"أصبح أداة لمحاولة التغيير السياسي".. "دشن عصر الأحزاب الإلكترونية في العالم العربي".. "واجهة تفاعل اجتماعي مؤثرة".. "جزء من منظومة أدوات أفشلت سياسات التعتيم الرسمية".. "بديل الشباب في التعبير عن أنفسهم وأفكارهم".. بهذه العبارات وصف خبير إعلامي عربي موقع "فيس بوك" الاجتماعي الشهير في الذكرى السادسة لتدشينه، ومع وصول عدد مشتركيه إلى أكثر من 400 مليون مشترك في أرجاء العالم. واستهل الموقع الشهير عامه السابع مطلع الشهر الجاري ببعض التغييرات في صفحته الرئيسية وخدماته، حيث أضيفت أيقونات جديدة خاصة بالإشعارات، مثل طلبات إضافة الأصدقاء والرسائل وأجندة الأحداث من أعياد ومناسبات خاصة وعامة، مع تبسيط إعدادات حسابات المشتركين والمساعدة التي يقدمها الموقع لمشتركيه. وذكرت صحيفة "يو. إس. إيه توداي" الأمريكية السبت 6-2-2010 أن الموقع أضاف أيقونات جديدة للألعاب وتطبيقات معلوماتية، كما أعلنت شركة مايكروسوفت، عملاق البرمجيات الأمريكي، عن إدخال العديد من التطويرات على محرك البحث "بينج" الشهير الذي اعتمدته شبكة "فيس بوك" كمحرك بحث لها، بعد أن استحوذت مايكروسوفت على 1.6% من أسهم الشركة المالكة للموقع في عام 2007 مقابل 240 مليون دولار. ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن جون تينتر مدير عام محرك البحث "بينج" قوله إنه سيتم إدخال المزيد من التحسينات على المحرك على مدى الأسابيع والأشهر المقبلة، من بينها توسيع نطاقات عملية البحث والنتائج التي يعرضها "بينج" لمستخدميه. اجتماعي.. وسياسي وفي إطار احتفالات الموقع الأمريكي النشأة ب"عيد ميلاده" السادس ثار العديد من الجدل في الفترة الأخيرة في العالم العربي بشأن التأثيرات السياسية والاجتماعية ل"فيس بوك"، والتي أثارت نقاشات حول موقف الشريعة الإسلامية منه، وكذلك دعت هذه التأثيرات بلدانا عربية إلى حظر استخدام الموقع في فترات متفاوتة كما حدث في سوريا. في هذا السياق قال الدكتور محمود خليل، أستاذ الإعلام في جامعة القاهرة، إن "فيس بوك" تجاوز الإطار الاجتماعي الذي أسس فيه، ليكون ذا دور إعلامي وسياسي فاعل في العالم العربي، معتبرا أن الموقع حاز هذه الوضعية "بسبب حالة الانسداد السياسي القائمة في العالم العربي". وأضاف د. خليل في تصريحات ل"إسلام أون لاين.نت" أنه: "لا خلاف على أن فيس بوك بدأ بداية اجتماعية كموقع للتواصل بين مجموعة من الأفراد الذين تجمعهم اهتمامات وميول مشتركة، ولكنه كان من الطبيعي أن يتطور إلى الاتجاه السياسي مع ما شهدته السنوات الأخيرة من حراك سياسي في العالم العربي". ورأى أن "فيس بوك كان جزءا مهما من مجموعة أدوات ساهمت في إزاحة حالة التعتيم التي تفرضها الحكومات العربية على وسائل الإعلام، بجانب الفضائيات وبرامج التوك شو ومواقع تفاعلية أخرى، مثل تويتر". واعتبر أن الموقع "دشن حاليا لما يمكن أن يطلق عليه عصر الأحزاب الإلكترونية بعد الخروج من مرحلة الأحزاب الورقية؛ حيث كانت الأحزاب والقوى السياسية العربية التي لا أساس جماهيري كبير لها تتلخص في صحيفتها.. أما الآن فإن