سفير تونس ببكين: التعاون مع الصين سيشمل كل القطاعات    في تدوينة مؤثرة لشقيقتها: هذا ما قالته سنية الدهماني خلال جلسة محاكمتها..    فضيحة المراهنات تتسع .. إعتقال 8 أشخاص والتحقيق مع 1024 لاعبا في تركيا    بطولة كرة اليد: برنامج مواجهات الجولة الثانية إيابا    عاجل : معلق بريطاني من أصول تونسية يحتجز في أمريكا ...و العائلة تزف هذا الخبر    عاجل/ في عمليتين نوعيتين للديوانة حجز هذا المبلغ الضخم..    من وسط سبيطار فرحات حشاد: امرأة تتعرض لعملية احتيال غريبة..التفاصيل    المشي اليومي يساعد على مقاومة "الزهايمر"..    سليانة: نشر مابين 2000 و3000 دعسوقة مكسيكية لمكافحة الحشرة القرمزية    عاجل: ميناء سوسة يفتّح أبوابه ل200 سائح من رحلة بحرية بريطانية!    عاجل-وزارة الدفاع الوطني: انتدابات وزيادة في الأجور    وفاة نجم ''تيك توك'' أمريكي شهير    حجم التهرب الضريبي بلغ 1800 م د في صناعة وتجارة الخمور بتونس و1700 م د في التجارة الالكترونية    عاجل/ سقوط سقف إحدى قاعات التدريس بمعهد: نائب بالمجلس المحلّي بفرنانة يفجرها ويكشف..    بطولة الماسترس للتنس: فوز الأمريكي فريتز على الإيطالي موزيتي    وزير الداخلية: الوحدات الأمنية تعمل على ضرب خطوط التهريب وأماكن إدخالها إلى البلاد    نابل: توافد حوالي 820 ألف سائح على جهة نابل - الحمامات منذ بداية السنة الحالية    عاجل: منخفض جوي ''ناضج'' في هذه البلاد العربية    تصريحات صادمة لمؤثرة عربية حول زواجها بداعية مصري    عاجل : تحرك أمني بعد تلاوة آيات قرآنية عن فرعون بالمتحف الكبير بمصر    QNB تونس يفتتح أول فرع أوائل QNB في صفاقس    عاجل: معهد صالح عزيز يعيد تشغيل جهاز الليزر بعد خمس سنوات    أقراص طبية لإطالة العمر حتى 150 عام...شنوا حكايتها ؟    نائب رئيس النادي الإفريقي في ضيافة لجنة التحكيم    بعد أكثر من 12 عاما من إغلاقها.. السفارة السورية تعود إلى العمل بواشنطن    مدينة العلوم تنظم يوم السبت 22 نوفمبر يوم الاستكشافات تحت شعار "العلوم متاحة للجميع"    المنتخب التونسي يفتتح الأربعاء سلسلة ودياته بمواجهة موريتانيا استعدادًا للاستحقاقين العربي والإفريقي    عاجل/ وزارة الصناعة والمناجم والطاقة تنتدب..    الكحة ''الشايحة'' قد تكون إنذار مبكر لمشاكل خطيرة    عاجل: اضطراب وانقطاع المياه في هذه الجهة ..ال sonede توّضح    طقس اليوم: الحرارة في ارتفاع طفيف    عاجل/ وزير الداخلية يفجرها ويكشف عن عملية أمنية هامة..    المنتخب التونسي لكرة السلة يتحول الى تركيا لاجراء تربص باسبوعين منقوصا من زياد الشنوفي وواصف المثناني بداعي الاصابة    عاجل: هذا ما حكمت به الفيفا بين الترجي ومدربه الروماني السابق    الدكتور ذاكر لهيذب: '' كتبت التدوينة على البلايلي وساس وقلت يلزم يرتاحوا ما كنتش نستنقص من الفريق المنافس''    حاجة تستعملها ديما...سبب كبير في ارتفاع فاتورة الضوء    نقص في الحليب و الزبدة : نقابة الفلاحين تكشف للتوانسة هذه المعطيات    عاجل: حبس الفنان المصري سعد الصغير وآخرين..