بلجراد:"مؤسساتنا التعليمية مهددة بالإغلاق قريبا؛ بسبب الأزمة المالية التي تحاصرها".. بهذه الكلمات اختصر الشيخ معمر زوكورليتش -المفتي العام ورئيس المشيخة الإسلامية في صربيا- المخاوف التي تجيش في صدور المسلمين الصرب من انقطاع مصادر التعليم الديني الوحيدة عن أبنائهم وسط مساعي حكومية للتضييق على هذه المشيخة. ففي اتصال هاتفي مع "إسلام أون لاين.نت" يقول الشيخ زوكورليتش إن: "الأزمة المالية التي تمر بها مؤسسات المشيخة تمثل انعكاسا لأزمة سياسية بيننا وبين السلطات الصربية". وأرجع هذه الأزمة إلى أن "التوجه العام للمشيخة هو أن تظل مستقلة عن الدولة وتوجهاتها، وأن تركز نشاطها على خدمة مسلمي صربيا في كل المجالات، وفي مقدمتها المجالين الديني والتعليمي.. فقد علمتنا تجربة العهد اليوغوسلافي الشيوعي ألا نضع مؤسساتنا الدينية في قبضة الدولة مجددا". ويلفت إلى أنه منذ تأسيس المشيخة عام 1993: "ونحن ننمو ونتوسع تدريجيا؛ لحاجتنا إليها حفاظا على هويتنا وتواجدنا في هذه البلاد.. حتى أصبح للمشيخة مكانة اجتماعية بجانب مكانتها الدينية لدى مسلمي صربيا؛ لما لمسوه من حرصها على رعاية مصالحهم والمطالبة بحقوقهم كأقلية". ولكن "مع إدراكنا لأهمية التوسع في مؤسسات المشيخة التعليمية والتربوية فإن الأزمة المالية اضطرتنا مؤقتا إلى التوقف، وعدم البدء في أي مشروعات جديدة إلا بعد توافر التمويل اللازم". ويبين الشيخ زوكورليتش أن "المشيخة تعتمد في تمويل مؤسساتها على مسلمي السنجق أنفسهم من خلال الزكاة والصدقات ومساهمات رجال الأعمال". ويشدد على أن "السلطات الصربية تسعى للحد من نمو مؤسساتنا باتباع سياسة تجفيف الروافد المالية التي تغذي هذه المؤسسات، وذلك عبر ثلاث مسارات، أولها وقف الدعم الحكومي الذي كانت تحصل عليه المشيخة وفقا للقانون باعتبارها جمعية دينية، والضغط على رجال الأعمال الذين يمولون مؤسساتنا؛ ما قلل من التبرعات خوفا على أنشطتهم التجارية، وأخيرا تشن السلطات حملات إعلامية لتشويه صورة المشيخة ما يحد من قدرتها على جمع التبرعات". دعم خارجي وبحسب رئيس المشيخة الإسلامية في صربيا فإن "الأزمة المالية الحالية مؤقتة وسوف نتغلب عليها لاحقا، غير أنه لا مفر حاليا من الاعتماد على الدعم الخارجي لعام أو عامين حتى الخروج من الأزمة للحيلولة دون إغلاق مؤسساتنا التعليمية". أما الحل الدائم للأزمة المالية فيراه الشيخ زوكورليتش في "استثمار أراضي الوقف في إنشاء مشروعات استثمارية يخصص ربحها لتمويل مؤسسات المشيخة الدعوية والتعليمية"، مشددا على أن "للمؤسسات الخارجية دورا كبيرا في مساعدة مسلمي صربيا على إنشاء واستكمال هذه المشروعات، خاصة تلك التي بدأنا فيها ثم توقفت جراء الأزمة". ويدعو المفتي جميع المسئولين والمؤسسات المعنية بالشئون الدينية والتعليمية في العالم الإسلامي إلى زيارة المشيخة ومؤسسات المسلمين في إقليم السنجق بصربيا ل"تكوين صورة حقيقية عن الواقع والاحتياجات، وبعدها سيكون بمقدور الجهة الزائرة تحديد موقفها من المساعدة وفقا لإمكاناتها المتوافرة". وتشرف المشيخة الإسلامية على 7 "رياض أطفال"، تضم أكثر من 1000 طفل، ولديها 3 مدارس ثانوية إسلامية يتعلم فيها حوالي 500 تلميذ وتلميذة، إلى جانب كلية للدراسات الإسلامية تضم حوالي 200 طالب وطالبة. كما تدير جامعة نوفي بازار العالمية التي يدرس فيها نحو 4000 طالب وطالبة، موزعين على 5 كليات؛ هي: الحقوق، والعلوم الإنسانية، وكلية الفنون الجميلة، والحاسوب والتكنولوجيا الإلكترونية، وكلية