فيس بوك خلق بمجموعاته المختلفة أحزابا سياسية واجتماعية تلعب دورها في محاولة إحداث التغيير". واستطرد د. خليل قائلا إن: "الموقع في جانبه الاجتماعي أيضا لا خلاف على أنه منح فئة معينة من الشباب المصري والعربي عامة نافذة للبوح والتعبير عن الذات" بسبب الظروف القائمة في المجتمعات العربية. إلا أنه أضاف أن التفاعلات السياسية والاجتماعية للموقع "تظل في النهاية محدودة التأثير وجزئية لعدد من العوامل، حيث إن مجتمع فيس بوك مجتمع تخبوي مغلق على مستخدميه، كما أن الأجهزة الأمنية كثيرا ما تتدخل لتحجيم الظاهرة، سواء بممارسة ضغوط على مديري هذه الشبكة التفاعلية في الدول العربية، أو من خلال اعتراض النشطاء كما جرى مع بعض المدونين". وبحسب إحصائيات ل"فيس بوك" وموقع "أليكسا" المتخصص في بيانات مواقع الإنترنت، فإن مصر هي الدولة الأولى في الشرق الأوسط استخداما ل"فيس بوك"، حيث إن هناك قرابة ستمائة ألف مشترك، وهو الموقع الإلكتروني الثالث في المواقع الأكثر دخولا من قبل المصريين بعد كل من "جوجل مصر" و"الجزيرة.نت". وكان اللافت، بحسب تقارير إعلامية، أن يكون ل"فيس بوك" دور في تفعيل مناقشات سياسية وإعلامية في بلدان مصنفة على أنها بلدان محافظة في العالم العربي، مثل السعودية، حيث كان الموقع أحد المنابر الرئيسية في "محاكمة" المسئولين عن كارثة سيول جدة في مطلع ديسمبر الماضي، والتي صنفت في الإعلام السعودي على أنها واحدة من أبرز قضايا الفساد. ووصل عدد أعضاء بعض مجموعات "فيس بوك" التي تشكلت في شأن كارثة سيول جدة لما يزيد على أربعين ألفا، مثل مجموعة "الحملة الشعبية للمساهمة في إنقاذ مدينة جدة". أما في مصر، وبحسب د. خليل، فقد ظهر الدور السياسي ل"فيس بوك" بعدما أنشأت الناشطة المصرية إسراء عبد الفتاح، مجموعة على الموقع دعت فيها إلى إضراب 6 أبريل 2008 الشهير، وشارك في هذه المجموعة أكثر من 71 ألف شخص. كما أسس شباب مصريون مؤخرا عددا من المجموعات لحث المصريين على القيد في الجداول الانتخابية قبل انتهاء الموعد المحدد للقيد في 31 يناير الجاري؛ وذلك لرفع نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية في نوفمبر المقبل، والرئاسية في عام 2011، ومن بين هذه المجموعات "شارك في الحملة الشعبية لتسجل اسمك في الكشوف الانتخابية" و"هنعمل بطاقة انتخابية" و"أصواتنا" و"بطاقة انتخابية لكل مواطن". جدل فقهي وفي إطار تأثيرات "فيس بوك" كانت مصر وبلدان عربية أخرى ساحة لجدل واسع النطاق في الآونة الأخيرة، بعد أن كشفت دارسة أعدها فريق من المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أن "حالة من كل خمس حالات طلاق تعود لاكتشاف شريك الحياة وجود علاقة مع طرف آخر عبر الإنترنت من خلال موقع فيس بوك". إلا أن العديد من علماء الأزهر الشريف في مصر وعلماء عرب آخرين رأوا أن الموقف الفقهي من الموقع يتوقف على "مقاصد استخدامه"، وفي تصريح سابق ل"إسلام أون لاين.