ساهم في الكتاب أسماء مهمة من الليبراليين والإسلاميين، بل من بعض قيادات الحركة الإسلامية أيضًا، وهم: د. برهان غليون والمستشار طارق البشري ود. رضوان السيد والشيخ راشد الغنوشي ود. سعد الدين العثماني ود. أنور أبو طه ود. معتز الخطيب، ود. نصر عارف والسيد هاني فحص وعبد الرحمن الحاج. شغلت مسألة الدولة–ولا تزال- محور النقاشات الدائرة في الفكرين العربي والإسلامي؛ ولعل السبب في ذلك يرجع إلى أن أصحاب المشاريع المختلفة أو الأيديولوجيات المختلفة، يعلِّقون مشاريعهم على الدولة التي يُعطونها هذه الأهمية الاستثنائية والخاصة التي تجعل منها المعبود الحقيقي للمجتمع كما لدى القوميين، أو دولة الخلاص واستعادة الإسلام وحماية الشريعة كما لدى الإسلاميين، أو دولة الديمقراطية والحريات الفردية كما لدى الليبراليين. ويأتي هذا الكتاب (مأزق الدولة بين الإسلاميين والليبراليين) ليثير النقاش والحوار حول مسألة الدولة، والجدالات التي تكتنفها، بما يعكس مختلف وجهات النظر حولها، واعتراضات كل ناظر على الآخر. الكتاب يعد الإصدار الخامس في السلسلة التي يصدرها موقع " الإسلاميون " وتنشرها عنه مكتبة مدبولي، ويحاول الكتاب تشخيص مأزق الدولة في عالمنا العربي وفكرنا الإسلامي، من مواقع مختلفة، يجمعها الهمّ النقدي، ونُشدان الدولة التي تحقق مصالح الأمة، وتحفظ حقوقهم، وإن اختلفت التصورات وتَفَرَّقت السبل. الصراع وغموض المفهوم فالفصل الأول "الدولة .. معضلة المفهوم والتطبيق" شمل ثلاث دراسات هي: الصراع على الدولة، وشخصنة الدولة، وامتناع تنميط الدولة. ويؤكد هذا الفصل التعقيدات التي تكتنف مصطلح "الدولة"، سواءٌ على مستوى المفهوم أم على مستوى الكيانات القائمة والشاخصة في عالم اليوم. ويخلص إلى أن جزءًا مهمًّا من الصراع الدائر حول الدولة في فكرنا العربي منذ أكثر من ثلاثةعقود، يرجع إلى غموض مفهوم الدولة ذاته أو تشوشه في الوعي العربي العام، وعند معظم الأطراف. لكن ثمة اتفاق تقريبًا - في هذا الفصل - على أن الدولة "هي آلية لتنظيم الشؤون الاجتماعية المشتركة"، و"هي التعبير عن نجاح المجتمع في الوصول إلى توافقات وبناء مؤسسات تعكس تجاوز تجربة العنف، وتضمن استمرار السلام، ومن ثم الاستقرار والتعايش المديد بين السكان. فكل دولة هي مشروع بناء أمة أو مجتمع متفاهم مع نفسه ومع السلطة المركزية التي يخضع لها طواعية، وتقوم بمهام تنظيم شؤونه وإدارة مصالحه" - بتعبير د. برهان غليون –، وهي "تعبير عن جماعة وأداة للحكم بين الناس"، فالدولة ممثلة للجماعة الوطنية، ترعى الشأن العام للمواطن والشعب، أما نظامها السياسي والاقتصادي "فنظام قانوني يناط به الفصل بين الناس بالعدل وإدارة دولاب الحكم" - بتعبير المستشار طارق البشري -. مقاربات حول الدولة الإسلامية الفصل الثاني "أطروحة الدولة الإسلامية"، يعرض لثلاث مقاربات لفكرة الدولة الإسلامية، واحدة تبحث في مبادئ السلطة والحكم في الإسلام، وتتضمن مقايسة فكرة الدولة الإسلامية على فكرة الدولة الديمقراطية الحديثة، من خلال بحث أهم مفاهيمها التي تقوم عليها وهو "الشرعية"، المقاربة الثانية في هذا الفصل يحاول كاتبها التأسيس للدولة المدنية من خلال مسألة "تصرفات النبي صلى الله عليه وسلم بالإمامة"، ويسعى من المنطلق ذاته – وهو المقايسة على