الاقتصاد والإدارة. ومن أصل حوالي 7.5 مليون نسمة في صربيا يوجد نحو 800 ألف مسلم، بينهم أكثر من 400 ألف بوشناقي مسلم في إقليم السنجق جنوبي صربيا، وعاصمته مدينة نوفي بازار، والتي يوجد فيها مقر رئاسة المشيخة الإسلامية لجمهورية صربيا، ويبلغ عدد المساجد فيها 200 مسجد. توقف الرواتب الدكتور آلمير برامنكوويتش، عميد كلية الدراسات الإسلامية في مدينة نوفي بازار، يلفت إلى أن: "كلية الدراسات الإسلامية تعد الوحيدة من نوعها في صربيا"، مشددا على أهميتها، خاصة في مجال "تخريج كوادر مؤهلة لتدريس مادة الدين في المدارس الرسمية بعد أن أدخلت الحكومة الصربية مادة الدين في مدارس الدولة". ويوضح أنه في الفترة الأخيرة "بدأت الكلية تواجه مشاكل مادية تهدد استمرارها، كانت إحدى تبعاتها أن مدرسي الكلية لم يستلموا رواتبهم منذ شهور؛ ما جعلنا نقلق على مستقبلها". ويوجه د. برامنكوويتش نداء إلى المؤسسات المعنية في العالم الإسلامي لتقديم "دعم عاجل كي يتسنى للكلية مواصلة مسيرتها العلمية والتربوية وفقا لمنهج الإسلام الوسطي". وعلى الرغم من عدم استلام رواتبهم منذ شهور فإن العاملين في الكثير من مؤسسات المشيخة "مستمرون في أداء عملهم، إيمانا منهم بأنها تمثل العمود الأساسي للحفاظ على الهوية الإسلامية لمسلمي السنجق في صربيا"، بحسب خير الدين باليتش، المدرس في كلية الدارسات الإسلامية. غير أنه حذر من أن "الأزمة المالية التي تواجه المؤسسات الإسلامية منذ سنتين، وزادت حدتها خلال الأشهر الأخيرة، قد تجبر العاملين في هذه المؤسسات على البحث عن عمل آخر تحت ضغط الظرف الاقتصادي إذا استمرت الأزمة لفترة طويلة، وهو ما يهدد بتسرب الطلاب من تلك المؤسسات، ومن ثم إغلاقها في نهاية المطاف". وتضم كلية الدراسات الإسلامية، التي يدرس فيها 300 طالب وطالبة على مدار 4 سنوات، 6 أقسام، وغالبية هيئة التدريس المؤلفة من 45 مدرسا متخرجون من جامعات الدول الإسلامية، بينهم 22 مدرسا حاصلون على درجة الدكتوراه و14 نالوا الماجستير. غازي عيسى بك مصطفى فتيتش، مدير مدرسة "غازي عيسى بك" في مدينة نوفي بازار، يقول ل"إسلام أون لاين.نت" إن هذه "المدرسة من أرقى المدارس الثانوية التي لها دور بالغ الأهمية في الحفاظ على الهوية الدينية والثقافية والوطنية للمسلمين، وقد تخرجت منها أجيال وكوادر حملوا أمانة العلم والدعوة ويعملون حاليا في مؤسسات المشيخة وخارجها". غير أن "المدرسة مهددة حاليا بالإغلاق، فهي في أمس الحاجة إلى مساعدة مالية لتغطية رواتب هيئة التدريس الذين لم يستلموا رواتبهم منذ عدة أشهر.. إن مساعدة العالم الإسلامي لهذه المدرسة تعني مساعدتهم للمسلمين في هذه المناطق"، بحسب فتيتش. وتعتبر مدرسة "غازي عيسى بك" أقدم مؤسسة تعليمية في إقليم السنجق؛ إذ تأسست خلال القرن السادس عشر، ومن حينها تعتبر مركز التعليم الديني والثقافي لمسلمي السنجق، واستمرت في أداء دورها مع فترات انقطاع قليلة، إلى أن أغلقها النظام الشيوعي اليوغوسلافي عام 1946، ثم استأنفت عملها عام 1990، وبعدها بعامين تم افتتاح قسم للطالبات، وفرع للمدرسة في مدينة روزايي بالجبل الأسود. ويدرس في المدرسة حاليا 328 طالبا وطالبة تتوافر لهم إقامة داخلية، ويعمل بها 47 أستاذا و19 مربيا ومربية، بالإضافة إلى 6 موظفين إدرايين و23 آخرين في الخدمات التقنية والفنية، وتستغرق الدراسة فيها أربع سنوات، يدرس خلالها الطلاب 22 مادة ما بين مواد إسلامية وأخرى عامة. هاني صلاح إسلام أون لاين.نت السبت 22 صفر 1431ه - 6/2/2010م