بعد أن رفض السجناء غير المسيحيين في سجن "مونت" بمقاطعة "هيرتفوردشاير" البريطانية برنامج التأهيل النفسي والاجتماعي التقليدي الذي تتبعه سلطات إدارة السجون والمعتمد بشكل كلي وجزئي على مواعظ الإنجيل.. تمكّن إمام مسلم من وضع برنامج جديد يستند إلى الديانات السماوية الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام. ونال البرنامج الذي وضعه إمام يُدعى محمد الشرقاوي إعجاب كل من السجناء ومسئولي وزارة الداخلية البريطانية التي كافأته بمنحه إحدى جوائزها الرفيعة، بحسب صحيفة "جارديان" البريطانية في عددها الصادر الأربعاء 5-3-2008. واستلهم الشرقاوي برنامجه من قصة نبي الله يوسف عليه السلام الذي قضى فترة داخل السجن، وبدأ في تطبيقه بالفعل على نزلاء سجن مونت البالغ مجموعهم 750 سجينًا، ويشكّل غير المسيحيين نصفهم تقريبًا. ويشمل البرنامج تأهيل السجناء خلال فترة العقوبة وبعدها. وعلّق الشرقاوي على برنامجه قائلاً: "لقد درست الأديان السماوية الثلاثة.. حتى بدأت في تطوير البرنامج التدريبي لمساعدتهم، مستعينًا بقصة النبي يوسف عليه السلام التي وردت في كل من التوراة والإنجيل والقرآن". ودخل يوسف عليه السلام السجن ظلمًا بعد أن حاولت زوجة عزيز مصر (القائم على خزائن الدولة) إغواءه بعد افتنانها بجماله، غير أنه فضل دخول السجن على ارتكاب المعصية، وبالفعل دخل السجن بعد أن أقنعت زوجها بأن يوسف هو من راودها عن نفسها. ومع مرور الأيام ثبتت براءة سيدنا يوسف وعيّنه حاكم مصر آنذاك في منصب عزيز البلاد مكافأة له على تقواه. وبعد خروجه من السجن وتوليه هذا المنصب الرفيع، لم ينتقم من إخوته الأحد عشر الذين ألقوه في بئر؛ نظرًا لغيرتهم من حبّ والدهم سيدنا يعقوب عليه السلام الشديد له، بل سامحهم وعادوا للعيش سويًّا بأمان ومحبة في مصر. اقتداء بنبي الله واقتداء بقصة سيدنا يوسف، يشجع برنامج الشرقاوي التدريبي السجناء على مواجهة الأحكام القضائية الصادرة ضدهم، وعقد مصالحات بين السجناء ومن أذنبوا في حقهم، واستغلال فترة السجن من أجل إصلاح أنفسهم؛ استعدادًا لحياة أفضل بعد استعادة حريتهم. كما يتضمن البرنامج تنظيم زيارات للسجناء من قبل أهالي الضحايا الذين أجرموا في حقهم من أجل المصالحة، وغلق ملفات الصراع ورغبات الانتقام. ويقول الشرقاوي: "لقد استغل يوسف فترة وجوده في السجن لتطوير ذاته وتقوية إيمانه، وبعد أن غادره أصبح في أحد أرفع الأماكن في مصر.. فسجنه لم يدفعه إلى طأطأة الرأس، والانعزال عن الناس". وتحمل الشرقاوي كل ما يتعلق بنفقات تصميم وتقديم البرنامج التدريبي، وتكاليف المواد الخاصة به، وبثّه على موقع الجامعة الإلكترونية المفتوحة في بريطانيا؛ لتسهيل تعامل السجناء معه. التأثير الإيجابي وظهر التأثير الإيجابي لبرنامج في تعليقات السجناء، والقائمين على إدارة السجن. ويقول أحد السجناء المستفيدين من البرنامج: "إنني شديد التأثر والأسف لما ارتكبته من جرم، خاصة بعد أن أصبحت سجينًا بعيدًا عن أطفالي". ويقول سجين آخر يُدعى برفيز: إن البرنامج التدريبي ساعده في إدراك خطئه، مشيرًا إلى أهمية الأسلوب الإيجابي والودّي الذي يستخدمه الشرقاوي في تقديم البرنامج للسجناء. ويضيف: "إخلاص الشرقاوي وسعيه لعقد مصالحة بين السجناء والضحايا، وأسلوب تعامله مبهر بالنسبة لي". ويسعى الشرقاوي من خلال جهود المصالحة بين الجانبين إلى مساعدة السجناء على بدء حياة جديدة، خالية من الخوف من الانتقام، أو عقد الذنب بعد خروجهم من السجن. وعبّر عن ذلك بقوله: "إنه موقف شديد التأثير"، تعليقًا على أجواء اللقاء الذي ساعد في حدوثه بين برفيز وعائلته لأول مرة منذ أن قاطعته قبل 10 سنوات. "لم يتوقعوا أبدًا أن يحصل هذا، ولقد أمطروني بالكثير من البطاقات والرسائل بعد ذلك ليقولوا لي شكرًا". إدارة السجن أيضًا تحدثت عن تأثرها بتلك النتائج. وقال أندرو لانجلي نائب رئيس سجن "مونت": "إنه برنامج هام، ومحبوب جدًّا بين النزلاء، ولا يوجد له مثيل في سجون أخرى، حيث أصبح يعاد الضوء على الضحايا مرة أخرى". وقد أسفر نجاح البرنامج عن فوز الشرقاوي العام الماضي بجائزة "شيلد" للعدالة التي تقدمها وزارة الداخلية، وقالت في حيثيات منحه الجائزة: إنها تأتي مكافأة له على "مساهمته الفاعلة في العمل مع السجناء". ولتعميم الفائدة، يقوم الشرقاوي حاليًّا بتدريب مجموعة من الأشخاص لتطبيق هذا البرنامج في 7 سجون أخرى.