وهذه التفاصيل    النقابة التونسية لأطباء القطاع الخاص تنظم يومي 13 و14 ديسمبر القادم فعاليات الدورة 19 لأيام الطب الخاص بالمهدية    ياخي الشتاء بدا يقرّب؟ شوف شنوّة يقول المعهد الوطني للرصد الجوي!    مجلس الشيوخ الأمريكي يقرّ مشروع قانون لإنهاء الإغلاق الحكومي    وزير السياحة يبحث مع نظيرته الإيطالية سبل تطوير التعاون الثنائي في المجال السياحي    الكنيست الإسرائيلي يصادق على مشروع قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين في القراءة الأولى    العراق ينتخب.. ماذا سيحدث من يوم الاقتراع لإعلان النتائج؟    ترامب: أنا على وفاق مع الرئيس السوري وسنفعل كل ما بوسعنا لجعل سوريا ناجحة    الدكتور صالح باجية (نفطة) .. باحث ومفكر حمل مشعل الفكر والمعرفة    المهرجان العالمي للخبز ..فتح باب الترشّح لمسابقة «أفضل خباز في تونس 2025»    جندوبة: تتويج المدرسة الابتدائية ريغة بالجائزة الوطنية للعمل المتميّز في المقاربة التربوية    صدور العدد الجديد لنشرية "فتاوي تونسية" عن ديوان الإفتاء    قابس: تنظيم أيام صناعة المحتوى الرقمي من 14 الى 16 نوفمبر    مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي: كافية الراجحي تتحصل على جائزة البحث العلمي وعملان تونسيان ضمن المُسابقات الرسمية    عاجل/تنبيه.. تحوير جزئي لمسلك خطي الحافلة رقم 104 و 30..وهذه التفاصيل..    شنيا الحاجات الي لازمك تعملهم بعد ال 40    طقس اليوم؛ سحب أحيانا كثيفة مع أمطار مُتفرقة بهذه المناطق    محمد صبحي يتعرض لوعكة صحية مفاجئة ويُنقل للمستشفى    رواج لافت للمسلسلات المنتجة بالذكاء الاصطناعي في الصين    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مراجعة نقدية لمعركة العزة : قراءة من مدخل الفعل:دكتور احمد محمد المزعنن
نشر في الفجر نيوز يوم 20 - 12 - 2009


دكتور احمد محمد المزعنن الفجرنيوز
أولاً:تذكير بمذبحة الكانونيْن
ونحن نقترب من ذكرى آخر مذبحة ارتكبت في حق الشعب الفلسطيني في غزة في الفترة الممتدة من 27 كانون أول(ديسمبر) 2008م وحتى 21كانون ثاني (يناير) 2009م ،تبقى هناك حقيقة مرة ضاغطة تلح على العقول والضمائر الباحثة عن الحقيقة،وهي كيف أن ثمن عملية بيع فلسطين لليهود واحتلالها كان مصحوبًا بالتضحية بآلاف الضحايا من أصحاب الأرض،وممن ناصرهم من أبناء الوطن العربي والأمة الإسلامية،ومن الشعوب المحبة للسلام،المؤيدة للحرية والانعتاق،دون أن يكلف ذلك اليهود إلا القليل القليل،بل نكاد نجزم أن هذه العلمية كانت أرخص صفقة في التاريخ الإنساني،والسبب الرئيس في تقديرنا هو أن القسم الأكبر من الذين باعوا فلسطين لم يكونوا من أهلها،وحتى في المرحلة الأخيرة من بيعها فإن الذين تسللوا ذات ليلة من عام 1991م من مؤتمر مدريد للسلام،ويمموا شطر أوسلو حيث أبرموا اتفاقية الذل والاستسلام مع اليهود لم يكونوا من أصحاب الأرض في غالبيتهم،وهان عليهم بيعها انتظارًا لأوهام السلام،وبهذا انتظمت جبهة الغزاة الأغراب لفسطين،وتطابقت كتائب سلطة أوسلو بطريقة احتيالية مع عصابات اليهود الخزر الغزاة،وظل هذا النهج يتصاعد ويتبلور ويفتضح أمره حتى تمايزت المواقف نهائيًا في 14يونيو وإلى هذه الساعة.
