عاجل/ فاجعة تسمم تلاميذ في قابس: رئيس الدولة يسدي هذه التعليمات..    تونس تتصدر: السياح الصينيين اختاروها الأفضل والأكثر أمان    عاجل/الناشط في أسطول الصمود علي كنيس يعود الى تونس..    الدوري الأمريكي: ميسي يسجل مجددا بهدفين في مرمى أتلانتا (فيديو)    حالة الطقس لهذا اليوم..    بعد سداسية ساو تومي.. "نسور قرطاج" يطمحون لتكرار التألق أمام ناميبيا في ختام تصفيات المونديال    سيدي بوسعيد ضمن أروع 10 قرى بيضاء في العالم    رئاسة مدغشقر: "محاولة للاستيلاء على السلطة بالقوة" وسط تصاعد الغضب الشعبي    اكتشف جذور كلماتنا الدارجة: أسرار قرطاجية وفينيقية في اللهجة التونسية    قابس: عودة الهدوء.. والمجلس المحلي يدعو إلى المحافظة على الطابع السلمي للاحتجاج    نابل: وزير الفلاحة يعاين أضرار الحشرة القرمزية ويُتابع إجراءات مكافحتها ببوعرقوب    突尼斯荣膺中国游客最向往安全旅游目的地榜首    عاجل: اليوم انطلاق بيع تذاكر مباراة تونس وناميبيا    محمود الحجري يطرح الحلول البيئية الممكنة للتقليص من التلوث الصناعي في قابس    أمطار خفيفة في البلايص هذه نهار الأحد... طقس خريفي بامتياز    عاجل: رحلة دبلوماسية تتحوّل لمأساة: 3 قطريين يفقدوا حياتهم في مصر...شنيا الحكاية؟    ديان كيتون ترحل... النجمة اللي عرفناها في العرّاب وآني هول    ابنة إيناس الدغيدي: "أمي حققت حلمها واتجوزت وهي فوق السبعين"    العاصمة: يوم مفتوح بشارع الحبيب بورقيبة للتوعية بالسكتة القلبية تحت شعار "كل ثانية تنقذ حياة"    قرحة المعدة: شنوة تاكل وشنوة لا؟    المشروبات الغازية والاكتئاب: شنوة الرابط اللي يهم البنات أكثر    إيران: لا نثق في إسرائيل لاحترام وقف إطلاق النار بغزة    أحزاب ومنظمات تعبر عن تضامنها مع أهالي قابس وتطالب بحلول عاجلة للوضع البيئي    دعوة إلى التهدئة والالتزام بالسلمية في التحركات الاحتجاجية بقابس    4 قتلى وعشرات الجرحى بإطلاق نار في ولاية مسيسيبي الأميركية    جندوبة .. تكريم مسنة تبلغ من العمر 107 سنوات    احصائيات: تطور القروض للقطاع الخاص ب %3.5 أواخر أوت    فيينا.. الآلاف من أنصار فلسطين يطالبون بمعاقبة إسرائيل    جندوبة.. قافلة صحية تؤمن 740 عيادة طبية مجانية    في «ملتقى الفنون» بأكودة ... عروض مسرحية سينمائية ومعارض فنيّة    المطرب مراد إبراهيم ل«الشروق»: شغوف بالفن الطربي وأرغب في التنويع    المهرجان الدولي للارتجال بالمهدية في نسخته السابعة : عروض إبداعية مفتوحة، ورشات حيّة.. وفنّانون في الموعد    تونس تتحصّل على جائزة One Health Award 2025    الرابطة الثانية.. نتائج الدفعة الأولى من مواجهات الجولة الرابعة    أولا وأخيرا .. البحث عن مزرعة للحياة    المحظوظون فقط: 8 من كل 10 تونسيين يتمتعون بالتغطية الصحية... والبقية يواجهون الخطر!    