أحمد فرحات حمودي رغم ضمور مجالات تدخلها في المجال الاقتصادي، ضمور وصل حد اعتبارها خادما مطيعا لسلطان الاقتصاد، فإن للدولة دور حيوي ليس بغاية تحقيق أهداف اجتماعية وحسب وإنما أيضا لضمان ديمومة النمو الاقتصادي. فتحقيق النسب الأرفع من النمو الاقتصادي في غياب حكم راشد سيؤدي بالضرورة إلى فوارق اجتماعية حادة وإلى استغلال مفرط للموارد الطبيعية وإلى تدمير للبيئة وسينتج عن ذلك تناقص في نسب النمو ومن ثمة انهيار اقتصادي. ووجود الدولة ككائن سياسي وتنظيم اجتماعي لا معنى له في غياب النمو الاقتصادي. فالدولة والاقتصاد مكونان أساسيان إذا تغول أحدهما على الآخر كانت النتيجة كارثية. والمتأمل في تاريخ الوقائع الاقتصادية منذ نهاية القرن الثامن عشر يلاحظ جليا أن علاقة الدولة بالاقتصاد أبدا لم تكن مستقرة . فنداء آدم سميث بتحرير الاقتصاد من مكبلات الدولة كان مؤشرا لبداية فترة تميزت بتغول الاقتصاد على الدولة لم تنتهي إلا بالأزمة الاقتصادية العالمية لسنة 1929 . ونداء لينين ورفاقه من بناة الاتحاد السوفيتي بتحكم الدولة في كل مفاصل الحياة الاقتصادية بداية القرن العشرين كان مؤشرا لفترة تغولت فيها الدولة على الاقتصاد لم تنتهي إلا بانهيار الاتحاد السوفيتي وبقية دول المعسكر الشرقي التي تدور في فلكه مع نهاية ثمانينيات القرن الماضي. لا غرو إذن من التأكيد على أن دولة التكافل الاجتماعي (النيوديل والويلفارستايت) في أوروبا الغربية وفي الولاياتالمتحدة خلال الثلث الثاني من القرن العشرين والتي لازالت تميز الدول الاسكندينافية والتي تقوم على دور الدولة التعديلي للاقتصاد مستلهمة سياساتها من نظريات الاقتصادي جون مينار كينز، كانت أنموذجا للسياسة الاقتصادية الناجحة لأنها تميزت بتكافؤ وإن كان محدودا بين الدولة والاقتصاد. والعالم اليوم ومنذ ثمانينيات القرن العشرين يعيش على وقع اكتساح النيوليبرالية أغلب النظم الاقتصادية وما تعنيه من تغول للاقتصاد على الدولة، يرقب بقلق وتوتر ما ستفرزه هذه الفترة من نتائج. لذلك تتالت النداءات بإعادة الاعتبار لدور الدولة لكبح جماح الاقتصاد. لقد انحصر دور الدولة في إسداء المرافق العامة وتوفير المناخ الملائم للاستثمار وما يعنيه ذلك من ضمان للحرية والشفافية واستقلال القضاء وتهيئة وتطوير البنى التحتية وتأهيل اليد العاملة وتقديم الحوافز الجبائية. وتضطر الدول ذات النظم السياسية المنغلقة والمستبدة ومنها تونس إلى تعويض ضمان الحرية والشفافية واستقلال القضاء بالمزيد من الحوافز الجبائية مما يضعف مداخيل الدولة التي تصبح عاجزة على إسداء المرافق العامة وتطوير البنية التحتية وتأهيل اليد العاملة فتضطر إلى التفويت في ممتلكات شعبها (بحيرة تونس، جزيرة زمبرا...) وإن يمثل هذا الإجراء حل في المدى القريب فإنه لن يكون كذلك في المدى البعيد والمتوسط. إن رسم السياسات الاقتصادية الناجحة لا يكون بإسقاط القوالب الجاهزة والإيديولوجيات المغلقة بل بمسك المعطيات والوقائع لتشخيص مواطن الخلل ومن ثمة بناء الخطط والبرامج لتجاوزها وهو إلى ذلك مشروط بالتنافس والتدافع بين الرؤى والبرامج السياسية في المحطات الانتخابية لما يمثله ذلك من فرصة لتحسين شروط حياة المجتمع. والمعارضة الديمقراطية المستقلة في تونس موكول إليها بناء الخطط والبرامج الكفيلة بتجاوز موكول إليها بناء الخطط والبرامج الكفيلة بتجاوز مواطن خلل الاقتصاد التونسي رغم إقرارنا بصعوبة مسك الملفات والمعطيات لتكتم الفريق الحاكم عليها، لتكون جاهزة لمنافسة ومقارعة خطط وبرامج الفريق الحاكم بمناسبة انتخابات 2009 وهي إلى ذلك مطالبة بتكثيف الضغط لتكون المنافسة نزيهة والفرص متكافئة بين الجميع. لا يختلف اثنان حول صعوبة الظروف الاقتصادية لكل دول العالم لا سيما النامية منها وما يمثله ذلك من تحديات لا سبيل إلى رفعها دون مشاركة الجميع في ذلك دون إقصاء أو تهميش لذلك لا يمكن أن نفهم النهج الانغلاقي للحكم في تونس مهما كانت التعلات والمبررات. إن تحقيق النمو الاقتصادي ليس غاية في حد ذاته وإنما هو وسيلة ضرورية لتحسين شروط حياة المواطن وذلك لا يكون إلا بدور الدولة الفاعل من خلال توزيع وإعادة توزيع الثروة وإن ذلك يمثل أحد أركان البرامج والخطط الاقتصادية التي ننكب عليها بكل ثقة ومسؤولية. نفتح الباب أمام كل خبرات بلدنا – وهم كثر – للمساهمة والإثراء لما فيه خير كل التونسيين.....معا نحي الأمل. أحمد فرحات حمودي