ونحن نقترب من هذه الذكرى السنوية الأولى لمذبحة الكانونيْن جدير بنا أن نقوم بمراجعة نقدية لأبعاد الواقع الحالي،بهدف الخروج من مأزق ما بات يعرف في الساحة الفلسطينية بحالة الانقسام وحل المصالحة،وهما توصيف مزدوج يدّعي الجميع أنه المفتاح السحري للولوج به إلى بوابة الوطن الجميل،الذي ترتفع الأسوار يومًا بعد يوم في وجه كل من يحمل له مجرد ذكرى؛لتحول دون مجرد تصوره،إذ إن اليهود في كل ساعة يغيرون معالم الواقع في سباق مع الزمن،حتى يأتي اليوم الذي لا يستطيع فيه أي فلسطيني طرد من بيته أن يتعرف على الحي أو الشارع أو الحارة أو حتى موقع ذلك البيت،نتيجة لما يُعرف في قوانين تداعي المعاني بزوال الملابسات المتعلقة بالخبرة لحظة اكتسابها.
ونقدم في هذه المراجعة رصدًا للوقائع على أرض الواقع نحاول من خلاله التوصل إلى العبر والدلالات التي قد تفيد في فهم هذا الواقع؛بغية التحكم في متغيراته،وأول ما يتطلبه هذا التحكم هو الفهم الواعي لطبيعة تلك المتغيرات وأحجامها ومساراتها وعلاقاتها البينية والخارجية ،وأوضاعها ومستوياتها،واستحضار تفاصيل الصورة التي أسهم كل طرف فيها من منطلق مدخل الفعل.
ثانيًا: مكوِّن انحرافي يزداد صلابة وتعنتًا
في حلقتين سابقتين من المراجعة النقدية اللتين نشرتا بعنوان (دراسة في السيكوبوليتيك Psycho Politic ،(ودراسة في السيكوسوسيالPsycho Social )اللتين قمنا بهما بُعيْد انتهاء العدوان مباشرة أمكن تمييز مُكَوِّن انحرافي إجرامي Criminal Deviation Componentجمع أطرافًا عديدة بمن فيهم قسم من الفلسطينيين(من الشعب والسلطة في الأرض المحتلة وخارجها)وبعض مكونات الأنظمة العربية الرسمية،وبالطبع فإنه من باب الأوْلى فقد جمع هذا المُكوِّن الانحرافي الغزاة الصليبيين الأمريكان والأوروبيين،وتبنى التوصيف اليهودي للموقف،والتوافق التام بين أطرافه في تحليل العوامل والمتغيرات الفاعلة والمؤثرة فيه،وصعَّد الأحداث بكل وسائل الكيد المكشوف،حتى أصبح من قبيل الضرورة التسليم بما قام به اليهود المجرمون المحتلون من جرائم ضد الإنسانية،جعلتهم يقعون تحت طائلة المسؤولية الجنائية Criminal Responsibility،(تقرير القاضي جولدستون،والحكم القضائي بالقبض على ستيفي ليفني رئيسة وزراء اليهود وقت العدوان الإجرامي اليهودي على قطاع غزة)، وهو وضع يحدث لأول مرة نتيجة للتقدم الكبير في تقنية المعلومات،وتزايد الوعي بضرورة التوثيق المعلوماتي للأحداث،وزيادة أعداد البشر من كل الجنسيات والأعراق الذين يتجهون بشكل فطري إلى مناصرة الحق،وكراهية الظلم،فيدفعهم ذلك إلى إدانة أي طرف يصدر منه العدوان من منطلق القانون الإنساني.
من الملامح العامة الرئيسة التي تمايزت طوال العام الفائت (2009م)ازدياد القناعة لدى هذا المكون الانحرافي بالإمعان في حصار قطاع غزة،والتفنن في ابتكار العقوبات والحواجز والقيود وتنفيذها بلا رحمة أو مجرد إحساس إنساني،ولا داعي للتذكير بمنهج ديني أو فكري أو ثقافي،فقد تحجر هذا المكون الانحرافي مستشعرًا القوة والكثرة في مقابل
وقد استطاع هذا المكون الانحرافي الإجرامي تكريس الواقع،وتثبيته أطول مدة ممكنة لإعطاء محمود عباس فسحة لتدبير أمره،وتجاوز تأثير الإحباط الذي سببته له المقاومة الوطنية في 14يونيو 2006م بضربة غزة التي أطلق عليه هو وزمرته (الانقلاب).
