مركز يونس إمرة الثقافي، مجلة النور، قبر الشاعر العربي امرؤ القيس، القناة التركية الناطقة بالعربية.. خطوط وصل جديدة تمدها تركيا حاليا إلى العالم العربي لتغير بها ملامح الصورة التي ترسخت عنها في ذهنه طيلة ال80 عاما الماضية، والتي اكتست فيها بالرداء العلماني الغربي الصارم، ما أظهرها بهيئة "الدولة المعادية للدين المتعالية على العرب".أحدث خطوط الوصل التي تمدها حكومة حزب العدالة والتنمية المتقاربة مع العرب، هي مركز "يونس إمرة" الثقافي الذي يفتتحه وزير الخارجية التركي، أحمد داود أوغلو، الأربعاء 3-3-2010، في القاهرة، بهدف زيادة التعريف بتركيا القديمة والحديثة تاريخا وثقافة وفنًّا ولغة، وليكون وسيلة لتعزيز العلاقات بين شعبي البلدين. وتتضح قوة الاهتمام التركي بالقاهرة في هذا الصدد بأن هذا المركز سيكون الثالث من نوعه في العاصمة المصرية، التي يتواجد فيها المركز الثقافي التابع للسفارة التركية، بالإضافة إلى دار النيل. وسبق أن افتتحت تركيا مراكز مماثلة بنفس الاسم في البوسنة وألبانيا، وتخطط لافتتاح مراكز أخرى في سوريا وروسيا وكازاخستان ومقدونيا وألمانيا وفرنسا. وفي القاهرة أيضاً صدرت قبل أيام مجلة "النور للدراسات الحضارية والفكرية"، لتكون أول مجلة تركية فصلية محكمة باللغة العربية، وثاني مجلة تركية تصدر باللغة العربية منذ أن سلخ أتاتورك تركيا من اللغة والحروف العربية في عشرينيات القرن الماضي بعد إسقاط الخلافة الإسلامية. ومجلة "النور" التي تصدر عن "مؤسسة إستانبول للثقافة والعلوم"، يتولى الإشراف عليها والتحرير مجموعة من المثقفين الأتراك والعرب، ومن بين باكورة موضوعاتها التي ظهرت في إصدارها الأول يناير الماضي: ثورة الإيمان، ومفاهيم المشروع النهضوي الإسلامي المعاصر، وفصل المقال فيما بين فلسفة البشر، وحكمة القرآن من الانفصال، ومنهج النورسي في إحصاء أسماء الله الحسنى، ومقاصد الحياة وغاياتها في فكر النورسي من خلال رسائل النور. وعن أهداف المجلة قال المدير المسئول، كنعان دميرطاش: "إن فكرة إصدار دورية بالعربية جاء نتيجة تراكم أعداد كبيرة من البحوث والدراسات بالعربية، سبق أن قدمت في الندوات الفكرية والثقافية الدولية التي نظمتها مؤسسته في السنوات الماضية، وكثير من الباحثين والأساتذة العرب طلبوا من مؤسستنا إصدار دورية ثقافية تتضمن تلك البحوث، بدلا من وضعها على الأرفف أو في الأدراج لا يستفاد منها". ومن بين ما تهدف إليه المجلة أيضا، بحسب ما أشار إليه مولاي حسن الحفيظي -مغربي يعمل بالدورية- هو "أن يكون لها دور في توصيل فكر المتصوف التركي، بديع الزمان سعيد نورسي، للعالم العربي، كخطوة مكملة للندوة الفكرية العالمية الدورية التي تقام عنه في تركيا أو في خارجها". ويتزامن إطلاق المجلة الجديدة، وافتتاح المركز الثقافي الجديد مع التحضيرات التي تسير على قدم وساق في أنقرة لإطلاق أول قناة تركية تلفزيونية باللغة العربية، والتي كان متوقعًا أن تظهر للنور مطلع العام الجاري لولا عقبات فنية، تسعى إدارتها إلى تخطيها. امرؤ القيس الخطوات السابقة للتواصل مع العالم العربي تبدو فيها تركيا وهي تتحرك بنفسها إلى الساحة العربية، بينما هناك خطوات أخرى لأخذ هذا العالم إليها، يساعدها في ذلك أحياناً عوامل قدرية، ومنها اكتشاف موقع ضريح الشاعر العربي الجاهلي امرؤ القيس فوق تلة هيديرليك، التي تشرف على العاصمة أنقرة على حسب ما أعلن باحثون في ندوة الأدباء السوريين والأتراك عقدها كل من اتحاد الكتاب العرب السوري واتحاد كتاب أوراسيا، والأخير هو أحد التنظيمات الثقافية الشهيرة بتركيا، فبراير الماضي. وقال باحثون في الندوة إن وثائق تم العثور عليها أظهرت أن ما تبقى اليوم من حجارة وبناء قديم على تلة هيديرليك تعود إلى قبر الشاعر. وتلقفت السلطات التركية هذا الاكتشاف لتعد مشروعا لإعدة ترميم الضريح لجذب السياح العرب في زياراتهم السياحية والتجارية المتزايدة في الفترة الأخيرة. ولم يظهر حتى الآن تأكيد علمي لهذا الكلام عن مكان القبر، إلا أنه معروف أن امرؤ القيس توفي في القسطنطينية، التي باتت بعد الفتح الإسلامي مقرا للدولة العثمانية، وبشكل خاص في المنطقة التي تعرف الآن بأنقرة حوالي عام 544 ميلادية، ويقال إنه مات بداء الجدري، فيما تقول رواية أخرى أنه مات مسموما برداء منثور عليه السم الذي تسبب في سقوط جلده، وهذا الثوب أهداه إليه أحد رجال الإمبراطور البيزنطي بعد وصول وشاية له بأن الشاعر كان يراسل ابنته. وتأتي كل هذه الخطوات لتحسين صورة تركيا في العالم العربي، بعد عقود طويلة من تبادل نظرات الشك والانتقاد بين البلدين، غذتها أجندات سياسية خارجية وداخلية. ففي تركيا رسخَّ مؤسس الجمهورية العلمانية، مصطفى كمال أتاتورك، في الذهن التركي الحديث أن العرب طعنوا الأتراك في الظهر عندما قام بعض العرب بمساندة بريطانيا في حربها على الدولة العثمانية في الحرب العالمية الثانية، وعلى هذا الأساس قامت سياسة أتاتورك وخلفاؤه على الابتعاد عن العرب بكل السبل، وهي السياسة التي محتها حكومة حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب أردوغان. وبالنسبة للعرب ترسخ في أذهان الكثير منهم أن العثمانيين "محتلون" قاموا بغزو الدول العربية واحتلالها ومص خيراتها، مستدلين على ذلك بعدم حدوث مشاريع تنموية كبرى في الدول العربية خلال الحكم العثماني، وهي الصورة التي رسخها المحتل البريطاني والفرنسي وعدد من الكتاب الليبرالين والمستغربين. إفتكار البنداري - وكالات إسلام أون لاين.نت