حيا الله الإنجليز! بانتظار بي بي سي عربية ياسر أبوهلالة تستعد البي بي سي لإطلاق خدمتها العربية التلفزيونية، بعد أن أصدر وزراء الإعلام العرب تعليماتهم بخصوص الإعلام الفضائي. ومن سوء حظ الوزراء أن الخدمة لم تكن على الهواء فلم تطلها سيوفهم، والأسوأ أن بريطانيا لا يوجد فيها وزير إعلام يحضر – ولو بصفة مراقب- اجتماعاتهم المكرسة للحفاظ على أخلاقيات الناس وثوابت الأمة. وقبل أن تشاهد الخدمة على الهواء فهي تستحق الترحيب. فأجواء المنافسة تطور المنتجات لصالح المستهلك. وستوسع خياراته باتجاه ما يلبي أشواقه ورغباته. والمشاهد هو المستفيد دائما. أما وزراء الإعلام العرب فسيظلون في ريبهم يترددون. ولا أمل لهم إلا بانقطاع الكهرباء التي تعمل عليها أجهزة التلفزيون. تتيح نظرة إلى الوراء فرصة لمعرفة ماذا سيشاهد العرب على الفضائية المنتظرة. فهي بدأت ذراعا استعمارية لإمبرطورية توسعية. انتهت الإمبرطورية وظلت الإذاعة. وعلى عداء العرب للإنجليز، الذين مزقوا بلادهم وأنشأوا "إسرائيل"، ترفقوا بالتعامل مع الإذاعة. وظلت مصدرا أساسيا – قبل الفضائيات – للحصول على المعلومات. فالخبر السياسي هو ما يأتي من البي بي سي، أما الإذاعة المحلية فهي لأخبار الموتى والخدمات وحال الطقس، وأخبار الزعيم البرتوكولية من قبل ومن بعد. حازت البي بي سي إذاعة على ثقة المستمعين، لأنها تعاملت بمهنية لم يجدوها في إذاعاتهم المحلية. وعلى مدى عقود ترسخت تقاليد البي بي سي وباتت عقدا غير مكتوب بينها وبين مستمعيها. ولم يكن وزراء الإعلام راضين عنها على الدوام. وتعاملوا معها على مضض أمرا واقعا. تحولت الخدمة الإذاعية إلى تلفزيون، قدمت لفئة محدودة جدا من المشاهدين العرب ولفترة محدودة جدا، عبر باقة الأوربت المملوكة للسعوديين. لم تكن الجماهير العربية المستمعة للإذاعة تشاهدها على الفضاء. فالاشتراك في الأوربت مكلف جدا والطبق الفضائي لم يكن يقل ثمنه عن ألف دولار. مع ذلك لم تحتمل إدراة أوربت سقف البي بي سي وتقاليدها. كانت البي بي سي, وهي تحت رحمة الأوربت، تنزل عن الهواء مع بث كل ما هو ضد الحكومة السعودية، سواء في برامج وثائقية، أو مقابلات. كانت القشة التي قصمت ظهر البعير وقف مقابلة المعارض السعودي أحمد المسعري. وهو ما أخل بعقد الأوربت مع البي بي سي. يستغرب موقف البي بي سي في عام 1996 ، فقد قبلت بالتعويض المالي الضخم، لم تترك إسار الأوربت لتعود إلى الفضاء، بل سرحت الموظفين الذين تظاهروا في شوارع لندن احتجاجا. وقررت العودة بعد 12 عاما. في الأثناء كان القطريون يستعدون لإطلاق فضائية إخبارية متواضعة تبث 6 ساعات في اليوم. لم تكن باشتراك مكلف، على الهواء مجانا. وفرَ عليهم إغلاق البي بي سي العربية جهودا كبيرة في التوظيف. لذا جاءت أكثرية الكادر من ضحايا البي بي سي ( أول رئيس تحرير سامي حداد، رئيس التحرير الحالي أحمد الشيخ، جميل عازر، فيصل القاسم، محمد كريشان، ميا بيضون .. ) . نقل هؤلاء كثيرا من تقاليد البي بي سي إلى القناة الوليدة، لكنهم أضافوا عليها وحذفوا منها. فالقناة الجديدة تؤسس من الصفر وفيها من تعلم في مدرسة البي بي سي ومن تعلم في غيرها من صحافة مكتوبة أو مسموعة. من ذلك التفاعل ولدت "روح" الجزيرة. وهي مدينة إلى رافد البي بي سي الذي امتزج بنهرها. لم تكن الجزيرة امتدادا للبي بي سي، فكثير من قياداتها لم يكن لهم علاقة بالبي بي سي، رئيس مجلس الإدارة حمد بن ثامر، مديرها العام لمدة ثماني سنوات محمد جاسم العلي، والمدير العام للشبكة وضاح خنفر. في المقابل، رئيس تحرير البي بي سي العربي صلاح نجم كان رئيس تحرير الجزيرة لفترة طويلة، ورئيس تحرير الجزيرة أحمد الشيخ كان في البي بي سي. لو تخيلنا أن البي بي سي بعد أن فسخت عقدها مع الأوربت،عادت إلى البث الفضائي العام هل ستتمكن الجزيرة من منافستها في العام 1996 ؟ السؤال بات معكوسا بعد 12 عاما. ياسر أبوهلالة 9/3/2008