نت" نفى الشيخ عبد الحميد الأطرش ما تردد عن تحريمه استخدام هذا الموقع، قائلا: "لم أحرم فيس بوك، وإنما كل الذي قلت به إن الإنترنت والتليفزيون سلاح ذو حدين، شأنه شأن سكين المطبخ الذي يمكن استخدامه في منفعة أو استخدامه في إيذاء النفس والغير". وأضاف الشيخ الأطرش: "إن ما أفتيت به هو أنه إذا كان متاحا للمرء فرصة الدخول على مواقع الإنترنت فليدخل إن كان ينفع نفسه، ويستفيد من الإنترنت في عمله وحياته، أما إذا كان سيؤدي به ذلك إلى مفسدة كإقامة علاقات محرمة أو الدخول على مواقع إباحية فالتعامل هنا حرام". وهو ذات الموقف الذي جاء في بيان للجنة الفتوى بالأزهر الشريف، وذهب إليه علماء مصريون آخرون، من بينهم الشيخ فوزي الزفزاف عضو اللجنة.. وفي السياق ذاته قال أمين الفتوى في الجمهورية اللبنانية الشيخ أمين الكردي، الذي يمتلك صفحة دعوية خاصة على "فيس بوك"، لشبكة "سي. إن. إن": "إن الأمور بمقاصدها، وليس هناك بالتالي حظر شرعي على الموقع بشكل مطلق، شرط مراعاة استخدامه بصورة عاقلة ومتزنة، أما اللجوء إليه لاختراق الحرمات وفضح الناس فهو أمر محرم ومرفوض". شبكة تواصل وتأسس موقع "فيس بوك" كشبكة خاصة بالتواصل الاجتماعي يمكن الدخول والاشتراك فيها مجانا في فبراير 2004، وتملكه شركة "فيس بوك" مع بعض الشركاء الآخرين مثل مايكروسوفت، وقد قام مارك زوكربيرج، الذي يشغل حاليا منصب كبير الإداريين التنفيذيين في الشركة، بتأسيس الموقع بالاشتراك مع كل من داستين موسكوفيتز، الذي يشغل منصب نائب رئيس هندسة الموقع، وكريس هيوز، وهما من المتخصصين في دراسة علوم الحاسب، وكانا رفيقي زوكربيرج في سكن الجامعة عندما كان طالبا في هارفارد. وتعود فكرة الموقع واسمه -"فيس بوك أو كتاب الوجوه"- في الأساس إلى دليل الصور الذي تقدمه الكليات والمدارس التمهيدية في الولاياتالمتحدة لأعضاء هيئات التدريس والطلبة الجدد، والذي يتضمن تعريفا لأعضاء الحرم الجامعي كوسيلة للتعارف، حيث يعرف هذا الدليل في الولاياتالمتحدة أيضا باسم "فيس بوك". ولذلك كانت عضوية الموقع مقتصرة في بداية الأمر على طلبة جامعة هارفارد، التي درس فيها مؤسسو الموقع الثلاثة، ثم وسع المؤسسون عضوية الشبكة الجديدة لتشمل كليات وجامعات أخرى في مدينة بوسطن، عاصمة ولاية ماساتشوسيتس، من بينها جامعتا آيفي ليج وستانفورد. ثم اتسعت دائرة الموقع لتشمل أي طالب جامعي، ثم طلبة المدارس الثانوية، وأخيرا أي شخص يبلغ من العمر 13 عاما أو أكثر، إلى أن وصل عدد المشتركين في الموقع حاليا إلى 400 مليون مشترك عبر المعمورة. ويقدم "فيس بوك" خدماته بأكثر من لغة، أهمها الإنجليزية والعربية والفرنسية والألمانية والإسبانية، ولغات عديدة أخرى، وحقق عائدا قدره 300 مليون دولار في عام 2008، وتعتمد تقنية عمل الموقع على إضافة أصدقاء من داخل البلد الذي ينتمي إليه العضو أو من خارجه، وبعد قبول الطرفين لقيام صداقة بينهما يصبح بإمكانهما التحادث وتبادل الصور والتعليقات والرسائل والمواد المختلفة، سواء على المستوى الثنائي، أو مشاركتها مع أصدقاء آخرين مشتركين، كما يصبح بمقدور الأصدقاء الاطلاع على بيانات بعضهم البعض الشخصية. أحمد التلاوي إسلام أون لاين.نت السبت 22 صفر 1431ه - 6/2/2010م