إن قوة هذا المكون الانحرافي تكمن في أنه تجمع انحرافي من أجهزة تمثل دولاً تتمتع بالثقل والوزن التاريخي والجغرافي والدستوري من منطلق القانون الدستوري والدولي العام،وتأتي قوته أيضًا من قدرته على الحشد والتحرك وتحكمه في منابر الخطاب الرسمي عبر القنوات الدبلوماسية،ولا يمكن قياس قوة هذا الثقل الرسمي بثقل حركات مقاومة،أو جماعات رفض وتأييد شعبي ومنظمات مدنية أو منظمات حقوق إنسان إلا من منطلق السنن الإلهية والنواميس التي تقررأن:الحق ينتصر في النهاية،وأنه لا يمكن أن يضيع تأثير الفعل الجهادي الصادق في وجه الباطل مهما تكاثر أهل الباطل،وازداد عددهم وعدتهم،وفي التجارب التاريخية شواهد واقعية على فعل تلك السنن التي لا تخطىء أبدًا.
ثالثًا:مكونات الموقف من مدخل الفعل
1 سلطة أوسلو ورئيسها
نبدأ بآخر جزئية من الصورة العامة للموقف النضالي،وهو انعقاد ما يطلقون عليه المجلس المركزي برام الله وتمديده للمجلس التشريعي ولعباس،ثم سيل من الأكاذيب والافتراءات التي وردت على لسان محمود عباس،في المقابلة التلفزيونية التي أجراها معه المذيع المصري(عمرو أديب) صاحب برنامج القاهرة اليوم في قناة أوربت مساء الأربعاء ليلة الخميس 17كانون أول (ديسمبر) 2009م،وملخصها:أن محمود رضا عباس مصرٌ على عدم الترشح لرئاسة جهاز سلطة أوسلو من جديد،وأنه سيترك ما يسميه الرئاسة نهائيًا عند إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية،وفتح المذيع المذكور لمحمود عباس المجال لكي يكرر فلسفته الانهزامية فيما يتعلق بالمقاومة،وما أسماه الأمن والتنمية،وموقفه من حماس وسلطتها الظلامية،والتقدير الموضوعي لتلك المقابلة تكشف عن مأزق الرئيس منتهي الصلاحية،الذي نتج عن فشله في تحقيق أي شىء للشعب،بسبب تصلب نتنياهو وتجاهل أمريكا له،وتنصل أوباما وإدارته من وعودها الجوفاء له ولغيره من الحلفاء العرب،وكل ما ورد ف يالمقابلة غير ذلك هو من قبيل الادعاء والعنترية وتصنع التميز والبريق الشخصي،والبهرجة الكلامية،والتلاعب باللفاظ في حيلة مكشوفة من تبني بطولات لا علاقة له بها من قريب أو بعيد من مدخل الفعل النضالي الوطني،فهو يعلن في كل مناسبة أنه لا يؤمن بالمقاومة ولا بالكفاح المسلح،ثم ينسب إلى نفسه المجاد التي صنعها أبطال المقاومة ،ويدعي أنه من مدرسة محمد عبد الرؤوف القدوة الملقب (بياسر عرفات)،فهذا في الظاهر على الأقل بنى اسمه على اعتبار أنه من مؤسسي منظمة فتح،ومن قيادات الفدائيين،ثم قيادة منظمة التحرير منذ تواجد الفدائيين في عمَّان (1967م 1970م)حتى توقيع اتفاقية أوسلو 1993م ،عندما ألقى البندقية جانبًا،ورفع غصن الزيتون.
وفيما يتعلق بسلطة أوسلو وفريقها من الجواسيس السماسرة فلا يمكن تجاهل الحرب التي تشنها على أحرار الأهل في الضفة بتنسيق كامل مع اليهود المجرمين،مع التركيز على قيادات أعضاء وأنصار حماس بها.
ولا نعير وزنًا من الناحية الوطنية لكل الألاعيب التي قام بها محمود عباس طوال عام كامل،وخاصة الضجة التي أثيرت حول إعادة ترقيع منظمة فتح لتصبح متكأً له ولزمرته،ولا التخريب الذي أحدثه في منظمة التحرير الفلسطينية عندما ألغى التزامه باتفاقية إعادة تشكيل المنظمة على أسس وطنية،حسب ما توصلت إليه الفصائل في اتفاقية القاهرة 2005م،وتزويره للمجلس الوطني على الرغم من أنه رئيس ل 20% من الشعب الفلسطيني بالداخل،وقد انتهت ولايته ،فهو فاقد الشرعية الوطنية والدستورية،وتجاوزه لجميع الأنظمة والأعراف الوطنية الفلسطينية،لأنها لا تمثل وزنًا من أي نوع تحت سطوة الاحتلال،وجرائمه المتواصلة في القسم الشرقي من الوطن المحتل.
