دكتور أحمد محمد المزعنن الفجرنيوز أكُلُّ ما مضى انقضى ؟ أم ما مضى يعود؟ يا ليت بعض ما مضى يعود!
في كل عام حين يقبل الشتاء تَلامَعُ البروقٌ في الفضا وتقصِفُ الرعود وتُفرِغُ السماءُ كلَّ ما حوتْه في عُروقها يَرُبُّ كانون ٌ بعصفِه منابتَ الشجر وتمتلي الوديان والغدران والحُفر ويَلقحُ الثرى تَهَامَسُ الجداتُ والأمَّاتُ في حُبور وتمتلي مجالس السمر من حول مجمرةٍ يفوح من يافوخها دخان فيشعل الدفءَ في المكان وكل من حولَها يلفُّه دثار يغوصُ في أعطافِه مُتمتمُا: يا ليته لا يطلع النهار فبردُ كانونٍ يعطل الأحلام والكلام والأفكار لكنه الثرى ينفث في نيسانَ مبشرًا بمولدٍ جديد ويملأ الربا نوَّارُه وتنجلي ذخائر الربيع من كل ما أبدعه مُقسمُ الأرزاق في الورى وحين تبتدي ذُكَاءُ تحترق
وحرُّ أيّارُ يُلهبُ الأفُق
ينشد السُّمارُ في الحصاد
قصائدَ الوداع للشتاء
فكل ما أتى إلى وداع ***** ويبدأ السؤال من جديد: يا ذلك الذي مضى ولن يعود يا ليت بعضَ ما مضى يعود! يا حُلمَ ليلةٍ صيفيةِ النَّدى ريانةِ السمَر تضمخت بعطرِها ولهانةً تعانقُ الوتر باتت تناجي الفجر ترقب النجومَ والقمر أمضَّها السُّهاد في انتظار بهجة النظر تطوي الجناح في التياعٍ أجهدَ البصر وتنسجُ العبير بُردةً لغائبٍ أطال في السفر لما تدانى الفجر من شباكها توقفت عن حلمها وأغلقت مع الصباح كلَّ أسرار السهر ويبدأ التمني والترجي والسؤال يا ليتَ بعضَ ما مضى يعود ! تبسُمُ الأزهار للندى ونُضرةُ الورود! وحَوَرُ العيون غارَ من تورُّدِ الخدود! وضحكةٌ وسنانة تختزلُ الوجود! يا ذلك الذي مضى ولن يعود ! يا عمرَنا الذي ولَّى كلمع البرق في النجود ! ما كان ضرَّ لو أنبأتنا عن زمن الجحود؟ عن غربة تقطعت حبالنا فيها وليس من يجود في أي فجرٍ أُودِعتْ أسرارُ رحلةِ الخلود؟ في أي نجمةٍ نأى بك المزارُ رائحًا وغاديًا ؟ في أي زهرةٍ تفتحتْ أكمامُها للمسةِ العبير ؟ تمايلتْ أعطافُها تتيهُ في مهدٍ من الحرير في أي قطرة نديةٍ نلقاكَ ترقبُ المصير؟ أهَلْ لما مضى من رجعة تُجدد الزمان والعهود؟ أم ما مضى قد حال بيننا وبينه سدود ؟ وانتصبت موانع المحال دونه وارتفعت حدود؟ أيدفِنُ الفناءُ كلَّ ما مضى في ظلمةِ اللحود؟ من التراب مبدءًا وللثرى يعود ! يا ذلك الذي مضى ولن يعود ! يا أيها الذي قد كان عالَمًا من نسج أحلام الصِبا! ويا عبيرَ وردةٍ مع الصباح ساقَه الصَبَا! يا حُلمًا على رمالِ الشاطىء السحريِّ كان للفؤاد ملعبا! في أي جدول تنثال سلسبيلاً رائقًا بَرود؟ أو قاربًا تباعدَ المدى به منطلقًا يرود؟ جزائرَ المحارِ والمرجانِ يرتجي بأن يعود؟ وقد تكسَّر المجداف منه يرقب الغيوب ويرفع الأكفَّ للسماءِ يرتجي بأن يؤوب ! اطوِِ الشراعَ واكسرِ المجدافَ:إن ما مضى انقضى.