طبّ الشيخوخة في تونس بداية من ديسمبر: فماهو هذا الإختصاص؟    بطولة النخبة الوطنية لكرة اليد (الجولة9): النتائج والترتيب    مرصد المياه: تراجع نسبة امتلاء السدود إلى حوالي 27،4 بالمائة    مباراة ودية (اقل من 23 سنة): المنتخب التونسي يفوز على نظيره العراقي    سوسة: عروض تونسية وإيطالية تُثري ليالي مهرجان أكتوبر الموسيقي    المهدية : انطلاق مشروع طموح لتطوير القصر الروماني بالجم    وزير التجارة يدعو الى استكشاف وجهات جديدة للترويج لزيت الزيتون والتمور    حافظ القيتوني مدربا جديدا للألمبي الباجي    عاجل: الأمطار ترجع لتونس هذا الأسبوع وتحذيرات للشمال والساحل    كميات البذور الممتازة المجمعة موسم 2025-2026 تسجل ارتفاعا ملحوظا مقارنة بالموسم الفارط –المرصد الوطني للفلاحة-    نترامب يتجه غدا الأحد نحو فلسطين المحتلة ثم مصر..#خبر_عاجل    الطقس اليوم: سحب وأمطار خفيفة بالشمال والوسط ورياح قوية في الجنوب    وزارة الفلاحة:اجتماع لعرض محتوى التّقرير الوطني لقطاع المياه لسنة 2024 في نسخته النهائية    عاجل/ الإعلان عن انطلاق مشروع جديد لدعم تشغيل الشباب في هذا القطاع..    اقتحام معهد في سليانة وسرقة هواتف تلاميذ: الاحتفاظ بمشتبه بهم    الزواج بلاش ولي أمر.. باطل أو صحيح؟ فتوى من الأزهر تكشف السّر    الاطاحة بعصابة لسرقة المنازل بهذه الجهة..    يوم الجمعة وبركة الدعاء: أفضل الأوقات للاستجابة    وقت سورة الكهف المثالي يوم الجمعة.. تعرف عليه وتضاعف الأجر!    عاجل/ ضربة موجعة لمروجي المخدرات..    الجمعة: أمطار رعدية بهذه الجهات    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شِعريّة المكان في تجربة شاعر الشمال ( مدينة عَرْعَر نموذجًا )-5
نشر في الفجر نيوز يوم 08 - 01 - 2010

بقلم: الأستاذ الدكتور/ عبدالله بن أحمد الفَيفي الفجرنيوز
يستحضر الشاعر سلمان بن محمّد الفَيفي المكان اسمًا مُؤنسَنًا، أنثويًّا، بحشاه، وسهلِه، ورُباه، وفضائه فحسب، ولكنه- كما في قصيدته "في رحاب الشَّمال"(1)- يشفع ذلك أيضًا بما يناسب ذلك من رائحة الجسد الجماليّ، الذي استثاره فيه اسمُ "عَرْعَر"، محتفلاً بعُرس ذلك الجسد، إذ يفوح منه القيصوم والشِّيح. ثم يُردف عطر العروس بمحفل الترنّم والغناء. وهكذا يتبدّى ما يستثيره المكان من جماليّات في شِعر شاعرنا، تشمل الإنسان، والأرض، والنبت، وتُزاوج بين الروح والجسد، وتخاطب صورُها حواسَّ التلقّي المتعدّدة، من: بَصَرٍ، وشَمِّ، وسمع.