وكلمة أخيرة خاصة بسلطة أوسلو المشؤومة:إنه لو كانت هذه السلطة تتمتع بدرجة دنيا من الشرعية،لجوزنا لها ما تقتضيه النظرية البنائية الوظيفية في بناء الجماعات والنظم الإنسانية الدستورية،من أن أي سلطة تواجه حالة من التوتر والضغوط أو التحدي فإنها تقوم بإجراءات نظمية تسد بها الخلل في الجانب الذي يهدد الأبنية الاجتماعية،ويعمل على تقوية جدر الأبنية الاجتماعية والرسمية،وتزيد من درجة التماسك الذي يظهر في التأكيد على الوظائف والأدوار.
أما وإن سلطة أوسلو المشؤومة مجموعة من الجواسيس والسماسرة والمنتفعين وتجار الأوطان والحقوق،ومن الانهزاميين الذي تكيفوا مع المهانة والذل الذي يسوقون شعبهم إليه باسم المفاوضات والسلام الخادع،فلا يوجد أمامهم إلا خيار واحد وهو المضي بكل صرامة في العمالة وأدوار الجاسوسية المكشوفة التي لم تعد تثير استنكارًا،بل ويتهافت الكثيرون للانخراط فيها.
2 حواجز فولاذية وقلوب متحجرة
قال الله تعالى (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ.) (البقرة74)
الخطاب في هذه الآية القرآنية الكريمة من سورة البقرة موجه لجماعة المخاطبين (قلوبكم)وهم اليهود ومن هاودهم،وتطابقت أفعاله معهم،واختتمت الخطاب بجملة (تعملون)،صيغة الفعل المضارع الذي يفيد وجوديًا صيغة المضارعة أو (الحاضر أو الحالية) وينسحب زمنيًا على المستقبل،إلى أن يرث الأرض ومن عليها،فجملة تعملون تعبر بالضرورة علة أفعال المكون الانحرافي الي اصطف فيه الكثير من العرب والمسلمين (حكَّامًا ومحكومين) مع اليهود في سحق إرادة المقاومة في الشعب الفلسطيني والأحرار العرب والمسلمين والأجانب الذين يؤيدونه.
(قسوة القلوب وتحجرها) تمثل العامل الرئيس الذي وحد مواقف عناصر هذا المكون الانحرافيبعد صمود حماس وحلفائها في معركة العزة،حيث تقف المناهج العلمية عاجزة عن تفسير ما تقوم به عناصر المكون الانحرافي المتصلب في مواجهة الحكومة الشرعية،التي تدير بها حماس قطاع غزة،وتدبر أمور أكثر من مليون ونصف فلسطيني،فقد تطابقت مواقف العرب (وخاصة الإدارة المصرية)تمامًا مع موقف العدو اليهودي وسلطة العملاء في رام الله،ومن المستحيل ولا يمكن تفسير ذلك إلا في ضوء المنهج القرآني النفسي والوجودي،فليس من الضروري أن يكون من يقسو على سكان غزة يهوديًا بالوراثة أو عن طريق الأم،بل يكفي أن يتطابق الفعل الفردي والجمعي،الأهلي والرسمي مع ما لدى اليهود في موقف ما حتى يوصف الفرد أو الجماعة بأنه/أو أنهم يهودي أو يهود،وقد ترسخ ذلك في الثقافة الشعبية العربية لدى الشعوب التي تعاملت مع هذا الصنف البشري الحاقد بقولهم بكل عفوية:"فلان يهودي،أو فلان مثل اليهود" في تفسير بعض الأفعال الصادرة عنه من منطلق الحقد والقسوة غير المبررة أو الإفراط في اللؤم والكيد والابتزاز،ليس ذلك من منطلق ديني أو إنساني،إذ إن الإسلام في قمة إدارته للحياة الفردية والاجتماعية نعم اليهود بأنعم حياة.
