الخطاب الإعلامي المصري يتبنى هذه الأيام شعار «كل من ليس معي فهو ضدي». ويبدو أنه مع تزايد حملة نقد المواقف المصرية إزاء الجدار والحصار. فإن الأبواق والمنابر الرسمية اختارت أن تصنف كل من تبنى رأيا مخالفا باعتباره عدوا ومثيرا للفتنة وشريكا في حملة الكراهية ضد مصر. وما أدهشني أن بعضا من الشخصيات المحترمة في المهنة رددوا هذا الكلام. وهم الذين ظلوا حينا من الدهر يلقنوننا دروسا في ضرورة احترام الرأي الآخر. صحيح أن الرئيس الأميركي السابق جورج بوش فعلها في أعقاب أحداث سبتمبر عام 2001، واعتبر كل من لم يقف معه في معسكر «الخير» الذي نصّب نفسه رمزا له، فإنه يصبح منتميا إلى معسكر الشر، لكنه وقتذاك كان يلوح بعضلات القوة العسكرية الأميركية التي هدد بها الجميع ونجح في ابتزازهم. لكن إخواننا هؤلاء وهم يعممون الاتهامات على الناقدين ويوزعون الأوصاف الجارحة والمهينة عليهم، لا يستندون إلا الى قاموس الشتائم والسخائم التي يطلقونها في الفضاء، فتفضح ما أصابهم من انفعال وتوتر. أسوأ ما في الحملة التي تطلقها الأبواق الإعلامية أنها، وهي تبرر المواقف المصرية الأخيرة، أصرت على وصف فلسطينيي القطاع بأنهم أعداء خطرون ومخربون، يهددون أمن مصر ويسعون إلى إشاعة الفوضى والإرهاب على أراضيها. وهذه الفكرة حاولت بعض الصحف الترويج لها من خلال سرد قائمة من المعلومات التي تحدثت عن تهريب أسلحة ومتفجرات وأحزمة ناسفة، ومخططات لضرب السياحة في سيناء والقيام بعمليات التخريب في بعض المدن. ومن الواضح أن تلك المعلومات جمعت من بعض التقارير الأمنية. التي نعرف أنه يتم «تفصيلها» لتحقيق الهدف المطلوب، المتمثل في تبرير وتغطية إقامة الجدار الفولاذي وإحكام الحصار حول غزة. الملاحظ على تلك البيانات أنها كلها تحدثت عن مخططات تم رصدها أو محاولات تم الكشف عنها، ولم تتحدث عن أفعال وقعت أو قضايا ضبطت وحكم فيها القضاء بالإدانة. أعني أنها في أسوأ الفروض تشكل ادعاءات لا تصلح أساسا، يستند إليه في التقييم. الملاحظ أيضا أن المعلومات التي يجري الترويج لها تزج باسم تنظيم القاعدة وتتحدث عن اتصالات مع الجماعات التي ترفع السلاح في المنطقة، من الحوثيين في اليمن إلى حركة الشباب المجاهد في الصومال. وهي الإشارات التي يراد بها تصوير غزة كأنها تحولت إلى بؤرة خطرة، لم تعد معنية لا بالإعمار ولا بتوفير احتياجات الناس من الطحين والسولار، ولكنها انصرفت عن كل ذلك وأصبحت مشغولة بتصدير الإرهاب إلى مصر والعالم العربي. وهي إيحاءات من شأنها توفير حجة قوية تؤيد الاجتياح الإسرائيلي لها. وتمحو كل أثر لتقرير القاضي الدولي غولدستون، الذي أدان الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل بحق القطاع. ذلك أن من يصدق هذا الكلام لابد أن يخلص إلى نتيجة مفادها أن أهل غزة إذا كانوا على تلك الصورة التي قدمتها وسائل الإعلام الحكومية، فإنهم يستحقون ما فعلته ولاتزال تفعله إسرائيل بهم. المدهش في الأمر أن الإعلام في مصر، الذي تحركه السياسة. لكي يكسب معركة تكتيكية محورها الجدار، فإنه بات مستعدا لخسران علاقة إستراتيجية سواء مع قطاع غزة أو مع محيط مصر العربي. أما ما هو طريف حقا ومحزن أيضا، فإن الإعلام الذي ما برح يكيل الاتهامات لكل من انتقد الجدار من المصريين أو العرب، وقف صامتا وخجولا أمام أكثر من ألف ناشط قدموا من أوروبا والولايات المتحدة وكندا لنصرة غزة والدعوة إلى رفع الحصار عنها. كأن الناقدين ينبغي أن يحملوا جوازات سفر أجنبية لكي يعاملوا في مصر بما يستحقونه من احترام واحتشام. الرؤية الاثنين, 4 يناير 2010