الدولة الحديثة- إلى البحث عن انسجام مجتمع الإسلام مع دولة مدنية تنبني فيها الشرعية على إرادة الشعب، وتصدر فيها القوانين من قبل مؤسسات خُوِّل لها ذلك بالانتخاب، وفق مصلحة المجتمع. وتأتي المقاربة الثالثة لتنقد الكتابات الحديثة في النظام السياسي الإسلامي أو في الفكر السياسي الإسلامي التي تستبطن النموذج المعرفي الغربي في علم السياسة وفي التفكير السياسي، وتحاول أن تنسج على منواله. في محاولة لتقديم أسس نظرية عامة لملامح النظم السياسية الإسلامية، وأهم ملامح هذا النموذج الإسلامي المقترح، أنه يتخذ من المجتمع مركزًا له، بينما يهمش - إلى حد كبير - دور الدولة. ثمة مسألة شديدة الأهمية في الحديث عن الدولة وضرورتها، فالدولة كما يتضح من الفصل الأول وخاصة في ورقتي فحص وغليون، ضرورةُ اجتماع، يقتضيها الاجتماع ويبنيها، لا تبنيه، معنى ذلك أن الاجتماع متغير ومتطور تبعًا للأزمنة والأحوال وتطورات انتظامه وتكويناته ومعارفه، فإذا تغيّر وعي الاجتماع لذاته وعلائقه، وتغير وعي الفرد لموقعه في المجتمع ومسؤولياته وحقوقه وواجباته، وتغيرت الأدوار تبعًا لذلك، فلا بد أن يؤثر ذلك في شكل الدولة، وأدائها، ودورها، ومصدر شرعيتها، وآليات تحقيقها، طبقا للتغيرات الحاصلة في بنيان المجتمع. وهذا المعنى سيصادفنا كذلك في مطلع الفصل الثاني "أطروحة الدولة الإسلامية"، حين يقرر راشد الغنوشي أن التصور الديني التراثي يجعل الدولة (نصب الإمام الذي هو رأس الدولة) "واجبًا دينيًّا لإقامة الشريعة وضرورة اجتماعية إنسانية لا بديل عنها في توفير شروط بقاء الجماعة"، وأن الخوارج هم وحدهم الذين شذوا – في القديم- فجعلوها ضرورة اجتماعية فقط، لكنه لا يلبث أن يقرر أن التصور الوسطي الذي عليه جمهور الإسلاميين يتمثل في اعتبار السلطة ضرورة اجتماعية وأداة من أدوات الأمة في إقامة عدل الإسلام، وأنها مجرد أداة اجتماعية توظفها الأمة لحراسة الدين والدنيا، وأن القائمين بها ليسوا سوى خدام عند الأمة؛ إذ هي المخاطب الحقيقي بإقامة الشريعة، بما يجعل شرعيتهم موقوفة على إنفاذهم للشريعة والتوافق مع توجيهاتها كما يرتضيها جمهور المسلمين. الدين والدولة الفصل الثالث "إشكالات الدولة الإسلامية"، ينصبّ في الأساس على محاولة تحديد معالم الدولة الإسلامية عند القائلين بها، ودراسة علاقة الدين بالدولة والدولة بالدين، بدءًا من التراث السياسي الإسلامي وصولاً إلى حركات الإسلام المعاصر، ليقدّم رؤى نقدية في أطروحة الدولة الإسلامية ويبلور بعض إشكالاتها، بالاستناد إلى قراءة التجربة التاريخية في محاولة لإزالة اللبس الذي وقع فيه القائلون بأطروحة الدولة الإسلامية. إن الإضافة التي يقدمها هذا الكتاب هي أن قارئه يحيط علمًا بمفاهيم الدولة لدى جميع الأطراف، ومشكلات كل مفهوم، كما أن النقاشات التي يتضمنها تتجاوز الأبعاد الأيديولوجية نحو معالجة معرفية، ذات بعد نقدي واضح. فقارئه سيقف على تصورات الدولة في التراث السياسي الإسلامي الكلاسيكي، وفي الحركة الإسلامية، خاصة الإخوان المسلمين، وفي الأفكار الليبرالية، وكذلك الاتجاهات الناقدة لأطروحة الدولة الإسلامية من داخل المرجعية الإسلامية نفسها، كل هذا إلى جانب الوقوف على بعض تنظيرات الإسلاميين للدولة ونظامها السياسي ومسائل الشرعية والدولة المدنية.