إن الحواجز التي يقيمها هذا المكون الانحرافي بكل مكوناته ليست فوق الأرض أو تحت الأرض،بل هي في القلوب القاسية المتحجرة،وفي العمى الفكرى،وفي الاندفاع في تنفيذ تعليمات اليهود،وتبنى السياسات الأمريكية المسخرة لليهود(وليس المنحازة إليهم فقط).
الحاجز الفولاذي الذي تقيمه مصر لخنق الشعب الفلسطيني في غزة،ودفعه إلى التوقيع على ما أطلقوا عليه وثيقة المصالحة المذلة والمهينة التي تعيد سلطة أوسلو العميلة إلى غزة لتصفية ما تبقى من القضية الوطنية،ولتنصب المحاكم للأحرار بذريعة الانقلاب،وليقوم محمود عباس و(مسوخ) ما يطلقون عليه الأجهزة الأمنية بما عجز اليهود عن القيام به لسنوات طويلة،ولتنفيذ الخطط الأمريكية النهائية في تصفية القضية وفقًا لخطة جورج ميتشيل التي يقوم ببنائها في تكتم شديد،ولكنه يظهر بين الفينة والفينة ليعلن أنه ماضٍ في حبك مؤامرته متوجًا بذلك خطًا يكمل بعضه بعضًا أسهم فيه سلسلة من الرجال ذوي الأصول العربية لكسر جدر الحماية العربية في وجه الغزو الصهيوني.
إن أكبر دليل على التنسيق بين سلطة أوسلو والموقف الرسمي المصري مسارعة محمود عباس ،ورموز السلطة إلى تأييد ما تقوم به السلطاتن المصرية دون أدنى مراجعة للنتائج المأساوية التي ستترتب على هذه الخطوة،التي لا علاقة لها بالأمن القومي المصري،وأين الأمن القومي المصري أصلاً في سيناء وهي خالية من القوات المصرية بموجب اتفاقية كامب ديفيد؟
3 سلطة حماس في غزة
مع التسليم بأن هناك تجاوزات وتعديات وتطاول من حماس على الكثير من قواعد الحكم الراشد،فإنه أيًا كانت الأقاويل والتفسيرات والتعليقات والإشاعات ولاصفات التي يطلقها منتقدوها وخصومها في حركة فتح وغيرها أو من أي جهة صدرت تلك الأساليب التقييمية لتجربة حماس،ومن منطلق أي منهج تصدر،فإنها حركة صامدة راسخة الأقدام،ثابتة الجذور في ثقافة غالبية الشعب الفلسطيني،ومما يثير الإعجاب والتقدير الصمود البطولي في تجاوز جميع الضغوط،والتغلب على كل العقبات التي وضعها خصومها في وجهها،على الرغم من النفاق الصريح في كلام محمود عباس وزمرته أمام أجهزة الإعلام من الاعتراف بحماس كمكون أصلي من مكونات الشعب الفلسطيني،وقد خففوا كثيرًا من غلواء التجريح والنقد الشخصي لقادتها ورموزها،وفي الخطاب الحزبي الفتحاوي كإجراء تكتيكي؛بهدف الخداع،واقتناص فرصة للإيقاع بحماس،وإدخالها قفص التسوية المذلة،بعد أن أصبحت سرابًا.
بعض ما أنجزته حماس في السنة الماضية كان استمرارًا للصمود من منطلق المقاومة:
‌أ. التموضع في المحيط،والتوسع النشط في تجنيد النصار في الداخل والخارج،وفتح قنوات اتصال مع العالم مستفيدة من التقدم الكبير في وسائل الاتصال على مستوى العالم.
‌ب. اكتشاف وممارسة فعالية المزاوجة بين إستاتيكية الموقف وديناميكية الفعل المؤثر في ظل تفوق الخصم العددي والإمكانات المادية.
‌ج. توحيد الموقف الجهادي المقاوم لمعظم جبهات المقاومة،وتحقيق المزيد من التماسك الداخلي،وإسكات الصوات المتخاذلة.
‌د. فضح إصرار المنتسبين إلى ما تبقى من منظمة فتح على الاستمرار في الخط التنازلي والتبعية لقيادات صفقة بيع الوطن في رام .
