سلَّط حكم قضائي في تركيا بالسجن 21 عاما على رئيس تحرير صحيفة كردية الضوء من جديد على حالة الصحافة التركية، والتي تواجه تضييقات عديدة أدت إلى مقتل وحبس وطرد عشرات الصحفيين في السنوات الأخيرة.وأحدث المتضررين من هذه التضييقات أوزان كيلينج، رئيس تحرير صحيفة "أزاديا ولات" الكردية الذي أصدرت محكمة في ديار بكر(منطقة ذات غالبية كردية) حكما عليه بالسجن 21 عاما، لا ينفذ منها حبس فعلي سوى 3 أشهر، بتهمة "الدعاية لمنظمة إرهابية" هي حزب العمال الكردستاني المحظور، بعد أن نشر مقالات وأخبارا عن الحزب في 12 عددا من أعداد الصحيفة عام 2009. وقالت وكالة أنباء الأناضول الرسمية الخميس 11-2-2010 إن المحكمة قالت في حكمها الذي أصدرته الأربعاء إن كيلينج سمح للصحيفة بنشر صور ونصوص تشيد بحزب العمال، وهي التهمة التي أكد محامي كيلينج براءة موكله منها، مؤكدا لصحيفة "زمان" أن موكله كان ينشر الأخبار بشكل مهني. وهذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها الصحيفة لملاحقات قضائية وأمنية، فقد سبق أن تعرضت للإغلاق 5 مرات منذ إنشائها عام 1994، واضطرت إلى تغيير 6 رؤساء تحرير في غضون 3 سنوات بسبب تعرض بعضهم للحبس، وفرار آخرين من البلاد لتجنب هذا المصير. ويعد ملف حرية الصحافة من أعقد الملفات التي تعوق مفاوضات تركيا مع الاتحاد الأوروبي لنيل عضوية الأخير؛ حيث يتهم الاتحاد تركيا بالتضييق على حرية التعبير، وبشكل خاص في الصحف التي تتحدث بلسان الأقليات، أو تتناول ملفات الفساد، أو الصحفيون الذين ينتقدون الجيش أو مؤسس الدولة الحديثة مصطفى كمال أتاتورك وأفكاره العلمانية الصارمة. ومن الأمثلة السابقة التي تستشهد بها التقارير الأوروبية وتقارير منظمة العفو الدولية "أمنستي" في هذا الصدد مقتل جيهان هايرسيفينز، رئيس تحرير صحيفة "الحياة في جنوب مرمرة"، رميا بالرصاص في ديسمبر 2009 بعد تلقيه تهديدات بالقتل تتصل بعمله في تغطية الفساد المحلي. وكذلك محاكمة الصحفي التركي الذي ينتمي للأقلية الأرمنية هرانت دينك عام 2006 بتهمة الإساءة للهوية التركية بحديثه عما يسمى بمذابح الأرمن في تركيا، ثم اغتياله عام 2007. وكذلك الحكم على الصحفي الكردي راغب دوران بالسجن 10 أشهر بعد إجرائه حوارا صحفيا مع زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، الذي يقضي عقوبة السجن مدى الحياة، ونشره في صحيفة موالية للأكراد عام 1994. وحاليا يخضع الصحفي نديم سنير، الذي ألف كتابا عن اغتيال الصحفي هرانت دينك بعنوان "قتل دينك وأكاذيب الاستخبارات" للمحاكمة قد تصل به إلى عقوبة بالحبس 32 عاما بتهمة "الكشف عن معلومات سرية، وتعريض العاملين في مكافحة الإرهاب إلى الخطر"؛ كون الكتاب يتضمن معلومات حول أداء رجال الدرك والشرطة وضباط المخابرات الوطنية، وإهمالهم في قضية مقتل دينك. ويقول الصحفي المستقل محمد أولغر، رئيس منظمة روبورتاج الهولندية المعنية بتعزيز حرية الصحافة في تركيا: "لدى تركيا منذ عام 2003 قانون يكفل حرية الصحافة، كجزء من صفقة تركيا للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي، لكن هذه الحرية تحسنت فقط على الورق، كما أن تركيا من الدول القليلة، التي يحمي قانونها المصادر الصحفية، لكن ذلك لا يحدث في الواقع ". وشهد العامان الماضيان بشكل خاص عشرات القضايا المرفوعة ضد صحف وصحفيين؛ ما أدى إلى أن بعض الصحف أًصبحت حذرة فيما تنشر، وإلا فإنها ستتعرض لفقدان الإعلانات الحكومية، والحق في الاعتماد أو البطاقة الصحفية، كما أنها ستخضع للتحقيق، وفق ما لفت إليه أولغر في لقاء مع إذاعة هولندا الدولية. وتقول مصادر صحفية تركية إنه قتل أكثر من 25 صحفيا في تركيا خلال العامين الماضيين، بعضهم لم يتم إلقاء القبض على قاتليهم. المادة 301 المادة رقم 301 من قانون العقوبات التركي هي المادة التي يستند إليها القضاء في معظم أحكامه بخصوص الصحفيين، وهي المتهمة من جانب منظمات حقوق الإنسان الدولية والمحلية بالحد من حرية التعبير عن الرأي؛ حيث تنص على معاقبة كل من يقوم ب"إهانة كل ما هو تركي"، دون توضيح لطبيعة وحجم الإهانة، وما هي الأشياء التي تعتبر من الأساس "إهانة". ومن الأحكام التي يذكرها منتقدو هذه المادة للتدليل على عدم وضوحها الحكم الذي تعرضت له فرقة موسيقية تحمل اسم ديلي "مجنون" لحكم بالسجن لمدة 18 شهرا بسبب أغنية تنتقد امتحانا تفرض الدولة على خريجي المدارس الثانوية اجتيازه ليتم قبولهم في الجامعات بتهمة "إهانة الدولة"، بالرغم من أنه انتقاد يتعرض لقرار حكومي وليس لإيديولوجية الدولة. ومع أنَّ أمورًا كثيرة جدا أصبحت في السنين الأخيرة أحسن، على حدّ قول دوران، فإنه يؤكد أن الحكومة تواجه صعوبات في إزالة جميع العوائق القانونية أمام حرية التعبير. ومؤخراً انتقد فرع مراقبة حرية الإعلام في منظمة الأمن وحقوق الإنسان للدول الأوروبية تركيا لقيامها بإغلاق قرابة 3700 موقع إلكتروني لأسباب سياسية، من بينها موقع "يوتيوب" لاحتوائه على مواد "مسيئة" لمؤسس الدولة مصطفى كمال أتاتورك. وتحديا لقرارات الحبس والإلغاء وجرائم القتل من الصحفيين والصادحين بآرائهم النقدية أعلنت جمعية الصحفيين الأتراك منحها إحدى جوائز حرية الصحافة لعام 2009 إلى اسم الراحل دينك نيابة عن 100 أكاديمي وصحفي وكاتب ممن "عانوا بسبب المادة 301".