ما من شك في أن كسب رهان التنمية الشاملة والتأهل، للالتحاق بكوكبة البلدان المتطورة، هدف وطني طموح لن يتحقق إلا بحشد الطاقات وتعبئة القدرات وتشريكها جميعا على أساس احترام تعددها وتنوعها والانفتاح على كافة الاجتهادات سواء منها تلك التي تندرج ضمن الاختيارات الرسمية أو تلك التي تنتقدها، أو تعارضها وتقترح بدائل عنها بوصفها لها الحق كلها في التعبير عن رؤاها والتعريف ببرامجها والعمل على ربح تأييد التونسيين لها. لذلك وجب الإقلاع عن محاولة اختزال مهمة وطنية بهذه الدرجة من الحيوية في رؤية طرف واحد يعتقد أنه المؤتمن الوحيد على حاضر تونس ومستقبلها ولا يترك لباقي الأطراف من خيار غير خيار الاصطفاف وراءه، بل يكاد يعتبر كل طرف يصر على التمسك بحرية رأيه واستقلالية قراره وحقه في الاختلاف والمطالبة بالحوار من هذا المنطلق، جزءا من فئة "ضالة" وخارجة عن "الإجماع"، لا مجال للتعامل معه إلا بمنطق الملاحقة أوالمحاصرة أوالإقصاء أوالتشويه أو حتى التشكيك في انتمائه للمجموعة الوطنية. إنه لا بد من القطع مع هذا المنزلق الشمولي الذي كان ملازما للطريقة التي تم بها إعداد الانتخابات الأخيرة وتنظيمها وبلورة نتائجها، تلك الطريقة التي سادتها روح إجماعوية مصطنعة فوتت على البلاد فرصة الانتقال إلى حياة سياسية من طراز جديد، تكرس الاعتراف بالتعددية في الواقع وليس فقط في الخطاب. وعلى الرغم من هذه الفرصة الضائعة فإن الأوان لم يفت لتدارك الأمور ولو جزئيا، ونحن من جهتنا مستعدّون للتشاور مع الجميع بمن فيهم السلطة، في سبل إخراج الأوضاع السياسية من الانغلاق إلى قدر من الانفتاح يمهد لقيام حوار وطني حول أمهات القضايا المطروحة على بلادنا، في الحاضر وفي المدى القريب والمتوسط والبعيد. يبقى أن المناخ العام في حاجة إلى التنقية العاجلة، التي تبدأ بإحلال الانفراج محل التوتر، بإطلاق سراح المساجين من صحافيين وطلبة وغيرهم، وإيقاف التتبعات ضد الإطارات النقابية الطلابية وإعطاء إشارات واضحة ومقنعة على أنه ثمة استعداد جدي لحل مشكلة رابطة حقوق الإنسان ومشاكل تمثيل الصحافيين والطلبة والقضاة. حلا يحترم قواعد التمثيلية والاستقلالية، ورفع التضييقات على أحزاب المعارضة وصحفها، وتجاوز وضع الهيمنة والرداءة في قطاع الإعلام، وإعداد الانتخابات البلدية بروح تعددية تضمن لها الحد الأدنى من المصداقية… وهي كلها إجراءات مفيدة وممكنة إذا توفرت الإرادة السياسية!! الخميس 28 كانون الثاني (يناير) 2010