرسال سياراتهم كي نزور حدائق نخيلهم ونقوم بعملنا.. تفتقر إحصاءاتنا للدقة". وتعاني من مشكلة أخرى أيضا، فرغم أن مكتبها مزود بجهاز كمبيوتر فإنها حين تحتاج الإحصاءات الخاصة بمحصول التمر تستخدم الورقة والقلم لكتابتها. وتقول: "لم تدرج الإدارة سعر الطابعة وأحبارها ضمن ميزانيتنا؛ لهذا السبب لا زلنا في العصر الحجري هنا".