‌ه. تفريغ مضمون دعايات الخصم عن طريق الصدق في القول والفعل،والانخفاض بمستوى التطلعات المادية،والارتفاع بسقف الأهداف الوطنية والمعنوية ،في ظل موقف عام يجدد في أساليب الاستفزاز وانهيار سقف المطالب الوطنية،ويندفع في تكريس الانقسام بالإصرار على الأنشطة الهدامة للكيان الوطني في كل مواقعه.
‌و. عشرون ألف حافظ وحافظة لكتاب الله.
‌ز. المزيد من عوامل الحشد والصمود.
‌ح. الوعي المتزايد لثقل المسؤولية الملقاة على عاتقها في هذه المرحلة الخطرة.
‌ط. التنبه للفخ المنصوب لحماس وحلفائها فيما بات يعرف بوثيقة المصالحة،وأنها استسلام لخطط سسلطة أوسلو التي وجدت في مصر وبعض الأنظمة المتخاذلة جدار حماية تتخفى وراءه لتصفية قضية الشعب الفلسطيني بما يتفق مع أهداف العدو الصهيوني المحتل.
4 افتعال الأزمة في قيادة الإخوان المسلمين
ليس سرًا أن جماعة الإخوان المسلمين ممثلة في قيادة التنظيم العالمي أو القيادات في القطر المصري أو في الوطن العربي والإسلامي هي الداعمة الحقيقية للحكم في غزة،وليس ذلك عيبًا،بل هو فخر وعز،وتعبير حقيقي وعبقري على حيوية الإسلام،وقدرة قياداته على التكيف للظروف الماغيرة ودفع الفرية المنتسبة إلى المسلمين بأنهم ليسوا أهل سياسة.
لكن المتغير الجديد في قيادة جماعة الإخوان المسلمين هو ظهور ما يشبه الأزمة في مستوى القيادة،والتي حاول بعض أهل الأهواء المتربصين بهذه الجماعة الطعن فيها،عن طريق تصعيد الخلافات بين عناصر محددة في مكتب الإرشاد،وتسخير الإعلام للطعن في الكثير من جوانب رسالة الجماعة،وبالطبع فإن أي طعن في مستوى القيادة سينتج عنه خلخلة في صمود الأنموذج المعاصر للحكم الإسلامي الراشد في فلسطين،والذي تمثله حماس في غزة،وقمعت جناحة الآخر سلطة أوسلو في الضفة،ولن يكون من قبيل الصدف أن تندفع الإدارة المصرية في الإمعان في حصار وخنق حماس في غزة في نفس الوقت الذي اختلقت فيه أجهزة الإعلام الرسمية المصرية أزمة مكتب الإرشاد بعد رفض جماس التوقيع على الوثيقة المصرية التي غيرت بعض مكوناتها لتتناسب مع تكريس احتضان مصر لخط سلطة أوسلو ورئيسه الذي انتهت شرعية منصبه.
رابعًا:سنن صارمة في ربط السبب بالنتيجة
في التاريخ الإنساني شواهد على انتصار حركات المقاومة الوطنية مهما كانت منطلقاتها الأيديولوجية،ومهما صورها أعداؤها بأنها حركات مستضعفة من السهل سحقها والقضاء عليها،وقام هؤلاء الأعداء بأكثر ما قامت به سلطة أوسلو مدعومة من مكونات المكون الانحرافي العربي والدولي في تشويه حركة حماس وحلفائها،والزراية بمنهج مقاومة الغزاة والمحتلين والطغاة والحكام الاستبدادين،وفي النهاية فإن المجاهدين المقاومين الصابرين الصامدين هم المنتصرون،ويأتي نصرهم سريعًا بمقدار الصبر والصمود والصدق في القول والعمل،والتجرد والوفاء للقضايا التي يناضلون من أجلها،ويكون الخزي والاندحار في النهاية للانتهازيين والجواسيس وأعوان المحتل الغازي مهما طال ليل الماعاناة،ويبوء بالخسران كل مفرط في حق وطنه،منحاز إلى أعداء شعبه،تلك سنة لا تخطىء أبدًا،وقانون يتكرر صدق تأثره،وعمومية دلالته في الفعل الإنساني الفردي والجمعي،المدني والعسكري،حال السلم والحرب.
والله أعلى وأعلم،وصلى الله على محمد،وعلى آله وصحبه وسلم.
(... والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.)(يوسف21)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.