وهو جمالٌ في المكان وفي الطبيعة، ولكنّ مردّه إلى جمال الإنسان؛ من حيث إن الإنسان هو مصدر الجمال، فهو مَن بإمكانه أن يُضفي على المكان جمالاً أو قُبحًا. وهذه الفكرة هي فحوى ما قال به الفيلسوف الألماني (إدموند هوسرل Hussrel، -1938)، مؤسّس المدرسة الفينومينولوجيّة/ الوقائعيّة في النقد، حينما طرح نظريّته في أوائل القرن العشرين القائلة: إن المعرفة الحقيقيّة بالعالم لا تتأتّى بتحليل الأشياء، كما هي خارج الذات (نومينا Noumena)، وإنما بتحليل الذات ذاتها في تعرّفها بالعالم، أي بتحليل الوعي وقد استبطن الأشياء فتحوّلت إلى ظواهر (فينومينا Phenomena)؛ ذلك أن الوعي لا يستقلّ، وإنما هو "وعيٌ بشيءٍ ما".(2) وهو ما لعلّ الشاعر إيليا أبو ماضي، مثلاً، حاول التعبير عنه شعريًّا من قصيدته "فلسفة الحياة"(3)، بقوله:
والذي نفسُه بغير جَمالٍ
لا يرى في الوجودِ شيئًا جميلا
... ... ...
أيهذا الشاكي وما بكَ داءٌ
كُن جميلاً، ترَ الوجودَ جَميلا!
وكما أن قِيَم الأشياء الجماليّة لا تكمن في الأشياء ذاتها بل في تفاعل الإنسان بها ومعها، فإن ذلك التفاعل لا يتولّد عن فراغٍ من التفاعل الإنسانيّ الإنسانيّ؛ لأن المكان إنما يكتسب جمالاً في نفوسنا لجمال أُناسٍ فيه نحبّهم، أو لذكرى عشناها فيه، أو إحساس إنسانيّ ابتعثه فينا. وهو ما أدركه مجنون ليلى(4) في قوله:
وَما حُبُّ الدِيارِ شَغَفنَ قَلبي
وَلَكِن حُبُّ مَن سَكَنَ الدِيارا
تلك الجدليّة الجماليّة المتعلّقة بالمكان هي ما نجده في قصيدة شاعرنا سلمان، وقد صوّر عَرْعَر غانيةً فاتنةً، وعروسًا تزيّنت في استقبال فارسها، إلاّ أنه خشيَ أن قد يُقال فيها ما لا يرضاه آتيها، كالقول ببَرْدها: "برد الشَّمال". فجعل يصوّر البَرْدَ فيها دفئًا؛ بدفء المشاعر في أهلها، على قاعدةٍ من أسرار الشعور بالجمال، حين تُغيِّر الطبيعة طبيعتها، فتقلب أجواءها كلّها جمالاً وحبًّا، أو بالأحرى يصبح إحساسنا نحن بها كذلك:

لا تخافوا بَرْدَ الشَّمالِ ، ففيها *** يُوْجَدُ الدِّفْءُ والنَّدَى والصَّفاءُ
أو تقولوا : "بَعِيْدَةٌ" ، لا بَعِيْدٌ *** عندنا اليومَ والطريقُ السَّماءُ!
ويحكي الشاعر، في قصيدة أخرى بعنوان "من عَبَق الشَّمال"(5)، بداية تعلّقه بتلك المعشوقة المدينة. إلاّ أنه قبل ذلك يصوّرها وقد استحالت عن طبيعتها إلى طبيعة أخرى. وتلك جماليّات المكان حين تُنتج جماليّات الشِّعر في النفس والمخيّلة. إنها غانيةٌ من النساء تارة:
وفينانة فيها السَّنَى مُتَأَلِّقٌ *** يَمُدُّ شُعاعَ اليُمْنِ في الأُفُقِ الرَّحْبِ
على جِيْدِها عِقْدُ الوَفاءِ مُرَصَّعٌ *** بواسِطَةٍ لمَّاعةٍ صَنعةِ الرَّبِّ

ثم تتحوّل إلى سفينة، ويتحوّل محيطها من الرّمال إلى محيطٍ من الماء:
نَمَتْ في محيطِ الرَّمْلِ مَدَّتْ شِراعها *** يباري هُبُوْبَ الرِّيْحِ بالخَيْرِ والخِصْبِ
يَشُقُّ بها رُبَّانُها المَوْجَ رافعاً *** شِعارَ الوَفا والودِّ والذَّوْدِ والحَدْبِ
وهكذا يُخلِّق الإحساسُ بالمكان معادلاته الموضوعيّة وبناءه الشِّعري الموازي. وما أن يقول "نَمَتْ في محيط الرّمل"، حتى تقفز به مفردة "محيط الرمل" إلى الصورة الأخرى: "سفينة ذات ربّان يشقُّ بها الموج في محيط البحر". إنها إملاءات المكوّنات المكانيّة: (محيط، رمل، ريح، سفينة صحراء)، متضافرةً مع نظائرها اللغويّة وتداعياتها الدلاليّة، ما يقفز بمخيّلة الشاعر من صورة إلى صورة، ومن طبيعة إلى طبيعة نقيضة. وتلك هي بوتقة التفاعل في الكيمياء الشعريّة: إحساسٌ بالعالم الخارجيّ منعكسًا على العالم الداخليّ، ولغةٌ تأخذ الجناحَ الشِّعري بإيحاءاتها وإيماءاتها. والشاعر هو ذلك الكيميائيُّ الماهر في تجهيز المقادير اللغويّة، وإلاّ ظلّ إحساسه صامتًا دون تعبير، أو أغرته اللغة بمفاتنها فاحترق بها، إغراءَ الضوء للفراشة.
ومرة أخرى، تقول لنا القصيدة: إنما جمال المكان جمال الإنسان؛ فهو منبع الجمال ومصبّه:
تُموسِقُ أزهارَ الربيعِ قصائداً *** وتُوْقِدُ جَمْرَ الطِّيْبِ بالمَنْدَل الرَّطْبِ
وتَنْسُجُ مِنْ عَزْمِ الرِّجالِ سَوابغاً *** وتَغْزِلُ أفوافاً مُذَهَّبَةَ الهُدْبِ
فَتَنْداحُ أصداغُ الرِّمالِ حضارةً *** ويَنْثَالُ أَغْلَى التِّبْرِ مِنْ مَنْجَمِ التُّرْبِ
تُسَبِّحُ مِنْ أفراحِها اللهَ رَبَّها *** وقد دَفَنَتْ أتراحَها أَعْصُرَ الجَدْبِ
حماها مِنَ التَّعْوِيْقِ في سَيْرِها الذي *** حَمَى يُوْسُفَ الصِّدِّيقَ في وَحْشَةِ الجُبِّ
وظاهرة الأنسنة للمكان لافتة في ديوان الشاعر. وتأتي مؤكِّدة أن المكان في شِعره ليس وصفًا خارجيًّا، أو نقلاً لألوان الطبيعة وأشكالها، وإنما هو تفاعلٌ حيّ، يستبطن الشاعرُ المكانَ فيه، فيضطرّ إلى تحويله إلى إنسانٍ؛ كيما يتسنّى له معه الحوار والمباثّة. وفي مثل هذه الحال لا تغدو القراءة في شِعره قراءة لصورة المكان في شِعر، وإنما لصورة المكان في نفس شاعر، أو بالأحرى صورة شاعرٍ من خلال مكان، بما شكّله من وعيه وما أملاه عليه من رؤيةٍ شِعريّة.
[ونواصل]
أ. د. عبدالله بن أحمد الفيفي
8 يناير 2010
(1) انظر: الفَيفي، سلمان، (2007)، مرافئ الحُبّ، تح. عبدالله بن أحمد الفَيفي (جازان: النادي الأدبي)، 42.
(2) انظر: الرويلي، ميجان، سعد البازعي، (1995)، دليل الناقد الأدبيّ، (الرياض: العبيكان)، 149.
(3) (د.ت)، ديوان أبي ماضي، (بيروت: دار العودة)، 604، 606.
(4) (1994)، ديوان مجنون ليلى، شرح: يوسف فرحات (بيروت: دار الكتاب العربي)، 113.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.